حصاد 2020| تنازلات سياسية.. وزئبقية كردية.. وعبث بالمصطلحات

حصاد 2020| تنازلات سياسية.. وزئبقية كردية.. وعبث بالمصطلحات
تواصل أورينت سلسلة تقاريرها النوعية عن حصاد 2020، والتي تخصص آخر مقال لها لتناول المشهد السياسي في سوريا والتنازلات التي تستمر بتقديمها، ما تسمى هيئات المعارضة، الواحدة تلو الأخرى، تزامناً مع استمرار المراوغة والمماطلة والملهاة من قبل نظام أسد لعدم التوصل إلى أي حل.

ولم يختلف عام 2020 عن سابقاته سياسياً فيما يخص غياب أي تشكيل سياسي وتيار وطني متماسك يحمل أهداف ورؤى الثورة السورية، وإنما استمرت التكتلات السياسية لدى هيئات المعارضة بتغليب مصالح الدول على المصلحة الوطنية تحت حجج غير مقنعة، والقفز على مواد القرار الأممي 2254، والقبول بالجلوس على طاولة التفاوض مع نظام أسد بدل من المطالبة بمحاسبته على جرائمه، إلى جانب تجاهل قضية المعتقلين باستثناء مطالبات بقيت حبراً على ورق.

ارتهان للدول الداعمة 

وفي ظل صمت دولي مريب والاكتفاء ببيانات التنديد، شهدت محافظة إدلب بالشمال السوري مع مطلع عام 2020 ما أطلقت عليه صحيفة "الفاينانشال تايمز" "يوم القيامة"، نتيجة الحملة العسكرية "المكثفة" التي شنتها ميليشيا أسد بدعم طيران الاحتلال الروسي من عدة محاور وخاصة ريف إدلب الشرقي وريف حلب الغربي والجنوبي.

وأسفرت الحملة العسكرية عن مئات القتلى والجرحى إلى جانب نزوح أكثر من مليون شخص عن منازلهم إلى المخيمات على الحدود التركية، في ظل استمرار الصمت الدولي وتراجع وانسحاب الفصائل المقاتلة، المدعومة من تركيا، على الأرض، ما أدى إلى بسط ميليشيا الأسد سيطرتها على مساحات واسعة في الريف الشرقي والجنوبي لمدينة إدلب وخاصة مدينتي سراقب ومعرة النعمان.

وفي ظل تخلي العالم عن إدلب وإغلاق الحدود في وجه مئات الآلاف من المدنيين، لم يبق أمامهم سوى المخيمات، ورغم كل ما حدث لم يحرك ضمائر قادة الفصائل في المنطقة والعمل على تنظيم صفوفهم ونبذ الخلافات والتكتل ضمن جسم عسكري واحد للتصدي للحملة العسكرية واستعادة المدن.

وإنما سلموا قرارهم وارتهنوا للدول الداعمة، وخاصة تركيا، التي اتفقت مع روسيا في سوتشي في 5 من مارس/ آذار، على وقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على طول الطريق الدولي حلب- اللاذقية، ما يعني تثبيت مناطق النفوذ العسكري وعدم انسحاب ميليشيا أسد من المناطق التي سيطرت عليها على الرغم من وجود اتفاق مسبق بين البلدين.

وجاء الاتفاق رغم تهديدات من قبل مسؤولين أتراك ووعود متكررة بإجبار ميليشيا أسد على الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها خلف نقاط المراقبة التركية التي باتت محاصرة في مناطق أسد، قبل أن تعلن أنقرة سحبها لاحقا كان آخرها قبل أيام عندما سحبت آخر نقطة في تل طوقان.

إنجاز اللجنة الدستورية صفر

أما على الصعيد السياسي فلم يكن بأفضل حالاً من المشهد العسكري، إذ استمرت هيئات المعارضة السورية بتقديم التنازلات والارتهان لقرارات الدول والتفريط في الحقوق ومبادئ الثورة السورية، إذ وافقت مجدداً على حضور اجتماعات ما يسمى "اللجنة الدستورية" بعد شهر فقط من الحملة العسكرية لميليشيا أسد على إدلب.

وأعلن المبعوث الأممي جير بيدرسون في 30 من مارس/ آذار الماضي أن المعارضة ونظام أسد توصلا إلى اتفاق على جدول أعمال اللجنة الدستورية، وهو “بناء على ولاية اللجنة والمعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية، ومناقشة الأسس والمبادئ الوطنية”، وهو جدول الأعمال الذي اقترحه النظام في الجولة السابقة ورفضته المعارضة، لكن الرئيس المشترك للجنة الدستورية هادي البحرة نفى في تصريحات إعلامية حينها ذلك واعتبر أن جدول الأعمال مخالف تماماً لما طرحه النظام.

وشهد عام 2020 جولتين لاجتماعات ما يسمى "اللجنة الدستورية" الأولى في أغسطس/ آب الماضي، والثانية في مطلع الشهر الماضي، إلا أن الجولتين، كسابقتهما الأولى والثانية، لم تشهدا أي تطور يذكر وإنما استمر النظام في مضيعة الوقت وإغراق الجالسين في مقابله على الطاولة بـ"التفاصيل" عبر مطالبته الحديث بمواضيع خارج إطار تشكيل الدستور.

وفي المقابل استمرت هيئات المعارضة بتقديم التبريرات وحجج مشاركتها في اللجنة الدستورية، والحديث عن أهميتها وأنها الطريق الوحيد للحل في سوريا، لكن بالنظر إلى حركية اللجنة الدستورية منذ تشكيلها وخلال جولاتها الأربعة الماضية نجد أن الإنجاز فيها يساوي صفراً بالمعنى الدستوري، ما يجعلها "جريمة" بحق الثورة ومبادئها وآلاف المعتقلين والنازحين واللاجئين، وهذه الجريمة ولدت جرائم عقبها ظهرت بوادرها لاحقاً.

لا صوت يعلو من أجل المعتقلين

وفي ظل غياب أي أوراق بيد المعارضة السورية يجعلها قوى وازنة ومؤثرة في اتخاذ أي قرار وتحولها إلى دمى تحركها الدول اللاعبة التي تجعل مصالحها فوق مصالح واعتبار الشعب السوري، ظهرت أولى جرائم اللجنة منذ تشكيلها لكن عام 2020 رسخها وهي نسيان قضية المعتقلين والذين يبلغ عددهم بحسب توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان 129 ألفاً و989 معتقلاً، 85% منهم قيد الإخفاء القسري.

ومن العبارات التي تكررت على ألسنة هيئات المعارضة بأن "موضوع المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسريا ذو أولوية واهتمام كبيرين لديهم"، لكن هذه التصريحات لم تكن سوى للاستهلاك الإعلامي وتخدير للمطالبين مراراً باتخاذ موقف جدي من قبل المعارضين بعدم الموافقة على حضور أي اجتماع دولي أو أممي أو تحت أي مظلة كانت قبل الضغط على نظام أسد للإفراج عن المعتقلين واتخاذ خطوات جدية حول ذلك.

مفوضية الانتخابات لشرعنة أسد

وما يميز عام 2020 هو ما شهده ما يسمى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية" من تبديل المناصب مع الإبقاء على الوجوه نفسها، إذ تبادل أنس العبدة ونصر الحريري رئاستي "هيئة التفاوض السورية" و"الائتلاف الوطني"، ليبدأ الحريري بمحاولته إحياء وإبراز الائتلاف وأهميته، لكن دون اهتمامه برأي الشارع السوري، وهو ما قاله خلال اجتماعه الأخير بأن "انعدام الثقة بين السوريين والائتلاف أمر لا يجب التوقف عنده"، مشدداً في الوقت ذاته على "ضرورة وجود آليات لبناء الثقة مع الشارع السوري".

لكن الائتلاف، الذي برع بكتابة بيانات التنديد بالأحداث التي تعصف بالسوريين وبمخاطبة مسؤولي الدول بغض النظر عن صدقيتها وتجاوب الأطراف السياسية معها، فاجأ السوريين بإصدار ما أسماها "المفوضية العليا للانتخابات"، الذي قال إن هدفها بحسب بيان الائتلاف هو "تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية - من خلال ممثلها الشرعي - من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية رئاسية وبرلمانية ومحلية، وتهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي".

وأضاف الائتلاف أن مهامها "وضع الخطط والاستراتيجيات وتنفيذها، والتحضير للمشاركة بالاستحقاقات السياسية المقبلة، بما في ذلك الاستفتاء على مشروع الدستور، ونشر الوعي بأهمية المشاركة الفاعلة في الاستحقاقات الوطنية" على حد وصفه.

ولاقى تشكيل المفوضية رفضا شعبياً واسعاً من السوريين الذين اعتبروا أن تشكيل المفوضية هي بمثابة منح الشرعية لبشار أسد ونظامه، واعترافاً به كمنافس في أي انتخابات مقبلة، في حين اعتبره آخرون تآمراً على أهداف الثورة واستصغاراً بعقول السياسيين الأحرار واستهانة بدماء الشهداء وحقوق المعتقلين.

وأدى الغضب الشعبي إلى تسارع الائتلاف لإصدار بيان آخر اعتبر فيه "أنه لا بديل عن هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، وأنه لا يمكن القبول أو المشاركة بأي انتخابات بوجود هذا النظام المجرم"، في حين تراجع رئيس الائتلاف نصر الحريري عن تشكيل المفوضية وقال إن "خطوة التراجع عن القرار تأتي استجابةً لمطالبات عدد من القوى الثورية والشعبية، وحرصاً على وحدة الصف واحترام وجهات نظر السوريين".

في حين اعتبر المجلس الإسلامي السوري أن" هذه الخطوة كسابقتها "تشكيل اللجنة الدستورية” تعد التفافاً على القرارات الدولية ومنها قرار (2254) والتي تنص على إقامة هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة، يكون من مهام هذه الهيئة إعداد دستور وإجراء انتخابات في عموم البلاد".

العدالة التصالحية في محاكمة أسد وزمرته

ولم تمض أيام على تراجع الائتلاف عن قراراه بتشكيل المفوضية، حتى أطلق المبعوث الدولي إلى سوريا جير بيدرسون مصطلح "العدالة التصالحية" الذي أثار ردود فعل غاضبة من السوريين وأهالي آلاف الضحايا، كما أثار غضب السوريين وأصدرت كيانات وهيئات مدنية وناشطون وكتاب معارضون بيانات رفضوا فيه المصطلح الذي يدعو إلى المصالحة مع نظام أسد الذي دمر وقتل وشرد ملايين السوريين.

وعلى ذمة بيدرسون فإن وفد المجتمع المدني في اللجنة الدستورية هو من ذكر المصطلح خلال مجموعة من النقاط قدمها له تتحدث عن العودة الآمنة وإعادة أملاك اللاجئين ومساكنهم، لكن وفد المجتمع المدني نفى في بيان طرح مصطلح "العدالة التصالحية"، وأكد بأن استخدام بيدرسون للمصطلح على لسان المجتمع المدني هو خطأ ينبغي التنويه إليه.

وأصر بيدرسون خلال اجتماع مع غرفة المجتمع المدني على المصطلح وعدم الاعتذار أو استبدال المصطلح، واعتبره خطأ في الترجمة وطلب من أعضاء الغرفة عدم خلق مشكلة من موضوع خطأ بسيط وطلب منهم شرح هذا لبقية أعضاء المجتمع المدني السوري، متجاهلاً دعوات تصويب الخطأ.

لكن بعد ردود الفعل القوية وغضب السوريين تراجع بيدرسون عن تصريحه وأكد أن أعضاء الوفد "لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية، والبيان الخاص الذي أشارت إليه الإحاطة في الواقع لم يذكر سوى العدالة التعويضية في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية"، معتبراً بأنه "خطاً فني غير مقصود".

لكن الخطأ، إن كان متعمداً من قبل بيدرسون أو لا فإن مطالب الشعب السوري هو العدالة في محاكمة مجرمي الحرب ومعاقبة مرتكبي الجرائم وفي مقدمتهم بشار أسد.

وما يميز حدثا "مفوضية الانتخابات" و"العدالة التصالحية" هو الرفض الواسع من قبل السوريين، ناشطين وكتاب وإعلاميين وسياسيين وعلماء ومفكرين، لرفض هذين البيانين، عبر إصدار بيانات تنديد واستنكار لهما.

 قسد.. بندقية للإيجار

فيما يتعلق بأداء نظام أسد في عام 2020 على الصعيد السياسي، فإنه لم يعد لديه أي اعتبار أو وزن سياسي في نظر حلفائه، إيران وروسيا، إذ استمر في تقديم التنازلات لهما عبر منحهما ثروات البلاد بتوقيع اتفاقيات اقتصادية طويلة الأمد.

أما في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا حيث تسيطر ميليشيا قسد المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن سيرة أدائها السياسي في 2020 لا يختلف عما قبله بسبب بنية وجودها القائمة على تبديل الولاءات لأطراف الصراع، حسب الحاجة، وحسب الرؤية الزئبقية المتخبطة التي طبعت أداء هذه المليشيات واستعدادها المزمن للتحالف مع أي طرف، والانقلاب على أي مبدأ كانت تؤمن به، مقابل الحفاظ على وجودها.

في 2020، وبعد عملية نبع السلام التركية في المنطقة أواخر 2019 وخسارت تلك المليشيا بقعة استراتيجية من مساحتها الجغرافية (تل أبيض ورأس العين)، استدركت "قسد" بأن مشروعها أصبح موضع شك خاصة مع دخول الروس إلى المنطقة وخوفها من عقد صفقات من قبل الأطراف الفاعلة في الملف على حسابها، فعملت من جهة على استمرار التفاوض مع نظام أسد الرافض لوجودها ولا يعترف بها، وفي الوقت نفسه بدأت بالتقرب من معارضيها والبحث عن الدخول في أجسام المعارضة وخاصة ما يسمى بـ"اللجنة الدستورية".

التعليقات (1)

    ياسر النابلسي

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    درعا من نوى سارلو بل سجن حوالي 8 سنين .
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات