أراض على خط التماس ولقمة مغمسة بـ"الموت": قصة مزارعي المناطق المحررة مع ميليشيات أسد

أراض على خط التماس ولقمة مغمسة بـ"الموت": قصة مزارعي المناطق المحررة مع ميليشيات أسد
مع التقدم العسكري الأخير لميليشيات أسد مدعومةً بالاحتلال الروسي على حساب الفصائل المقاتلة في صيف 2019  خسرت الأخيرة  حوالي  60 بالمئة من المساحة الجغرافية التي كانت تسيطر عليها في ريف حماة وريف إدلب الجنوبي، الأمر الذي شكّل خطراً اقتصادياً على ما تبقى من مناطق محررة، على اعتبار أن غالبية أهلها يعتمدون على العمل في أراضيهم الزراعية بشكل رئيسي لتأمين قوتهم اليومي.

الأراضي الزراعية.. ونقاط التماس

وبالحديث عن الأراضي الزراعية وواقع المزارعين في ظل محاولات ميليشيا أسد الطائفية والاحتلال الروسي تطبيق سياسة القضم التدريجي، أوضح (مركز نورس للدراسات)  في تصريح  لأورينت نت أن: 

"مساحة الأراضي التي تم خسارتها في محافظة إدلب تقدر ب3146 كم منها 2300 كم أراضٍ زراعية  بينما تبقى بيد المعارضة 3460 كم منها 1500 كم أراضٍ زراعية، وفي منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي.

 والمشكلة الأساسية التي يعانيها أصحاب الأراضي الزراعية هي قرب أراضيهم من خط التماس في الصراع مع ميليشيات أسد الطائفية.. الأمر الذي جعل كل من يعمل فيها في مرمى النيران.

وبحسب (معتز المواس) الذي يعمل مشرفاً زراعياً في المنطقة فإن:  "مساحة الأراضي الزراعية الخارجة عن سيطرة ميليشيا أسد في سهل الغاب حوالي 80,000 دونم منها 35000 دونم بعمق كيلو مترين  لاتزال بوراً (غير مزروعة) بسبب عدم تمكن أصحابها من العمل فيها لقربها من نقاط تمركز ميليشيات أسد التي تعتبر هؤلاء المزارعين هدفا لها.  

ويضيف (المواس) أن ذلك أدى لانخفاض الإنتاج الزراعي في سهل الغاب والذي كان يعتبر بمثابة سلة غذائية متكاملة لكل سوريا، إلى أدنى مستوياته بسبب خروج غالبية الأراضي عن الخدمة واقتصار المزارعين على مساحات صغيرة من أراضيهم وعلى محصول واحد سنوياً، بالكاد يحقق لهم الاكتفاء الذاتي.

لا يستهدف نظام أسد المزارعين الذين يعملون على تحصيل قوت يومهم في الأراضي الخارجة عن سيطرته بالقصف أو القنص فقط، بل يقوم بزرع الألغام وإلقاء القنابل.. مدير المكتب الزراعي في ريف حلب الغربي (زياد الوليد) يقول لأورينت نت:

تقدر مساحة الأراضي الزراعية القريبة من نظام أسد ولا سيما تلك المتمركزة في الفوج 46، حوالي 1000  دونم  ولا يستطيع أحد الاقتراب منها بسبب القصف المتكرر عليها و كثرة الألغام والقنابل العنقودية من مخلفات قصف النظام عليها، حيث يقتصر عمل المزارعين على الأراضي البعيدة نسبياً عن ميليشيا النظام حفاظاً على أرواحهم. 

هدنة هشة… وعمل زراعي بسيط

مع الاتفاق الروسي التركي الموقع بتاريخ 5 آذار/مارس عام 2019 الفائت، القاضي بوقف إطلاق النار، شهدت المنطقة انخفاضا نسبيا لوتيرة القصف والاستهدافات المدفعية والصاروخية، الأمر الذي أدى لعودة غالبية الفلاحين للعمل بأراضيهم ولو بشكل تدريجي بسبب الخروقات المتقطعة بين الحين والآخر من جهة ونقص المعدات الزراعية من جهة ثانية. ويوضح هذا الأمر معتز المواس في حديثة لأورينت نت قائلا:

"أكبر صعوبة يعاني منها المزارعون عموما وفي منطقة سهل الغاب خصوصاً، هي صعوبة تأمين مياه الري بعد أن أصبح موردها الأساسي المتمثل بنهر العاصي خط تماس بين الفصائل وميليشيا أسد.. ناهيك عن ارتفاع في أسعار البذار والمعدات الزراعية وغياب سوق التصريف، وسط غياب تام  لدور المنظمات بحجة خطورة المنطقة".

ورداً على سؤالنا عن دور الفصائل في حماية المزارعين قرب مناطق خطوط التماس، ومدى قدرتهم على توفير البيئة الآمنة لعمل المزراعين في تحصيل قوتهم اليومي يقول  (عمار أبو أمير)  وهو قائد عسكري 

 " نحن نتعامل مع نظام لا تربطه أي علاقة مواطنة مع السوريين... أرواحهم وأرزاقهم لا قيمة لها في عقيدته العسكرية.. ويقتصر دور المرابطين في حماية المزارعين والمدنيين، على تنبيههم في حال وجود طيران أو نية قصف أو تقدم لميليشيا النظام على المنطقة، وتوجيههم نحو الطرق والنقاط الآمنة أو البعيدة عن أنظار العدو حفاظاً على أرواحهم" 

ويوضح (أبو مير) أنه لا يوجد أي تنسيق أو اتفاق بين الفصائل والنظام للسماح للمزارعين من الطرفين للعمل بأراضيهم.. لأن الأخير لا يعنيه إن عملوا أو ماتوا من الجوع!

لقمة مغمسة بالدم 

وربما كان صوت الفلاح نفسه، الممنوع من الاقتراب من أرضه هو الصوت الأكثر مرارة في هذه القضية. يحدثنا الحاج (عمار اليونس)  بحرقة بدت واضحة على تجاعيد وجهه النحيل المتعب قائلا:

"يا ابني الأرض عرض، ولكن ما باليد حيلة" هجرت أرضي مرغما، فحياتي وحياة أبنائي أغلى من كنوز الدنيا ،وبسبب غلاء المعيشة أعمل مع أقاربي في أرض صغيرة في ساعات الصباح الأولى أو الضباب خوفاً من القصف، للاستفادة منها قدر الإمكان فأنا مزارع منذ أكثر من خمسين عاما ولا أريد العمل بغير الأرض... أو أجيرا عند الآخرين بعد هالعمر" 

 ويقطع حديث (اليونس) صمت مرير بسبب ما آل إليه الحال.

خروقات مستمرة وخسائر مختلفة 

لا تزال ميليشيات أسد الطائفية تستهدف  القرى والبلدات والآليات والأشخاص القريبين من نقاط وجودهم بمختلف أنواع الأسلحة، الأمر الذي يوقع خسائر بشرية ومادية مختلفة، وبحسب (مصعب الأشقر)  الناشط الإعلامي والحقوقي وثّقنا في الأيام العشرة الأخيرة فقط في الفترة الواقعة بين 20-12 إلى 30-13-2020 قيام الفرقة السادسة التابعة لميليشيا نظام أسد والمتمركزة في سهل الغاب باستهداف ست سيارات مدنية إضافة لجرار زراعي على طريقي القرقور والزقوم، ما أدى لمقتل خمسة مدنيين وجرح آخرين، بينما ذكر مركز (نورس للدراسات) أن معدل استهداف المدنيين في الأراضي الزراعية مرتين باليوم تقريبا.انخفض مؤخرا خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول إلى مرة واحدة.

التعليقات (2)

    معتز المواس

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    جزاكم الله خيرا على هذا التقرير ونتمنى من الله الفرج القريب وعودة المهجرين إلى قراهم وبلداتهم وزراعة اراضيهم

    عبد الملك مغمومة

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    يعطيكم العافية يا اروينت على هذه التقارير الرائعة... تقرير الخبز في المناطق المحررة وهذا التقرير الرائع الذي يشرح المشكلة جيدا. كل التحية للصحفي المبدع صاحب هذه التقارير الجميلة ولتميز الأورينت نت الملحوظ في الفترة الأخيرة والذي يعيدها للصدارة وبكل جدارة
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات