وفاة جاسوس إسرائيلي من أصل سوري أسس أجهزة استخبارات وخطط لعمليات اغتيال كبرى

وفاة جاسوس إسرائيلي من أصل سوري أسس أجهزة استخبارات وخطط لعمليات اغتيال كبرى
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن إسحاق شوشان العميل الإسرائيلي السري (جاسوس) من أصل سوري، توفي في الـ 28 ديسمبر في تل أبيب عن عمر ناهز 96 عاما، والذي تظاهر بأنه عربي في بداية حياته المهنية وشارك في تفجيرات ومحاولات اغتيال، قبل أن يقدم مساهمات كبيرة في تعليم أساليب التجسس في البلاد.

وأكدت ابنته إيتي الوفاة في مستشفى إيخيلوف، قائلة إنه أصيب بجلطة دماغية.

وقال رئيس الوزراء السابق إيهود باراك الذي خدم ذات مرة في وحدة المخابرات الإسرائيلية التي ساعد شوشان في تأسيسها، إن "شوشان خاطر بحياته مرارا وتكرارا نيابة عن إسرائيل، وأضاف في تغريدة عبر تويتر: "لقد تعلمت أجيال من المحاربين تحت قدميه، وأنا أيضا".

ولد شوشان زكي شاشو في حلب - سوريا عام 1924 لعائلة يهودية تتحدث اللغة العربية، ودرس في مدرسة للغة الفرنسية، وتعلم اللغة العبرية في مدارس يهودية أرثوذكسية، وكان ينتمي إلى الكشافة العبرية الصهيونية في سن الثامنة عشرة بدافع من الصهيونية، وسافر آنذاك إلى فلسطين التي كانت تخضع للحكم البريطاني، وفي غضون عامين تم تجنيده من قبل القوات اليهودية السرية.

أثناء تدريبه تم إرساله إلى وحدة سرية تعرف باسم "الفصيلة العربية" والتي تتكون من يهود يمكن أن يكونوا عرباً، وقد اتهمت بجمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ عمليات التخريب والاغتيال.

قال يوآف جيلبر أستاذ ومؤرخ تلك الفترة، إن الوحدة أُنشئت على احتمال نشوب "حرب أهلية في فلسطين بين اليهود والعرب".

تم تدريب أعضاء الوحدة ومعظمهم من المهاجرين من الأراضي العربية على جمع المعلومات الاستخباراتية والاتصالات السرية - شفرة مورس على سبيل المثال - وكذلك على تكتيكات الكوماندوز واستخدام المتفجرات، كما أنهم خضعوا لدراسة مكثفة للإسلام والعادات العربية حتى يتمكنوا من العيش كعرب دون إثارة الشكوك.

بدأ شوشان المشاركة في عمليات جمع المعلومات الاستخبارية بعد أن صوتت الأمم المتحدة عام 1947 على تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين يهودية وعربية، ما أدى إلى اشتباكات من شأنها أن تتحول إلى حرب.

اغتيال الشيخ نمر الخطيب

في فبراير 1948 طُلب منه أن يستخدم جانبا آخر من تدريبه: المساعدة في اغتيال الزعيم الفلسطيني الشيخ نمر الخطيب، الذي قيل آنذاك إنه كان في طريقه من لبنان إلى فلسطين محملاً بالسلاح.

وكان شوشان قال في مقابلة عام 2002، إن العملية خططت بأن يطلق مسلحون النار على سيارة الشيخ، بينما كان دوره كـ"متفرج عربي"، بحيث يتراجع مع بدء العملية (يركض للخلف) للتأكد من أن الشيخ قد مات وإذا لم يكن الأمر كذلك فإنه ينهي المهمة. 

وقال شوشان إن الشيخ قتل بالفعل في سيارته: "رشها القتلة بنيران الرشاشات"، لكنه نجا بعد أن منع الجنود البريطانيون شوشان من الوصول إليها، وغادر الشيخ فلسطين بجروح بالغة وتوقف عن لعب دور فاعل في الحرب.

تفجير حيفا

بعد ذلك بوقت قصير تم إرسال شوشان وعضو آخر من "الفصيلة العربية" إلى مرآب في حيفا، حيث أشارت المعلومات الاستخبارية إلى أنه كان يتم تجميع سيارة مفخخة هناك، قال: "لم يشك أصحاب المرآب بنا على الإطلاق، بالطبع لم يرغبوا في السماح لسيارتنا بالدخول، لكنهم وافقوا على السماح لنا بالدخول للحظة لاستخدام الحمام".

كان ذلك طويلاً بما يكفي لتفعيل فتيل موقوت على عبوة ناسفة والفرار، وبعد دقائق هز انفجار ضخم المنطقة بأكملها ودمر المرآب والعديد من المباني المجاورة، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وإصابة الكثيرين.

بيروت.. يخت أدولف هتلر واغتيال رياض الصلح

في عام 1948 وبعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين وإعلان إسرائيل الاستقلال، تم إرسال عملاء "الفصيلة العربية" إلى الدول العربية المجاورة بهدف مزدوج، هو جمع المعلومات وإحباط التهديدات المتوقعة.

قال شوشان: "على الرغم من إرسالنا لجمع المعلومات الاستخبارية، إلا أننا رأينا أنفسنا أيضا جنودا، وبحثنا عن فرص للعمل".

بعد إرساله إلى بيروت، اشترى هو وزملاؤه كشكا وسيارة Oldsmobile، استخدموها كسيارة أجرة لتوفير غطاء لأنشطتهم.

وفي إحدى المرات أُمرت الوحدة بزرع قنبلة في يخت فاخر يملكه لبناني ثري (قيل لهم إن أدولف هتلر قد استخدمها خلال الحرب العالمية الثانية)، حيث اقترحت المخابرات أن السفينة سوف تتحول إلى سفينة حربية لاستخدامها ضد اليهود، ولم يتسبب الانفجار بإغراق اليخت، بل أتلفه بدرجة كافية لضمان عدم إمكانية استخدامه في العمليات العسكرية.

وكان من المفترض أن تتم العملية الأهم للفريق - وهي مهمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح في كانون الأول 1948- إذ ابتكر شوشان ورفاقه خطة لقتل رئيس الوزراء بينما كانوا يتابعون تحركاته، لكن العملية ألغيت في اللحظة الأخيرة من قبل كبار القادة الإسرائيليين، بناء على تقديرات شوشان.

وخلال العامين اللذين قضاهما في بيروت، التقى شوشان بأقارب القتلى في تفجير مرآب حيفا، والذين تحدثوا معه بحرية معتقدين أنه فلسطيني.

يذكر شوشان في كتابه "رجال الأسرار  - رجال الغموض" (1990)، الذي كتبه مع رافي ساتون، وهو زميل سابق في المخابرات: "قبل ذلك لم أفكر قط في الأشخاص الذين قتلوا هنا، وهناك في بيروت جلس عربي عجوز في مواجهتي يبكي على ولديه اللذين قتلا في الانفجار الذي شاركت في تنفيذه".

قال يعقوب ابن شوشان في وقت لاحق، إن هذا اللقاء كان أحد الأحداث التي تسببت بتحول في تفكير والده: "كان أبي يعلم دائما أننا إذا استخدمنا القوة فقط، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من الحروب، وكان دائما يدعم حل دولتين لشعبين".

أدى القبض على بعض أعضاء "الفصيلة العربية" وإعدامهم في النهاية إلى قيام إسرائيل بالتخلي عن استخدام الجواسيس اليهود الذين يندمجون مع العرب، وتحول شوشان إلى تجنيد العملاء العرب وإدارتهم.

وقال رافي ساتون، المؤلف الذي شارك شوشان بتأليف كتابه: "اتضح أنه أنعم بموهبة لهذا العمل.. العملاء يمثلون مشكلة كبيرة، وعليك أن تعرف متى يكذبون عليك أو يقولون الحقيقة، وكيف لا تسمح لهم بابتزازك والسيطرة على العلاقة بينكما، دون الإضرار باستعدادهم للعمل معك".

وحث السيد شوشان في وقت لاحق على استئناف برنامج الاستيعاب، الذي أدى إلى تشكيل وحدة تجسس للعمليات العسكرية الخاصة (Sayeret Matkal) إذ تم إنشاء الوحدة للقيام بجمع المعلومات الاستخبارية في قلب الدول المعادية باستخدام مقاتلين مدربين على غطاء عربي، وكان من بين أعضائها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الحالي، وسلفه السيد باراك الذي قاد الوحدة فيما سبق، حيث تم تكليف شوشان بتدريب الأعضاء الذين تظاهروا بأنهم عرب.

ولعب دورا في بناء قصة إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الذي "اخترق الدوائر العليا للنظام السوري" في ستينيات القرن الماضي، ولكن كشف عنه وأعدم في النهاية (تم تجسيد قصة كوهين مؤخرا في مسلسل The Spy من انتاج Netflix وبطولة ساشا بارون كوهين).

تقاعد شوشان في عام 1982، لكن تم دفعه من وقت لآخر من قبل وكالة المخابرات الإسرائيلية (الموساد) لتدريب العملاء وفي بعض الأحيان المشاركة بنفسه في العمليات.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات