اعتقل نظام أسد ابنته الوحيدة.. رحيل المخرج علاء الدين كوكش

اعتقل نظام أسد ابنته الوحيدة.. رحيل المخرج علاء الدين كوكش
نعت الفنانة السورية سمر كوكش والدها المخرج والفنان علاء الدين كوكش الذي توفي مساء أمس الأحد في دمشق عن عمر يناهز 78 عاماً، بعد مسيرة فنية طويلة امتدت لأكثر من 40 عاما قدم خلالها العديد من الأعمال المميزة في السينما والمسرح والتلفزيون.

رحل كوكش الذي يعد أحد أبرز مؤسسي الدراما السورية تاركا خلفة العديد من الأعمال الفنية التي كان لها بصمة واضحة في تاريخ الفن السوري، وقد أكسبته أعماله شهرة كبيرة في داخل سوريا وخارجها بسبب قوة الصراع الدرامي فيها وواقعيته، وبعدذلك عن التصنع والزخرفة المجانية وقربها من والشارع، كما أن تأثّره في البيئة الدمشقية والبيت العربي الذي ترعرع فيه كان جلياً من خلال طريقة إخراجه وانعكاس هذه البيئة على العديد من أعماله الدرامية، حيث اعتبر في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي مروان صواف أن البيت العربي يجعل الطبيعة داخل المنزل لا خارجه، وأن هذا الأمر يترك أثرا اجتماعيا مختلفا عند من يولد ويكبر في ذلك المكان.

مخرج تلفزيوني مؤسس

ولد المخرج الراحل كوكش في حي القيمرية الدمشقي عام 1942، ودرس في قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة دمشق، ثم بدأ مشواره المهني وهو طالب في الجامعة، حيث قرر الالتحاق بالتلفزيون السوري وعمل مساعدا للمخرج الرائد جميل ولاية، قبل أن يخرج أولى أعماله الدرامية تمثيلية (ثورة قرية) عام 1963.

وفي عام 1966 أوفده التلفزيون السوري مع زميله الرائد المؤسس غسان جبري في دورة اطلاعية  مدتها ستة أشهر إلى ألمانيا الشرقية  لتلقي مبادئ الإخراج التلفزيوني، وبعد عودته وقع أول مسلسل من إخراجه: "من أرشيف أبو رشدي" عام 1967، والذي اقتبسه بمساعدة صديقه الأديب الكبير زكريا تامر من تراث القصاص الشعبي حكمت محسن الإذاعي...واعتبر حينها علامة بارزة في مقاربة الدراما الشعبية للحارة الدمشقية في التلفزيون الناشئ.

لتتوالى بعدها أعمال المخرج الراحل بالظهور في فترة مسلسلات الأبيض والأسود فأخرج مسلسلات عديدة منها: "حارة القصر" و"أولاد بلدي" و"أسعد الوراق" و"الاختيار" الذي اقتبس فيه الكاتب عبد العزيز هلال رواية ديستويفسكي الشهيرة (الجريمة والعقاب).. ثم توالت أعماله بعد انتقال الدراما السورية إلى الإنتاج الملون في مطلع ثمانينات القرن العشرين فكانت مسلسلات "الهراس" و"تجارب عائلية" والمسلسل التاريخي "الذئاب".

اهتم علاء الدين كوكش بالأدب الشعبي واستطاع مع رفيق دربه الكاتب الراحل عبد العزيز هلال أن يقدم أضخم تجسيد تلفزيوني له من خلال سلسلة (تغريبة بني هلال) التي أنتجها تلفزيون دبي عامي 1978-1979 ولعب بطولتها نخبة من الفنانين السوريين، أبرزهم زوجته الفنانة ملك سكر التي تألقت في دور الأميرة الشماء.. والتي ارتبط معها علاء الدين كوكش في مسيرة فنية وحياتية طويلة أثمرت عن ابنة واحدة هي سمر التي درست التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية وتخرجت في مطلع تسعينيات القرن العشرين.

• مسرحي وأديب متعدد المواهب! 

رغم شهرة علاء الدين كوكش التلفزيونية والتأسيسية الواسعة، إلا أنه كان صاحب بصمات تأسيسية في المسرح أيضا.. حين قدم من خلال فرقة (المسرح) التابعة لنقابة الفنانين مسرحية (الفيل يا ملك الزمان) من تأليف سعد الله ونوس عام 1969 ثم أخرج (حفلة سمر من أجل 5 حزيران) التي حققت شهرة واسعة حين عرضت في بيروت عام 1970... كما قدم عرضا مسرحيا بالاشتراك مع المخرج العراقي فيصل الياسري بعنوان (لا تسامحونا) عام 1972.

 

وقد تجددت صلة علاء الدين كوكش بالمسرح في تسعينيات القرن العشرين حين بدأ بنشر نصوص مسرحية من تأليفه كمسرحية (بعض ما جرى للمواطن ضاد) التي نشرت في مجلة (الناقد) التي كان يصدرها الناشر السوري البارز رياض نجيب الريس.. ثم أصدر مجموعة من النصوص المسرحية في كتاب (مسرحيات ضاحكة) عام 2001 . 

وإلى جانب الكتابة المسرحية كتب علاء الدين كوكش القصة القصيرة وأصدر مجموعة من القصص بعنوان (إنهم ينتظرون موتك) كما كتب الرواية واحدة هي (التخوم) التي صدرت عن منشورات المركز الثقافي في الدار البيضاء عام 2010 وكتابا في أدب الرحلات هو (السفر بعيدا) روى فيه يوميات رحلته إلى تايلاند وماليزيا. 

رغم كل ما قدمه الراحل من أعمال ساهمت في نجاح الدراما السورية وشهرتها إلا أن علاء الدين كوكش عاش أياما صعبة في زمن الثورة ضد نظام أسد.. حيث تعرض بيته في بلدة المعضمية القريبة من دمشق للحصار.. بعد ما حاصرت ميليشيات أسد البلدة الثائرة ومنعت المؤن والغذاء عنها.. مما اضطره ليعيش سنواته الأخيرة وحيدا في "دار السعادة" للمسنين بدمشق منذ عام 2014.. كما تم اعتقال ابنته الوحيدة (سمر) وزجها في السجن لمدة خمس سنوات، بتهمة دعم "الإرهاب".

زملاءه وأصدقاؤه: مخرج بارز آمن بالتنافس الشريف

بوفاة المخرج والفنان " كوكش" فقد الوسط الفني والدراما السورية، واحدا من أبرز صناعها، ومؤسسيها من وجهة نظر كثير من زملائه ومعاصريه ونقاده، الذين سارعوا إلى نعيه، وإبراز مآثره وما قدم للفن في سوريا.

 وقد كتب المخرج السوري المعروف هيثم حقي عبر صفحته في فيسبوك، " وداعا للصديق والمخرج الكبير علاء الدين كوكش.. خبر محزن لرحيل فنان وإنسان له بصمة في تاريخ العمل الدرامي التلفزيوني السوري.. تعرفت على علاء فور تخرجي من معهد السينما في موسكو والتحاقي بالعمل في التلفزيون السوري عام 1973.. كان علاء في تلك الفترة من السبعينات المخرج الأبرز في الجيل الأول لصناع الدراما التلفزيونية، كان محباً لا عقد لديه ولا غيرة بل تنافس شريف.. وقد أحببته كثيراً كمثقف متميز وفنان شارك في تأسيس الفن الدرامي التلفزيوني السوري".

بدوره، قال الفنان "نوار بلبل" في حديثه لراديو أورينت " إن علاء الدين كوكش يعتبر شيخ المخرجين السوريين وتتلمذ على يديه العديد من المخرجين الشباب الذين أصبحوا مشهورين فيما بعد".

وأضاف "بلبل" الذي عمل مع كوكش في مسلسل "أهل الراية" أن العمل مع المخرج الرائع ممتع لأنه يضبط موقع التصوير بطريقة محترفة فهو ينشر المحبة والراحة وبعكس بعض المخرجين كالمخرج نجدت أنزور الذي يقوم بالصراخ في مواقع التصوير.

أما الفنانة يارا صبري فقد نعته على صفحتها في "فيسبوك" قائلة "كنت قد عملت بإدارة الأستاذ المخرج علاء الدين كوكش في أكثر من عمل تلفزيوني وتعلمت منه الكثير، كما ربطتني ومازالت بالغالية سمر علاقة صداقة قوية.. أقدم عزائي لكل العائلة وخاصة الحبيبة سمر كوكش ولكل جمهوره ومحبيه".

من جانبه، قال الكاتب والناقد السوري محمد منصور الذي كان قد ألف كتابا نقديا هاما عن كوكش بعنوان (علاء الدين كوكش دراما التأسيس والتغيير) عبر صفحته في "فيسبوك": 

 "كان علاء الدين كوكش صاحب بصمات ذهبية في تاريخ الدراما التلفزيونية السورية وخصوصا في مرحلة الأبيض والأسود (من أرشيف أبو رشدي- مذكرات حرامي- حارة القصر- أولاد بلدي- أسعد الوراق- الاختيار- هذا الرجل في خطر) كما استمر في زمن الملون من خلال أعمال لم تفقد أهميتها وألقها الشعبي كـ (تغريبة بني هلال) الذي صوره بأجزائه الأربعة في دبي عامي (1978- 1979) أو مسلسل (تجارب عائلية) الذي كتب فكرته وأخرجه وأنتجته شركة شمرا عام 1981 وجسد إيمان كوكش بالديمقراطية حين جعل إدارة وحكم العائلة متداولة بين أفرادها، كل فرد أسبوعا واحدا.. فاكتشفت العائلة ذاتها، والأفراد مشكلاتهم الحقيقية." 

وتابع "استمر علاء في عمره الإخراجي يحاول التأقلم مع متغيرات اللغة التلفزيونية وتطورها.. وقد نجح أحيانا وأخفق أحيانا.. لكنه ظل أستاذا من أستاذة الدراما. كان صاحب فكر مؤمن بالتغيير.. وكان صاحب موهبة أدبية كتبت المسرحية والقصة القصيرة والرواية وأدب الرحلات، وكان لي شرف مساعدته في نشر بعض أعماله في كتب وفي دور نشر محترمة".

وأكد منصور أنه "برحيل علاء الدين كوكش أفقد صديقا ووجها دمشقيا أليفا.. وأفقد مثقفا رفيع المستوى، احتفظ بالطفل الذي داخله وهو ينجز أعماله الأدبية.. واحتفظ بإيمانه الحقيقي بالتغيير إنما دونما أن يقوى على دفع ثمن الانتماء للثورة وهو في شيخوخته، فهجر بيته في المعضمية حين اشتد الحصار، وسكن في دار السعادة للمسنين ليودع مع أصدقائه كالمخرج رياض دياربكرلي زمنا وعهدا دمرت عبارة (الأسد أو نحرق البلد) كل قيمها وإرثها".

وسيتم تشييع الراحل علاء الدين كوكش اليوم الإثنين من مشفى الرازي بمدينة دمشق حيث سيصلى عليه ويدفن في مقبرة المزة، بحسب ما ذكرت المصادر الصحفية في دمشق.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات