دراسة مترجمة تكشف: التفرقة والانحياز المتعمد مثالب السياسة الأمريكية تجاه العشائر في سوريا

دراسة مترجمة تكشف: التفرقة والانحياز المتعمد مثالب السياسة الأمريكية تجاه العشائر في سوريا
بينما كانت الولايات المتحدة تستعد مع حلفائها في عام 2015 لحشد القوات المحلية في شمال شرق سوريا في سبيل قيادة القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، استُدعي بعض زعماء العشائر السورية إلى جنيف في سويسرا لإجراء محادثات مع ممثلي القوى الغربية ودول الخليج بشأن إمكانية تعبئة القوى الحليفة ضد مقاتلي التنظيم. وكان من المتوقع أن توجد الولايات المتحدة المعادل السوري لـ"الصحوات السنّية"، الحركة التي أعادت اصطفاف رجال القبائل السنية في العراق إلى جانب الولايات المتحدة لمساعدتها في المعركة ضد تنظيم القاعدة بين عامي 2005  و 2008. لكن بدلا من ذلك، انتهى المطاف بالولايات المتحدة إلى تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المؤلفة أساسا من وحدات حماية الشعب الكردية إضافة إلى بعض الفصائل العربية الصغيرة، كقوات الصناديد التابعة لقبيلة شمر.  

أين تكمن مواطن الضعف؟

إذاً، لماذا فشلت الولايات المتحدة في استخدام القبائل العربية وكلاءً محليين في حربها ضد داعش في شمال شرق سوريا؟ وأين تكمن مواطن ضعف سياسة الولايات المتحدة وقصورها تجاه السكان العرب في هذه المناطق، حيث يوجد حضور عسكري أمريكي لدعم قوات سوريا الديمقراطية ومؤازرتها لمنع عودة داعش؟ لعبت آفة التشظّي والانقسام التي أصابت بدائها القبائل العربية في شمال شرق سوريا دورا رئيسا في قرار الولايات المتحدة الحاسم بعدم الاعتماد أساسا على مساندة العشائر في حربها على داعش. إضافة إلى ذلك كله، تعاني سياسة الولايات المتحدة الحالية بعض العيوب والقصور، ما جعلها تبدو أكثر انحيازا للكرد على حساب العرب. كما دفعت هذه العيوب والمثالب القبائل العربية إلى أحضان لاعبين آخرين (مثل النظام السوري وإيران) استغلوا صلاتهم بتلك العشائر لزعزعة استقرار المنطقة الخاضعة لسيطرة قسد.

العشائر العربية تحولت إلى حلفاء غير موثوقين للولايات المتحدة جراء الانقسام والتشظي

لعبت العشائرية دورا أساسيا في حشد الشباب ضد النظام حين بدأت حركة الاحتجاج في سوريا عام 2011، لا سيما في المناطق المضطربة من البلاد. ومع تحول الانتفاضة إلى نزاع مسلح، اعترت المجتمع القبلي في شمال شرق سوريا سمتان مميزتان.

أولا، أصابت كثيرا من شباب العشائر الذين جمعتهم، إضافة إلى هوياتهم وانتماءاتهم القبلية، وروابط دينية ووطنية، تغيرات عميقة نتيجة التمدن والتعليم، ما قلص الارتباطات التضامنية التقليدية. ولذلك واجه العديد من زعماء العشائر في شمال شرق سوريا صعوبة في توكيد سلطتهم على هؤلاء الشباب.

ثانيا، بدأت تظهر على السطح نزاعات عشائرية واسعة النطاق جراء التنافس بين العشائر المختلفة لاقتناص أكبر قدر ممكن من غنائم الحرب الدائرة، ومنها حقول النفط والغاز التي استولت عليها عشائر مختلفة في أرياف محافظتي دير الزور والحسكة. لا يعني ذلك القول إن العشائر عاجزة عن الحشد والتعبئة ضد داعش. إذ توجد عدة ميليشيات قبلية فاعلة ومؤثرة، مثل قوات الصناديد، وجيش العشائر المؤلف أساسا من أبناء عشيرة الولدة، إلا أن هذه تبقى مجموعات صغيرة وغير قادرة على القتال بفاعلية وعلى نطاق واسع في شمال شرق سوريا.

دفع الوضع المذكور آنفا المسؤولين الأمريكيين المكلفين بالتعامل مع داعش في عام 2014 إلى التوصل إلى نتيجة مفادها أن العشائر العربية تعاني التشظي والانقسام، ومن ثم فهي غير قادرة على تشكيل جبهة موحدة ضد داعش. بينما بدت وحدات حماية الشعب الكردية قوة أكثر تنظيما، وأجدر بالثقة، بحيث تستطيع الإشراف على الميليشيات العشائرية السورية وتدريبها ضمن مواقعها الجغرافية المحددة. وأظهر الكرد قدرة موحدة على التحكم والسيطرة، افتقدتها القبائل العربية.

السياسة الأمريكية الحالية تجاه القبائل العربية وعيوبها

حالما هزمت قسد تنظيم داعش وبسطت سيطرتها على الأراضي التي تسكنها القبائل العربية شرق نهر الفرات عام 2018، بدأت الولايات المتحدة اتباع مقاربة مختلفة في التعامل مع العشائر العربية. حيث أجرى المبعوثون الأمريكيون لقاءات مع زعماء العشائر في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة.

على سبيل المثال، التقى بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي السابق إلى الشرق الأوسط، بشيوخ العشائر الرئيسة في محافظة الرقة. كما نظمت الولايات المتحدة زيارات لحلفائها إلى المنطقة–المملكة العربية السعودية والإمارات- للاجتماع بزعماء العشائر في العديد من المناسبات. واعترفت رسميا بذكرى مجزرة الشعيطات، التي قتل فيها تنظيم داعش أكثر من 700 شخص من عشيرة الشعيطات بريف دير الزور عام 2014. كما أشادت السفارة الأمريكية في دمشق في بيان لها حول المجزرة على صفحتها الرسمية على فيسبوك بدور عشيرة الشعيطات في التصدي للتنظيم آنذاك. تظهر هذه الأمثلة أن سياسة الولايات المتحدة تجاه العشائر العربية السورية تستهدف إيجاد موقف عشائري موحد تحت قيادة قسد في شمال شرق سوريا. إلا أن هذه الاستراتيجية الحالية تعاني عيوبا ومثالب تهدد المصالح الوطنية الأمريكية في سوريا لعدة أسباب.

حيث عقد المسؤولون الأمريكيون اجتماعات سرية منتظمة مع شيوخ العشائر منذ إعلان هزيمة تنظيم داعش في سوريا عام 2018، دون أن يدركوا العواقب الوخيمة على زعماء العشائر أنفسهم على المدى الطويل. إذ إن الاجتماع بهم دون توفير الحماية أو المعلومات الاستخبارية اللازمة لهم عرضهم لمحاولات اغتيالات عديدة من قبل خلايا التنظيم النائمة. فقد وصف التنظيم الإرهابي شيوخ العشائر وزعماءها ومخاتير القرى بالمرتدين، واعتبرهم تهديدا وجوديا لفلوله، ثم اغتال عددا منهم، كالشيخ بشير فيصل الهويدي في الرقة عام 2018، والشيخ عبيد خلف الحسن في الرقة أيضا عام 2019، والشيخ مشير حمود جيدان الحفل في دير الزور عام 2020. أثارت سلسلة الاغتيالات هذه موجة من الغضب والاستياء والإحباط بين سكان دير الزور العرب، وزعزعت ثقة زعماء العشائر الآخرين في قدرة الولايات المتحدة وقسد على توفير الحماية والأمن.

إضافة إلى ذلك كله، دفعت حالة عدم اليقين تجاه مستقبل الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا العشائر إلى الافتراض بأن الولايات المتحدة قوة لا يعتمد عليها في المنطقة. بينما خلقت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة تخطط لسحب قواتها من الأراضي السورية، شعورا بالقلق والريبة وسوء الظن بالولايات المتحدة وخططها على المدى الطويل في سوريا لدى أفراد العشائر العربية الأخرى. 

التنافس على ولاء العشائر

أبلغنا أحد رجال العشائر المحلية في المنطقة أن "إعلان الولايات المتحدة رغبتها في سحب قواتها من سوريا قد هز ثقتنا بقدرة الولايات المتحدة على تأمين الحماية. وجعلنا مترددين في التعاون مع أمريكا وقسد بسبب خوفنا على حياتنا نتيجة أي إجراءات عقابية يمكن أن يتخذها النظام أو إيران في حال الاستيلاء على أراضينا عقب انسحاب الولايات المتحدة".

يشجع هذا الوضع غير المستقر اللاعبين المحليين والإقليميين على التنافس على ولاء العشائر في مناطق سيطرة قسد بهدف إثارة العداء للولايات المتحدة. على سبيل المثال، حاول أفراد عشيرة الغنامة إيقاف دورية للجنود الأمريكيين خارج مدينة القامشلي في شمال سوريا في شباط/فبراير عام 2020. ويبدو أن النظام السوري، الذي يوفر الرعاية لبعض من زعماء العشائر في المنطقة، قد شجع العشيرة على القيام بذلك. كما تجرب إيران أيضا أساليبها التكتيكية الخاصة لاستمالة القبائل العربية في سوريا. ويواصل المسؤولون الإيرانيون دعوة زعماء العشائر السورية إلى طهران لإجراء محادثات بهدف حثهم على البقاء موالين لبشار الأسد. وفي أثناء هذه الزيارات - التي نقلتها وسائل الإعلام الرسمية السورية والإيرانية - أدان زعماء العشائر السورية الوجود الأمريكي في بلادهم ووصفوه بـ"الاحتلال".

أخيرا، يرى السكان العرب في شمال شرق سوريا أن الولايات المتحدة لا تمارس ضغطا كافيا على قسد من أجل إقامة حكم محلي شامل للتركيبة السكانية المتنوعة. ويعتبرون أن قسد تهيمن على عملية صنع القرار في إدارات الحكم المحلي في مناطقهم. وقال لنا أحد السكان المحليين في الرقة إن الكلمة النهائية فيما يتعلق بأي شأن حكومي أو إداري مهم تعود إلى المستشارين الكرد الذين يهيمنون على المناصب القيادية والإدارية ضمن هيئات قوات سوريا الديمقراطية، وذلك على الرغم من وجود تمثيل عربي في مختلف المجالس المحلية التي أنشأتها. فلو عملت الولايات المتحدة على تمكين مزيد من التمثيل العربي في هيئات الحكم التابعة لقسد، فربما تستطيع لعب دور أكثر حيادية بين العرب والكرد، ما يساعد على تبديد مشاعر الشك والريبة لدى كثير من العشائر تجاه قوات سوريا الديمقراطية.

وعلى الرغم من ذلك كله، تلعب منطقة شرق الفرات دورا متعدد الوجوه في منع عودة تنظيم داعش، وإحباط أي خطط تضعها إيران لتوسيع نفوذها إلى هذا الجزء من سوريا. ومع أن الولايات المتحدة لم تعتمد أساسا على العشائر العربية في حملتها ضد التنظيم، فإن المسؤولين الأمريكيين يتعاملون مع ممثلي العشائر العربية لمنع عودة داعش وشرعنة حكم قسد في مناطقهم. لكن هذه السياسة تعاني عيوبا ومثالب عديدة. فإذا أرادت الولايات المتحدة ترسيخ وجود مستدام وطويل الأمد في شمال شرق سوريا، فهي بحاجة إلى تدارك هذه العيوب والمثالب تحت إدارة جو بايدن الجديدة.

*حيان دخان: باحث سوري، متخصص في دراسة العلاقة بين الدولة والقبيلة في سوريا منذ أواخر الحقبة العثمانية إلى الحرب الدائرة في البلاد حاليا.

عمار الحمد: طالب ماجستير (من الرقة أصلا) وباحث في العلاقات الدولية في جامعة حسن كاليونكو في غازي عنتاب، تركيا. عمل مع منظمات دولية مختلفة في قضايا تتعلق بالنزاع السوري منذ عام 2013.

المصدر: "المجلس الأطلسي"

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات