حلم العودة إلى حلب أربع سنوات بعد التهجير القسري

حلم العودة إلى حلب أربع سنوات بعد التهجير القسري
"إنها تمطر الآن. القنابل أهدأ قليلاً. ربما تكون ميليشيات الأسد على بعد 300 متر. لا يوجد مكان للذهاب إليه الآن؛ إنه المكان الأخير. آمل أن نتمكن من التحدث إليك من خلال بريسكوب مرة أخرى. أعتقد أننا قد شاركنا العديد من اللحظات داخل حلب. حقًا، أنا لا أعرف ماذا أقول ولكن أتمنى أن تفعل شيئًا لأهل حلب؛ لابنتي؛ ومن أجل الأطفال الآخرين. أنا لا أعرف حقا ماذا أقول. لا يمكن للكلمات أن تخرج. أتمنى أن تفعل شيئًا لوقف المجازر المتوقعة. كثير من الناس يُقتَلون الآن. الأمر مستحيل، لا توجد مستشفيات ولا يوجد علاج. قد لا تفهم ما نعاني منه هنا".

قام عبد الكافي الحمدو - من سكان شرق حلب - بهذا التسجيل على الهواء مباشرة في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2016 - في الوقت الذي انتبه فيه الجمهور الأمريكي لما كان يحدث في حلب.

قبل أربع سنوات، تم احتلال شرق حلب - معقل الثورة السورية - بعد عدة سنوات من الحصار والقصف من قبل روسيا والميليشيات الموالية لإيران ونظام الأسد. سيطر الصراع السوري على الصفحات الأولى من صحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وكانت سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا موضوعا رئيسيا تمت مناقشته في المناظرات الرئاسية.

بعد أربع سنوات، أصبحت إدلب آخر منطقة تم تحريرها مع ملايين اللاجئين الذين نزحوا قسراً من ديارهم في جميع أنحاء سوريا. وخرجت سوريا من العناوين الرئيسية ولم تُذكر كلمة واحدة في المناظرات الرئاسية.

فيما يخص التوقعات من الإدارة الأمريكية الجديدة، قال رائد الصالح مدير الدفاع المدني السوري: "افتقدت الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الملف السوري الوضوح والحزم في الكثير من الأوقات، وكان لذلك آثار مدمرة على حياة المدنيين السوريين وأفسحت المجال لمجرمي الحرب بالنظام السوري أن يعتقدوا أنهم خارج المساءلة وأنهم قادرون على استعادة الحكم بالصورة السابقة وأعطت روسيا وإيران مساحة لتعزيز أجنداتهم التي هي بعيدة كل البعد عن آمال وطموحات السوريين."

 

بعد الربيع العربي، بدأت الثورة السورية في آذار (مارس) 2011. وفي عام 2012، تم تحرير شرق حلب من حكم الأسد وسرعان ما أصبحت معقل الثورة السورية، هدفا للتفجيرات والقصف والحصار.

كانت حلب أكبر مدينة في سوريا والمركز الصناعي والمالي للبلاد، وكان يبلغ عدد سكانها حوالي 2.3 مليون نسمة.

وفيما يخص ذكرياته من مدينة حلب أكد رائد الصالح: "حلب كانت نواة انطلاق مؤسسة الدفاع المدني السوري التي نعرفها اليوم وأيضا كانت إحدى مراكز الحراك في سبيل الحرية والديمقراطية التي طلبها الشعب السوري بهتافات الثورة الأولى".

تدخلت القوات الروسية في سوريا في أيلول (سبتمبر) 2015 وبدأت بقصف حلب. في حزيران (يونيو) 2016، تمكن جيش الأسد من قطع طريق كاستيلو الذي كان آخر طريق إمداد إلى شرق حلب من تركيا.

ثم حاصر نظام الأسد والميليشيات الموالية لإيران وحزب الله والقوات الجوية الروسية بشكل كامل حلب، واستولت على عدة أجزاء من المدينة.

قال الدكتور حمزة الخطيب؛ أحد آخر الأطباء المتبقين في حلب ووالد سما في الفيلم الوثائقي "إلى سما": "كنا نرى هجمات بالقنابل العنقودية وهجمات الفسفور الأبيض وهجمات بغاز الكلور والبراميل المتفجرة والقنابل. لقد كان الأمر وحشياً للغاية."

 

وتم تنفيذ العديد من الهجمات في منتصف الليل بالبراميل المتفجرة والصواريخ، واستهدفت المدنيين بشكلٍ أعمى. كان متطوعو الخوذ البيضاء عند غروب الشمس والفجر على الأرض للمساعدة في انتشال جثث القتلى والمصابين من تحت الأنقاض. فقد العديد من المتطوعين حياتهم أثناء إنقاذ الآخرين.

إسماعيل عبد الله؛ متطوع من الخوذ البيضاء خدم في حلب لمدة 5 سنوات قال: "عند غروب الشمس أو حتى قبل غروبها، يبلغنا الراديو أن مروحيات مطار النيرب وطائرات سوخوي من مطار حمص تتجه نحو حلب. تابعنا الطائرات والقصف كل يوم للحظات من الإقلاع حتى القصف. لقد فقدت شخصيا أربعة من زملائي في العمل خلال الشهر ونصف الشهر الماضي وأسماؤهم: محمد مشهدي، إيمان ستار، حسن حنَّان، إحسان دالات. فقدناهم عندما تم استهداف فرقنا أثناء الرد على القصف المستمر".

 

استمرت الهجمات كل يوم وتستهدف الأحياء المدنية والمستشفيات والمناطق المزدحمة والتجمعات. تم تدمير تسعة من أصل 10 مستشفيات. وكان مستشفى القدس آخر ما تبقى.

وشرح الدكتور حمزة الخطيب الوضع في مستشفى القدس قائلا: “كنا نعمل طوال الأسبوع على مدار الساعة. كنا تحت الطلب طوال الوقت. كنا نرى الكثير من المرضى. أنجزنا ربما 50 عملية في يوم واحد. كان هناك ما يقرب من 989 عملية جراحية في شهرٍ واحدٍ فقط. رأينا أكثر من 4000 مريض في شهرٍ واحدٍ. جميعهم أصيبوا بصدمات نفسية. لذلك، كان الوضع صعب للغاية".

بعد أربع سنوات من القصف والحصار المتواصل، كان 300 ألف مدني لا يزالون يعيشون في شرق حلب حتى نهاية عام 2016. ونفد الطعام والوقود والمخازن الطبية أو تعرضت للقصف العشوائي.

وقالت عفراء هاشم، معلمة سابقة في حلب: "لا أتذكر أن السماء كانت بدون أي طائرة حربية. إن الطائرات الحربية الروسية بدأت في استهداف كل مبنى، والدفاع المدني، والمدارس، والمستشفيات، والمجالس المحلية، ومخزن القمح وكل شيء.

 

في 7 آب (أغسطس) 2016، كسر الثوار الحصار واستعادوا السيطرة على طريق يمر عبر حي الراموسة جنوب حلب، متصلاً بالعالم الخارجي مرة أخرى. لكن ميليشيات أسد استعادت المنطقة واستأنفت الحصار في 4 أيلول (سبتمبر).

وفيما يخص تضييق الخناق على أهالي حلب قالت عفراء هاشم: "ولهذا اختار البعض الانتقال إلى مناطق ميليشيا أسد. إنهم بدؤوا في محاولة إيجاد فرصة أفضل للنجاة ولكن للأسف كان النظام يستهدفهم مباشرة بالسلاح والقصف وإطلاق النار".

ثم استخدم نظام أسد وروسيا القصف المكثف والبراميل المتفجرة لاستعادة عدة مناطق في شرق حلب، وبحلول بداية كانون الأول (ديسمبر)، تم حشر السكان في منطقة أصغر من المدينة.

في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2016، أعلن نظام الأسد - بتدخل روسي وإيراني - إجلاء سكان شرق حلب إلى محافظة إدلب.

عندما سألنا عفراء هاشم عن إخلاء مدينة حلب الشرقي قالت: "لم يكن إخلاءً. لقد كان تهجيراً قسرياً. لماذا أضطر للهروب من مدينتي، من بيتي، للعيش في خيمة! لماذا؟! ما فائدة ذلك؟!"

وأسفر الحصار والقصف عن مقتل العديد من المدنيين وتدمير منازل في حلب، ولم يترك أمام من بقي سوى إخلاء المدينة.

وفيما يخص ذكريات آخر أيامه في حلب الشرقي، أكد إسماعيل عبد الله: "عندما أخلينا حلب في عام 2016، لم نتمكن من إحصاء جميع الجثث في الشوارع أو الأسواق أو تحت المباني المدمرة".

 

واليوم، الوضع في حلب أسوأ. دُمرت المدينة بالأنقاض من جرَّاء الحرب. الناس يتضورون جوعاً ويتشردون، ويهدد نظام الأسد باعتقالهم أو إرسالهم إلى الخدمة العسكرية، مما يسبب الكثير من الخوف.

ورداً على سؤال حول خطة الأسد لإعادة بناء مدينة حلب، قالت عفراء هاشم: "أعتقد أنه (الأسد) يريد فقط جعل هذه الأحياء عينة، ليخبر الناس إذا كنت تريد التمرد ضدي، فهذا سيكون مصيرك. منازلكم ستدمر كلياً وستصبحون في وضعٍ مؤسفٍ إلى الأبد".

بعد أربع سنوات من التهجير القسري لسكان حلب الشرقية، نسي المجتمع الدولي الجرائم المرتكبة. إن الوضع في شمال سوريا أصبح أكثر وأكثر تعقيدًا. يقول النازحون السوريون: "ولم يعد زعماء العالم مهتمين".

في عام 2019، سحبت الولايات المتحدة معظم قواتها من شمال شرق سوريا. لم يعد القادة الأوروبيون يتحدثون عن ترك الأسد للسلطة. بدلاً من ذلك، يركز الاتحاد الأوروبي على المساعدات الإنسانية ويحاول منع وصول المزيد من اللاجئين من سوريا.

 في عام 2019، عرضت الدنمارك على اللاجئين السوريين وضعا مؤقتا، وهي مساعدة مالية بقيمة 20 ألف دولار للعودة إلى سوريا وألمانيا حذت حذوها أخيراً.

في 11 تشرين الثاني (نوفمبر)، عقد الأسد مؤتمراً بدعم روسي في دمشق بمشاركة حلفائه الحكوميين إيران وفنزويلا والصين، لمناقشة تسهيل عودة ملايين اللاجئين السوريين.

ووفقاً لتقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تعتبر سوريا أكبر عدد من النازحين داخلياً في العالم؛ حيث نزح 6.2 مليون شخص - بينهم 2.5 مليون طفل - داخل سوريا.

هناك حوالي 5.6 مليون لاجئ سوري في جميع أنحاء العالم.

وقُتِلَ أكثر من 200 ألف منذ آذار (مارس) 2011 بينهم 29357 طفلا وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

أما بالنسبة للعودة إلى مدينة حلب، فقال إسماعيل عبد الله: "بعد 4 سنوات، حبنا لمدينتنا وعائلتنا وأبسط الأشياء التي يمكن أن تراها، الحب تجاه أصدقائك وجيرانك، حتى صوت المرور لا يزال موجوداً، لكن لا يمكن العودة، بينما لا يزال هناك شخص قتل أخاك ودمر منزلك. إذا عدت سيقتلك؛ بنفس الطريقة التي قتل بها أخاك وأختك. نظام إجرامي قمعي يقتل - مثل بشار الأسد - لا ينبغي أن يكون في السلطة في سوريا ولا في حلب. يمكننا العودة عندما يكون هؤلاء المجرمون وراء القضبان".

إلهام أسد زاده - ناشطة إيرانية أمريكية في شؤون إيران والشرق الأوسط.

التعليقات (1)

    خلية الربيع العربي

    ·منذ 3 سنوات 4 أشهر
    يجب العمل على انتاج سيارة تاهو٢٠٢٠وفق أنظمة محركات الطاقة النووية عوض عن البترول والغاز
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات