تجار حلب في مرمى جمارك أسد: مكافحة التهريب بين الجباية والوصاية والانتقام

تجار حلب في مرمى جمارك أسد: مكافحة التهريب بين الجباية والوصاية والانتقام
أثارت الحملة الأمنية التي استهدفت أسواق مدينة حلب تحت عنوان مكافحة الفساد والتهريب وأسفرت عن مصادرة بضائع قيمتها مليار ليرة سورية، تساؤلات عديدة حول محاولات نظام أسد القضاء على ما تبقى من العاصمة الاقتصادية الخاضعة لسيطرة الميليشيات الإيرانية، إضافة لتعمّده معاقبة تجار المدينة الذين وقفوا معه ضد ثورة الشعب السوري.

الحملة بدأتها مديرية الجمارك التابعة لحكومة أسد أثناء عطلة العام الجديد، عبر مداهمة الأسواق والمحال التجارية في أحياء العزيزية والتلل والموكامبو بمدينة حلب ومصادرة بضائع على أنها مهربة رغم استيرادها بشكل نظامي عبر الميليشيات المسؤولة عن المنطقة، وقدرت المبالغ المحصلة من الحملة بنحو مليار ليرة سورية.

وأشار مسؤول الجمارك التابع لحكومة أسد العميد آصف علوش، إلى أن الحملة في حلب أسفرت عن "ضبط جملة من المهربات تجاوزت غراماتها 250 مليون ليرة، معظمها ألبسة وأدوية وأجهزة كهربائية مصدرها تركي"، لكن غرفة تجارة حلب قدرت قيمة المصادرات بنحو مليار ليرة، مع اتهامات رسمية من أعضاء الغرفة بأن البضائع المصادرة تم شراؤها من الجمارك نفسها التي تنفذ الحملة.

تجار حلب غاضبون والجمارك مستمرة

وأثارت تلك الخطوة غضب تجار حلب رافضين سلب أموالهم بطريقة غير مشروعة وتحت عناوين مزيفة، ليأتي الرد سريعا على غضب التجار من أحد مديري الجمارك التابع لحكومة أسد، بأن المديرية ستضرب أي محاولة للتهريب.

وعقب ذلك أعلنت غرفة تجارة حلب عبر صفحتها في "فيس بوك" توصلها لاتفاق مع مديرية الجمارك بمنع دخول دوريات الضابطة التابعة للجمارك إلى الأسواق في المدينة، مقابل إجراءات عديدة اتفق عليها الطرفان وأبرزها "تسوية أي مخالفة، إن وجدت، في مديرية جمارك حلب حصراً دون سوق التاجر أو المستورد أو البضاعة إلى دمشق".

إتاوات بقوانين شرعية!

واللافت في الأمر أن تلك البضائع المصادرة بموجب قوانين مزيفة تلعب عليها حكومة أسد، هي في الأصل بضائع مستوردة بشكل نظامي لكن عبر الميليشيات التي تستوردها بطرق التهريب وتبيعها للتجار والصناعيين كبضائع نظامية.

ويرى مراقبون ومحللون أن تلك الظاهرة ماهي إلا أداة لتأمين موارد مالية عبر "إتاوات" تفرضها الميليشيات المهيمنة على المنطقة، تحت عناوين مكافحة الفساد والتهريب ودعم الإنتاج الوطني، إضافة لمحاولات يائسة لتحسين صورة بشار أسد أمام مؤيديه بعد الانهيار الاقتصادي والأزمة المعيشية التي تعيشها مناطقه في جميع القطاعات.

ويقول الاستشاري الصناعي سعيد نحاس في حوار مع أورينت: "الطرق في حلب تسيطر عليها ميليشيا الفرقة الرابعة، وهم يأخذون إتاوات على البضائع ومن ثم يصادرونها، والمؤلم في الأمر أن الكثير ممن صودرت بضائعهم قالوا إنهم اشتروا هذه البضائع من النظام نفسه، وذلك عبر ميليشياته وتحت مظلتها ومن ثم باعوها للتجار بالمزاد العلني، ليصادرها النظام تحت نفس الذريعة".

تدمير ممنهج للعاصمة الاقتصادية

ويرى الاستشاري نحاس أن الهجوم على مدينة حلب ليس جديدا بل كان دائما لتدمير بنيتها التحتية والقضاء على تجارها وصناعييها، ويقول: "حلب تعرضت لأكبر حملة لإفراغها من الصناعيين والتجار في السنوات السابقة، لكن لم يكتفِ الحاقد بذلك بل يحاول أن يجهز على ما تبقى من شريحة الموالين".

ويضيف أن "جميع الشهود على حملة الجمارك الأخيرة أشاروا إلى أن البضائع لم تكن مهربة وجزء منها كان سورياً، ولم ينفعهم إبراز الوثائق لتأكيد أن تلك البضائع سورية وتم استيرادها بشكل نظامي"، معتبرا في الوقت ذاته أن نظام أسد لا يتوانى عن تجهيز الذرائع لتحطيم ما تبقى من البنية التحتية لحلب، و"من أجل استقطاب المال والتوغل الميليشياوي وعلميات التهريب".

دعم الخزينة المنهارة 

ودفع الانفلات الأمني وانخفاض وتيرة العمليات العسكرية في مناطق سيطرة ميليشيا أسد،  ميليشيا أسد ورجالاتها إلى الانتقال بشكل ملموس إلى الساحة الاقتصادية و الساحة الأمنية الداخلية، خاصة أن الملف الاقتصادي هو الضاغط الأساسي على نظام أسد، الأمر الذي يدفعه للحصول على وفورات اقتصادية من مختلف المصادر، بحسب الناشط المدني علاء الدين زيات.

ويوضح زيات في حوار مع أورينت: "العملية واضحة وهي السماح بالتهريب من المنافذ الحدودية، ثم الحصول على وفورات إضافية من خلال المصادرات والغرامات التي تتجاوز 20 بالمئة من قيمة السلع المصادرة"، مؤكدا أيضا أن الجهة المنفذة لتلك الحملات تحت مفهوم مكافحة الإرهاب هي جهة غير مخولة قانونية للقيام بها، في إشارة إلى مديرية الجمارك.

مصير البضائع المصادرة

والمثير للسخرية أن نظام أسد يقوم ببيع البضائع المصادرة من التجار بالمزاد العلني للسوريين أيضا بعد تخزينها في مستودعات الجمارك التابعة له، لكن ورغم ذلك فتلك المزادات تكون موجهة لأشخاص محسوبين على النظام وبإشرافه، الأمر الذي يؤكده المحلل الاقتصادي سامر كركعلي في حواره مع أورينت.

ويشرح كركعلي تلك اللعبة بقوله: "بالنسبة لبضائع النظام الجمركي التابعة لحكومة أسد، البضائع تخزن لدى الجمارك ومن ثم تباع بالمزاد العلني المزيف بإشراف النظام نفسه، هذه البضائع المصادرة بقيمة مليار ليرة، سيعاد بيعها للتجار السوريين، ولكن لأزلام النظام".

مكافحة التهريب تشبه مكافحة الإرهاب

ورغم وقوف تجار حلب على وجه التحديد مع نظام أسد في وجه الثورة السورية منذ عام 2011، لم يشفع لهم ذلك بعقاب جماعي باستباحة أموالهم وضرب تجارتهم وصناعتهم لصالح ميليشيات أسد والميليشيات الإيرانية التي تُحكم خناقها على المدينة وجميع طرقها ومنافذها.

وخلال الأعوام الماضية، سنَّت حكومة أسد قانون مكافحة التهريب وخاصة البضائع التركية، لتكون باباً اقتصادياً لسد عجزها المالي عبر حملات واسعة نفذتها في محافظات دمشق وحماة واللاذقية وغيرها، صادرت بموجبها بضائع تقدر بمبالغ فلكية، ليتم رفد خزينة نظام أسد بها، حيث قدرت الحكومة مجموع مبالغ المصادرات عام 2019 بأكثر من تسعة مليارات ليرة سورية في عموم مناطق سيطرتها بحسب إعلام أسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات