قابلنا كل الأطراف وسألنا: كيف تستأجر بيتاً في إدلب.. وأي المناطق هي الأغلى أو الأرخص؟

قابلنا كل الأطراف وسألنا: كيف تستأجر بيتاً في إدلب.. وأي المناطق هي الأغلى أو الأرخص؟
بات الحصول على منزل للإيجار في محافظة إدلب خصوصاً وفي المناطق المحررة عموماً أمراً صعباً يستلزم الكثير من البحث والسؤال..  فمن الصعوبة بمكان أن تجد بيتاً يلبي الاحتياجات والطلب المتزايد وخصوصا مع قلة الشاغر منها، بسبب النزوح المتكرر إلى إدلب، وضيق المساحة الجغرافية نسبياً، فضلا عن غلاء المنازل الفاحش، في ظل وضع اقتصادي متردٍ لغالبية مكونات الشعب السوري. 

قلة في المنازل وغلاء في الإيجارات

"الله وكليلك صرلي شهر عم دور على بيت وما لقيت" بهذه العبارات بدأ (أحمد حاج بكور) النازح من مدينة حمص حديثه معنا، بعد أن سألناه عن إيجار منزله في مدينة إدلب.. حيث استطرد قائلا: "أصبحت إيجارات المنازل -إن وجدت أصلاً- مرتفعة جداً، خاصة إذا ما قارناها بدخل المواطن في المناطق المحررة، فأنا على سبيل المثال أدفع شهرياً 75 دولاراً إيجار منزل مكون من ثلاث غرف في الطابق الرابع، ومعي مهلة شهر فقط حتى أترك المنزل لمالكه، ولا أستطيع الذهاب إلى المخيمات بسبب سوء وضعها وخاصة في فصل الشتاء".

يقاطعنا (علي الناصيف) النازح من ريف إدلب الجنوبي قائلا: "لم تعد المعاناة مقتصرة على مدينة إدلب فقط، فغالبية المحرر يشهد نفس الأمر، قلة في المنازل وغلاء في الإيجارات"

مكاتب عقارية و"أولاد حلال"

ومع صعوبة إيجاد منزل للإيجار عن طريق البحث الفردي أو سؤال المعارف والأصدقاء، أصبحت المكاتب العقارية التي تعنى بذلك الأمر، أكثر انتشاراً وعملاً خلال الفترة الماضية... فقد عززت الحاجة دروها، حتى باتت واحدة من أكثر المهن رواجا في إدلب وريفها.

 (يحيى سويد) صاحب مكتب عقاري في مدينة "إدلب " أوضح في حديثه لأورينت نت أن:

"المكاتب العقارية تعيش حالة ضغط عمل كبير. فنحن نعمل على تأمين النازحين في منازل مناسبة للسكن، من حيث التخديم والإيجار الشهري الذي ندرك أن النازح يعاني في تحصيله.. فهو ليس سائحاً، ولا وافداً في ظروف طبيعية يمكن أن يتأقلم مع حالة العرض والطلب في السوق بسهولة. ولها تعتبر المكاتب العقارية الوجهة الأولى للباحثين عن منزل للإيجار، ونحن بدورنا نرشده لما يتوفر لدينا مقابل أجر مالي متعارف عليه، وهو نصف ايجار شهري للمنزل.. وهو أجر نراعي من خلاله أوضاع الناس".

وردا على سؤالنا عن متوسط الإيجارات هذه الأيام يضيف (سويد) قائلا: "يختلف البدل المالي للإيجار من شخص لآخر، ومن مكان لآخر، ولا ننسى أن هناك "أولاد حلال" قدموا عقاراتهم مجاناً تعبيراً عن تضامنهم مع النازحين وأوضاعهم.. صحيح أن هؤلاء قلة، فالغالبية يأخذون مالاً.. لكن علينا ألا ننسى أن ملاك العقارات أيضا بحاجة لدخل يسندهم في هذه الأيام الصعبة.. حيث تتفاوت الإيجارات بين 30 إلى 150 دولاراً شهرياً، حسب مساحة البيت والمكان الذي يوجد فيه". 

سرمدا الأغلى وأريحا الأرخص

تلعب الظروف الأمنية اليوم دوراً هاماً في تحديد مستوى الإيجارات.. فالمناطق التي ما يزال يطالها قصف أسد قد ينخفض فيها بدل الإيجار المالي حتى لو كانت تتمتع فيما مضى بأهمية خاصة.. ولهذا تحتل مدينة (سرمدا) بريف إدلب الشمالي المركز الأول في المناطق المحررة من حيث ارتفاع الإيجارات فيها، فبعدها عسكرياً بل وسياسياً عن قوات مليشيات أسد، وكونها مخدمة أهلها لأن تشهد حركة تجارية واقتصادية واسعة، انعكست على مستوى الإيجارات، وفيها منازل قد تصل أجرتها إلى أكثر من 300 دولار  شهرياً، فيما تصنف مدينة "أريحا" من أرخص المدن من حيث الإيجارات، رغم أهمية هذه المدينة وجمالها.. والسبب أنها غير آمنة بسبب استهدافها المتكرر من قبل قوات النظام والميلشيات الروسية.. ما وفّر فيها الكثير من المنازل الشاغرة التي يخاف النازحون من استئجارها. 

 ونسأل عن الأعلى والأرخص في الإيجارات على صعيد مدينة إدلب فيوضح لنا صاحب المكتب العقاري أن حي (الضبيط) من أغلى الأحياء إيجارا كونه منطقة راقية ومخدمه جيداً، بينما يصنف حيي (الشيخ تلت) و(المساكن الشبابية) من أرخص المناطق في المحافظة. 

ونوه سويد إلى أنه "لا يحتاج عقد الإيجار إلى موافقة أمنية أبدا، كما يحدث في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام أسد، ولا تتدخل الجهات الأمنية في ذلك الأمر أساسا، فالأمر عائد للاتفاق بين المؤجر والمستأجر مهما كانت صفته"

إعادة تأهيل منازل مدمرة

وفي ظل أزمة إيجارات المنازل وارتفاعها الدوري بالتزامن مع ارتفاع أسعار صرف العملات، وما ينتج عنه من ضغوطات تثق كاهل النازحين بشكل رئيسي، قامت مجموعة من المنظمات والمؤسسات الخدمية بإطلاق مشروع "ترميم منازل الإكساء الأساسي" أو التي تسمى بالعامية "منازل العظم" وتجهيزها بالضروريات لإيواء النازحين ضمن عدد من الشروط والاستراتيجيات المتعلقة بالعائلة النازحة وطبيعة المنزل المشغول.

وحول هذا الأمر أفاد" محمد مالك حجل" منسق مشروع لدى مؤسسة SDI العاملة في الشمال السوري قائلاً: "يتوجه فريق المسح بالمؤسسة لمنطقة النزوح لدراسة كيفية إعادة تأهيلها، وتحديد الحاجات الأساسية للمجتمع الضيف والمضيف، وتحديد أوليات المنطقة، والتأكد من مراعاة المنزل للخصوصية أساساً، وبعدها يتم إبرام عقد مع مالك المنزل لإبقاء النازح فيه لمدة عام"

وأضاف (حجل) بأنه "تم ترميم وإعادة تأهيل 993 منزلا، موزعا على كل من مناطق: كفرتخاريم .سلقين . اسقاط. دركوش ويجري العمل على تأهيل 680 منزلا آخر موزعا على عدد من مناطق المحرر".

من جهته أعرب (محمود العبد) مدير مخيم "تل كرسيان" في الشمال السوري عن رغبته بضرورة صرف المساعدات الخدمية والفنية "الآنية" كفرش الطرقات بالبحص وبناء خيم جديدة، إلى بناء كتل إسمنتية للسكن، عبارة غرفة ومنافع على الأقل، حتى ولو كانت مقابل مبلغ مالي بسيط يدفعه النازح لقاء السكن في الغرف، فمن المعروف للجميع الفارق الكبير بين الخيام والبناء الإسمنتي وخصوصا على صعيد مقاومة العوامل الجوية من برد الشتاء وحر الصيف. 

محاكم تحل النزاع

وفي ظل إعادة هيكلة المناطق المحررة والسعي لتنظيم إدارتها، لا تزال الجهة الرسمية المخولة بإدارة المحرر  في محافظة إدلب والمتمثلة "بحكومة الإنقاذ السورية" تسن القوانين وتشرع الأنظمة لضبط موضوع بدائل الإيجارات، والتي كان آخرها القرار رقم 438 تاريخ 2020/10/5 الصادر عن رئيس مجلس وزراء الحكومة المذكورة، والذي تتولى بموجبه المحاكم المختصة بتحديد بدلات الإيجار وتخمين العقارات -في حال حصول نزاع بين المؤجر والمستأجر- كما يجب تحديد الإيجار. بالدولار أو الليرة التركية لكل العقارات، ضمن عقد لا يقل عن ستة أشهر كحد أدنى.

القرار الذي اعتبره غالبية النازحين غير كاف لمحاسبة تجار الدم- كما وصفوهم- كونه لم يحدد سقف الإيجارات، ما يبقي المجال مفتوحا أمام مالك المنزل لطلب مبالغ باهظة ،مستغلا بذلك الحاجة الملحة للسكن ضمن منزل، وخاصة في فصل الشتاء.

الجدير بالذكر أن مدينة إدلب وريفها تشهد تضخما سكانيا يوميا، بسبب حركة النزوح المستمرة إليها، بفعل القصف والاستهداف المستمر من قبل قوات نظام أسد والميلشيات الطائفية الداعمة له حيث بات يقطن في محافظة إدلب حوالي خمسة ملايين شخص. ويبقى موضوع بدائل الإيجارات مثل كثير غيره من الملفات، رهن التسامح والاتفاق العادل، في سياق تطبيق التكافل الاجتماعي، خاصة مع ضعف الدور الرقابي من قبل المعنيين لضبط تلك الملفات.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات