2021 عام ديستويفسكي: سوريون قدموا أعماله مسرحيا وتلفزيونيا

2021 عام ديستويفسكي: سوريون قدموا أعماله مسرحيا وتلفزيونيا
أعلنت منظمة (اليونسكو)، للثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة العام 2021  (عام دوستويفسكي) بمناسبة ذكرى مرور مئتي عام على ميلاد الروائي الروسي البارز فيودور ميخيلوفتش دوستويفسكي (موسكو 11 - نوفمبر 1821 - 9 فبراير 1881) وأعلنت اليونسكو أن الاحتفال لن يقتصر في روسيا فقط، بل في مختلف بلدان العالم..

ديستويفسكي في الثقافة السورية

ولا بد حين نذكر ديستويفسكي أنْ نذكر أنَّ للسوريين فضل التعريف به في العالم العربي، حيث كان المترجم والسفير السوري سامي الدروبي  (1921 - 1976) أهم وأشهر من ترجم أعمال ديستويفسكي في ستينيات القرن العشرين، وقد صدرت ترجماته في طبعات عدة عن دور نشر عربية في سوريا ومصر ولبنان والعراق، كما أن روايته (الإخوة كارامازوف) قدمها المسرح القومي السوري في عرض مسرحي لعب بطولته الفنان الكبير نهاد قلعي ورفيق السبيعي وسليم صبري وثناء دبسي وهيلدا زخم وخضر الشعار وأخرجه أسعد فضة عام 1964 

أما روايته (الجريمة والعقاب) فقد أعدها للتلفزيون السيناريست الراحل عبد العزيز هلال، وأخرجها علاء الدين كوكش في مسلسل حمل عنوان (الاختيار) وأنتجه التلفزيون السوري بتقنية الأبيض والأسود عام 1978 

للسوريين فضل التعريف به في العالم العربي، حيث كان المترجم والسفير السوري سامي الدروبي  (1921 - 1976) أهم وأشهر من ترجم أعمال ديستويفسكي في ستينيات القرن العشرين، وقد صدرت ترجماته في طبعات عدة عن دور نشر عربية في سوريا ومصر ولبنان والعراق

الرواية الأولى المدهشة

 ولد ديستويفسكي لأب كان طبيبا وضابطا.. وأم اختزنت عذابات قسوة الزوج البخيل، الصارم، الشرس الطباع، الذي أثّر في حياة ابنه وساهم في تأزم شخصيته. كان فيودور يقرأ في الخفاء.. وكانت قراءاته بوابة عبوره الأولى إلى عالم سيصنع مجده الأدبي ليس في ذاكرة وطنه روسيا فحسب.. بل في ذاكرة العالم كله. 

في عام 1837 قصد دستويفسكي سانت بطرسبورج التي كانت عاصمة روسيا القيصيرية ليدخل مدرسة الهندسة العسكرية.. وبعد خمس سنوات تخرج ضابطا بسلاح المهندسين، ولكنه في عام 1844 قرر أن يقدم استقالته من الجيش مدعيا ضعف صحته وأن يتفرغ للكتابة. 

روايته الأولى (المساكين) أو (الفقراء) أتم كتابتها عام 1845 وقبل أن يتم الرابعة والعشرين من العمر.. ولكنها كانت عملا لافتا، استطاع أن يقدمه بقوة إلى الوسط الأدبي حتى أن الناقد الروسي الكبير (بيلنكسي) المعروف بقسوة أحكامه النقدية علق عليها بكلمات مملوءة بالدهشة التي جعلته يسأل ديستويفسكي: 

" هل تفهم ما كتبت أيها الفتى؟ لقد كتبت قصتك بوحي من غريزتك الفنية.. ولكن هل أدرك عقلك أنت كل هذه الحقائق البشعة التي صورتها؟ يخيل إلي أنه من المستحيل أن يفهمها شاب صغير في مثل سنك ".

اهتم ديستويفسكي  كما غوغول الذي كان أحد مصادر إلهامه، بالطبقة الشعبية في أدبه.. لكن ديستويفسكي لم يتوقف مثل غوغول عند غبائها وقلة حيلتها الظاهرة، بل تعداهما إلى ما هو أبعد وأعمق؛ إذ فتش من خلال أفراد هذه الطبقة عن حل لأسرار الطبيعة الإنسانية.. ولهذا غدا رائدا للقصة النفسية، مدهشا في تصوير عذاباته التي عاشها وقد ألبسها لشخصياته الروائية.. فغدت رواياته حافلة بالدسائس والمؤامرات والأبطال المعارضين أوالمجرمين الذين سعى ديستويفسكي لتبرير جرائمهم. لم يكن هدف الجريمة في روايات ديستويفسكي بوليسيا أو تشويقيا.. بل كان نفسيا خالصا، صوّر من خلاله شخصيات مأزومة ومضطربة وعاجزة عن التأقلم، تعيش على حافة الجنون.

اهتم ديستويفسكي  - كما غوغول - بالطبقة الشعبية في أدبه. لكن ديستويفسكي لم يتوقف مثل غوغول عند غبائها وقلة حيلتها الظاهرة، بل تعداهما إلى ما هو أبعد وأعمق؛ إذ فتش من خلال أفراد هذه الطبقة عن حل لأسرار الطبيعة الإنسانية.. ولهذا غدا رائدا للقصة النفسية

هنري ترويا: قوة جبارة سيطرت على أعماله وتفكيره!

وربما كان أفضل ما يفسر العلاقة بين حياة ديستويفسكي الخاصة وبين إبداعه ما كتبه الكاتب والناقد الفرنسي هنري ترويا في كتابه (ديستويفسكي حياته وأعماله) يقول ترويا: 

" قبل أن نلوم <ديستويفسكي> على موقفه من أبطال رواياته حين يحاول تبرير أعمالهم ومواقفهم، علينا أن نعلم أن قوة جبارة خاصة، قد سيطرت على أعماله وتفكيره، ورتبت وجوده في العالم بالطريقة التي ظهر بها من خلال أبطاله. إن الظروف التي جاء فيها إلى العالم، تعد لوحدها رمزا. فقد ولد ديستويفسكي في 30 تشرين الأول عام 1821 في مشفى القديسة ماري، في مدينة موسكو حين كان والده الضابط الطبيب يعمل هناك. ومنذ أولى خطواته منحه القدر مكانة سامية بين فقراء وكسحان، ففتح عينيه على عالم حزين يعبق برائحة الفقر والبؤس. كانت والدته حزينة معذبة النفس... قلقة من المستقبل. وكان والده رجلا بخيلا شرس الطباع، يفرض إدارته على الموظفين بالضرب والسباب. وتحت مراقبة هذا الوالد الفظ باشر فيدور دروسه. 

كره في الخفاء والده، هذا الوالد الذي كان صوت صياحه يلاحق الطفل حتى في أحلامه، وتمنى له فيدور الموت غير أن الله لم يستجب دعاءه.. بل أخد له والدته الحنونة بعد مرض استعصى شفاؤه. فأضاع والده نفسه في الخمر، ومضى يعمل بقرف واشمئزاز وقرر أن يودع ابنه مدرسة الهندسة في بطرسبورغ حتى يتخلص من أمر تربيته. كانت قوانين تلك المؤسسة صارمة قوامها احترام العلوم المتقنة وتربية عسكرية بروسية حسب ذاك الزمان... ورغما عن ذلك استطاع ديستويفسكي أن يجد الفرصة ليتعلق بالأدب. كان يطالع في الخفاء الكتب الروسية والفرنسية ويحاول أن يكتب. ولم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة عندما استلم نبأ زعزع كيانه، فوالده الذي أحيل على التقاعد والذي ذهب يعيش في قريته قد قتل. كان فظاظة والده الطبيب وجنونه قد دفعا الفلاحين إلى أن يعذبوه شر تعذيب قبل أن يقتلوه. أحس ديستويفسكي الشاب أنه المسؤول الوحيد عن هذه الجريمة رغم أن غيره كان قد ارتكبها. ألم يتمنّ موت والده؟ حتى وإن كان يرفع يده.. لكنه رفعها في خياله: يكفينا أن نضمر القبول في الجريمة وأن نتمنى التنفيذ لنصبح شركاء فيها". 

حكم إعدام وأشغال شاقة ونوبات صرع!

عاش ديستويفسكي حياة حافلة بالعذاب.. فقد سجن لمدة ثمانية أشهر قبل أن يصدر عليه حكم بالإعدام بسبب انتمائه لجماعة سياسية معارضة ويتم اقتياده في شتاء عيد الميلاد القارس إلى ساحة (سيمنو فوسكي) المغطاة بالثلوج، لينفذ فيه حكم إعدام وهمي لم يكن يفصل بينه وبين إطلاق الرصاص سوى الإعلان عن عفو إمبراطوري أصاب ديستويفسكي بالذهول قبل أن يعاد إلى السجن وتوضع السلاسل في يديه ويتم اقتياده إلى صحراء سيبيريا وكان في الثامنة والعشرين من العمر، ليعيش مدة أربع سنوات بين المجرمين والقتلة واللصوص والمحكوم عليهم بالإعدام.. وبعد الإفراج عنه التحق كجندي صف في فرقة القناصة في مدينة (سيميبالانين) ثم أحب امرأة مجنونة كانت مصابة بداء السل لأنه كان في أمسّ الحاجة لأن يعطي ذاته لإنسان آخر.. وفي ليلة زفافه انتابته نوبة صرع عنيفة دامت لساعات وأخافت زوجته التي لم تبادله الحب ذاته.   

عاش ديستويفسكي حياة حافلة بالعذاب.. فقد سجن لمدة ثمانية أشهر قبل أن يصدر عليه حكم بالإعدام بسبب انتمائه لجماعة سياسية معارضة ويتم اقتياده في شتاء عيد الميلاد القارس لينفذ فيه حكم إعدام وهمي، لم يكن يفصل بينه وبين إطلاق الرصاص سوى الإعلان عن عفو إمبراطوري أصاب ديستويفسكي بالذهول 

تمكن ديستويفسكي بعد عشر سنوات من محنته الطويلة أن يحصل على عفو من القيصر إسكندر الثاني الذي خلف نقولا الأول الذي سجن في عهده، وسمح له بالعودة إلى العاصمة في شتاء عام 1859 وكان يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاما. 

عاد ليبدأ من الصفر بعد أن نُسي اسمه في دنيا الأدب.. ونشر روايته الرائعة (مذلون ومهانون) ثم (ذكريات بيت الموت) التي صور فيها كمحكوم بالأشغال الشاقة واقعا قاسيا هز جمود الشعب الروسي وهز القيصر ذاته ما مكّنه من استعادة شهرته ككاتب.. قبل أن يتابع أعماله (ذكريات كتبت في نفق تحت الأرض) ويصدر مجلته التي كان محررها الوحيد.. لكن لم يلبث أن عاد إلى دوامة الآلام العائلية بموت زوجته ثم شقيقه، ثم تكاثر الديون التي أثقلت كاهله.

الجريمة والعقاب

في تلك الفترة تزوج من سكرتيرته (أنا غريغوريفنا) وكانت في العشرين من عمرها وهو في السادس والأربعين.. وطفق تحت ضغط دائنيه، يكتب أحد أهم أعماله العظيمة (الجريمة والعقاب) التي صدرت عام 1866 والتي نشر الجزء الأول منها في مجلة (روسكي فسينيك) في شباط من العام المذكور، وفي رسالة إلى المحرر كانكوف، يرسم ديستويفسكي صورة مكثفة لروايته التي اعتبرت أهم أعماله الروائية على الإطلاق فيقول: 

" إنها تقرير نفسي عن إحدى الجرائم. شاب مفصول من الجامعة، يعيش أحط درجات الفقر، ويقرر بفعل اهتزازه الفكري، وذبذبة مفاهيمه، وتحت ضغط بعض الأفكار الغريبة الناقصة التي تملأ الهواء، أن يتخلص من مصيره دفعة واحدة، فيصمم أن يقتل عجوزا مرابية تقرض مالاً بالفائدة، ويتمكن من تنفيذ جريمته بسهولة ونجاح، لكنه يضطر إلى إفشاء سره وذلك لكي يقترب من البشر، ولو كان ثمن ذلك أن يموت تحت وطأة عذاب الأشغال الشاقة. فإحساسه بالانغلاق والانفصال عن إنسانيته يرهقه".

الأبله والمقامر

بعد (الجريمة والعقاب) كتب ديستويفسكي روايته الشهيرة (المقامر) ورغم المرابح الكبيرة التي حققتها مبيعات تلك الروايات إلا أنه لم يسدد ديونه المتراكمة واضطر لأن يهرب مع زوجته خارج روسيا وتنقلا بين هامبورغ وجنيف وفلورنسا وعاشا حياة تشرد مؤلمة دون أن يكترث به أحد أو يحبه أحد.. واستمر يكتب تحت ضغط تسديد أجور الطبيب وأجرة البيت ومصاريف المنزل فأبدع روايته (الأبله).

عندما بدأ العمل في سبتمبر من عام 1867 على كتابة (الأبله) كان ديستويفسكي وزوجته يعيشان في فقر مدقع، وكان عليهما  اقتراض المال أو رهن ممتلكاتهم. وقد طُردوا من مسكنهم خمس مرات لعدم دفع الإيجار، وبحلول الوقت الذي أنهى فيه الرواية في يناير 1869، كانا قد تنقلا بين أربع مدن مختلفة في سويسرا وإيطاليا.

رغم المرابح الكبيرة التي حققتها مبيعات رواياته، إلا أنه لم يسدد ديونه المتراكمة واضطر لأن يهرب مع زوجته خارج روسيا وتنقلا بين هامبورغ وجنيف وفلورنسا وعاشا حياة تشرد مؤلمة.. واستمر يكتب تحت ضغط تسديد أجور الطبيب وأجرة البيت ومصاريف المنزل 

في هذه الرواية  تحدث ديستويفسكي عن إنسان يشبه الملاك وقع في مدينة يكثر فيها اللصوص والمهرجون.. ويصارع فيها بذكائه العاطفي معايير الذكاء الأخرى التي يعتبر أنه يفتقر إليها بسبب طيبة قلبه واستعداده الدائم لفعل الخير، ما يسبب له قلقا نفسيا مخيفا داخل الأجواء الخفية التي جرت فيها حوادث القصة. قوبلت رواية (الأبله) في الخارج بالسخرية، وفي الصحافة الروسية بالفتور، قبل أن يعاد الاعتبار إليها ويجري اعتبارها عملا روائيا عظيما من أعمال ديستويفسكي.. كما كتب (المراهق)  و(المقامر) التي كتبت في مدة ثلاثة أسابيع كي تسلم للناشر في الموعد المحدد، وقد حاكى فيها ديستويفسكي من خلال شخصية الأستاذ الروسي المثقف الذي يتزوج امرأة أرستقراطية تحقره ما يدفعه للإدمان على القمار كتحدٍ لجني المال.. حاكى فيها إدمانه المرضي على القمار، الذي خسر من خلاله مبالغ طائلة على طاولات القمار في ألمانيا وفرنسا وسويسرا... قبل أن يتوقف عن اللعب نهائيا عام 1871.

الأخوة كرامازوف

عاد ديستويفسكي بعد أن تذوق مرارة التشرد والغربة إلى روسيا  وفي عام 1878 بدأ يكتب روايته الأخيرة والأشهر (الإخوة كرامازوف) التي أنهاها عام 1880 والتي قال عنها في إحدى رسائله: 

"أنا أنتهي الآن من كتابة (الإخوة كارامازوف) وأضع اللمسات الأخيرة لهذا العمل الذي أجده عزيزا جدا علي، لأنني أفرغت فيه الشيء الكثير من ذاتي.. فأنا أعمل بصورة عامة بأعصاب متنرفزة، وبألم وإجهاد روحي. إن الكتابة تهد صحتي، والآن علي أن أنتهي من الصيغة الأخيرة لكل ما أفكر فيه وأجمعه وأكتبه في السنوات الثلاث الماضية. يجب أن يكون هذا الكتاب جيدا في جميع الأحوال، أو جيدا على الأقل في حدود طاقتي. إنني لا أعرف كيف يستطيع المرء أن يكتب بسرعة كبيرة ولأجل المال فقط، والآن حان الوقت لأفرغ من هذه الرواية بسرعة".

رحل ديستويفسكي عام 1881 عن ستين عاماً، لكنه استطاع أن يغير تاريخ الأدب في روسيا والعالم كله... فكانت آلامه ومعاناته وحياة سجنه وتشرده وضغط دائنيه وإدمانه على القمار ووقوعه ضحية مرض الصرع.. كلها مفردات من العذاب الذي ولدته من رحمه الرواية النفسية التي أبدعها ومازال ظله مهيمنا على كل من قاربوها بشكل أو بآخر. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات