نظير حافظ الأسد في هزيمة 1967: رحيل شمس بدران صانع الرعب الذي أجبر عبد الوهاب على الغناء له!

نظير حافظ الأسد في هزيمة 1967: رحيل شمس بدران صانع الرعب الذي أجبر عبد الوهاب على الغناء له!
 في الذاكرة السورية، يعرف بأنه وزير الحربية المصري الذي تقاسم مع وزير الدفاع السوري حينها (حافظ الأسد) مسؤولية الهزيمة في حرب عام 1967، حين خسرت مصر فيها صحراء سيناء، وأعلنت سوريا إثرها سقوط هضبة الجولان بيد الاحتلال الإسرائيلي، أما في قائمة الفيديوهات والتسجيلات الصوتية على موقع (يوتيوب) فيمكنك أن تسمع اسمه مقرونا بأقذع الصفات، ويمكنك إذا دخلت إلى قناة الشيخ عبد الحميد كشك مثلا، أن تعثر على كثير من الروايات التي تفنن فيها بتعذيب المعتقلين الإسلاميين في سجون مصر الناصرية في ستينيات القرن العشرين. 

إنه (شمس بدران) وزير الحربية المصرية الأسبق، ومدير السجن الحربي وسجن (طره) الذي تروى الحكايات المؤلمة عن انتزاع اعترافات المعتقلين فيه من سجناء الرأي من شتى الاتجاهات بأبشع طرق التعذيب، وأساليب امتهان الكرامة البشرية... والذي أعلن عن رحيله في لندن يوم أمس الأول، عن عمر مديد قضى عقودا قليلة منه فقط في خدمة نظام بوليسي استبدادي قبل أن يدفع الثمن أمام النظام نفسه. 

أول وزير حربية يقدم للمحاكمة!

ولد شمس بدران الذي لم يكن قد تجاوز الثلاثينيات من العمر حين "كانت مصر كلها ترتعد من مجرد سماع اسمه" في محافظة الجيزة عام 1929، والتحق بالأكاديمية العسكرية وتخرج منها عام 1948، وعقب تخرجه شارك في حرب فلسطين، وهناك كانت بداية معرفته بالضباط الأحرار إذ كان ضمن القوات التي حوصرت في الفالوجا، وخلالها تعرفه على قادة التنظيم كعبد الحكيم عامر، الذي سيرتبط به بعلاقة وثيقة،  وجمال عبد الناصر وزكريا محيي الدين.. قبل أن يشارك في حركة الضباط الأحرار (ثورة 23 يوليو 1952)، التي أطاحت بالملك فاروق ثم بالحكم الملكي في مصر، وكعادة الترفيعات السخية في الحركات الانقلابية العسكرية، سرعان ما ارتقى بدران في الرتب والمناصب عقب حركة يوليو حتى وصل لمدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر، الذي كان حينها النائب الأول لرئيس الجمهورية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ثم اختير وزيرا للحربية عام 1966.. ولم تمض أشهر عدة حتى واجه بدران الاختبار الأقسى كوزير للحربية: هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 التي قيل إنه كان أحد المسؤولين عن التسبب بها، ليماثل في هذه المسؤولية نظيره في الجانب السوري: وزير الدفاع حافظ الأسد! 

وبينما استطاعت البنية الطائفية التي أسسها صلاح جديد داخل الحكم البعثي في سوريا أن تحمي حافظ الأسد من المحاسبة ومن تحمله لمسؤولية النكسة، فإن نظيره شمس بدران أجبر في العاشر من حزيران / يونيو عام 1967 مع نائب رئيس الجمهورية المشير عبد الحكيم عامر على تقديم استقالته، وتمت إحالة شمس بدران إلى المحاكمة باعتباره أحد المسؤولين عن النكسة، ليكون بذلك أول وزير حربية يُقدم للمحاكمة.. وليقض سبع سنوات عجاف في السجن، قبل أن يخرج بعد سنوات من تسلم محمد أنور السادات رئاسة مصر. 

كاد أن يصبح رئيسا لمصر! 

في مذكرات عضو مجلس قيادة الثورة (عبد اللطيف بغدادي) يرد اسم بدران في سياق الحديث عن هزيمة حزيران مقرونا بالجهل وعدم الأهلية: "طوال أيام المعركة كان شمس بدران وزير الحربية موجوداً مع المشير عبد الحكيم عامر بالمكتب، وينام معه في الغرفة الملحقة بمكتبه، وكان واضحاً جهله بإدارة العمليات الحربية، ويظهر أنه يعلم هذا عن نفسه ولذا لم يكن يعمل شيئاً طوال هذه الأزمة إلا تقديم بعض الأوراق لعبد الحكيم الواردة إلى مكتبه، وعندما اندلعت حرب يونيو  1967 كان المشير عامر‏ معلقاً داخل طائرة كانت في طريقها إلي قاعدة المليز الجوية بسيناء، وكان القادة الكبار هناك بانتظاره‏، أي أن الحرب بدأت وليس هناك قائد في مقر قيادته‏،‏ وبالنسبة للثقافة العسكرية للمشير عامر‏ فقد توقف به العلم عند رتبة الصاغ‏ (‏الرائد‏)، أما وزير الحربية شمس بدران فقد توقفت به رحلة العلم وخبرة القتال عند رتبة الملازم أول"!

نسي الكثيرون مسؤولية شمس بدران عن الهزيمة، التي ‏أعيدت محاكمة رموزها الكثر في الذاكرة الشعبية والتاريخية، بمن فيهم جمال عبد الناصر نفسه.. وبقي شمس بدران حاضرا في حكايات المعتقلين عن فظائع التعذيب في سجون مصر الناصرية.  ذلك أن وزير الحربية لم يكن يثير الرعب في نفوس العدو الذي يفترض أنه سيخوض الحرب "الوجودية" ضده، بل كان يثير الرعب في نفوس أبناء بلده من معارضي النظام، أو حتى من يُشك بولائهم له؛ ولهذا بقي اسمه مرتبطا بعمليات تعذيب غير مسبوقة كان يقوم فيها بمهمة حراسة النظام بشراسة تذكر بمشاهد استخدام الكلاب لافتراس أجساد المعتقلين التي استحضرها فيلم المخرج كمال حسين العظيم (إحنا بتوع الأتوبيس) لا بمهام قادة الحروب الوطنيين.

 كما ارتبط اسم بدران بساعات مصيرية كاد يصبح فيها رئيس جمهورية مصر لساعات، "كي يمنع الصدام بين الجيش والجماهير" كما فكر عبد الناصر بعد تلقي نبأ الهزيمة، لولا مشورة محمد حسنين هيكل.. التي منعت عبد الناصر من ارتكاب هذا الخطأ، وساهمت في هندسة مسرحية تنحي عبد الناصر وعودته إلى الحكم "تحت ضغط شعبي غلاب"!

نفي أم هروب؟!   

بعد الإفراج عنه عام 1974 في عهد محمد أنور السادات.. خير شمس بدران في اختيار منفاه، فقال إنه سيذهب إلى باريس ثم استقر في لندن.. خرج بجواز سفر ديبلوماسي ثم نسجت الصحافة المصرية مسلسلات عن هروبه، وانتهت حياته شريكا في إدارة مزرعة دواجن جنوب إنكلترا، ونجما عائدا من باب كتابة المذكرات.. التي نفى صلته بها، وقال – في تصريح متلفز- إن ما نشر على لسانه لا يمثله، ولا يمكن أن يكون هو من كتبه... رغم أنه لم يوفر في تلك المذكرات  عبد الناصر من سجل الفضائح الجنسية، حين زعم أنه كان يسجل أفلاما إباحية للفنانات كي يحفز رغبته الجنسية التي تراجعت بسبب الإصابة بمرض السكر، ليبرر تسجيلاته تلك.. أما تبرير إجبار الموسيقار محمد عبد الوهاب على الغناء له وحده كل خميس ثم الاحتفاظ بالتسجيلات وأسرارها لنفسه.. فلم يجد أحد أي مبرر له إلا سمعة رجل الرعب الذي يغني له مطرب كبير تحت الضغط والإكراه، حيث بلغ مجموع ما سجله له (40) ساعة، كما قال عبد الوهاب لصديقه الشاعر فاروق جويدة الذي طالب بالإفراج عن هذه التسجيلات دون جدوى. 

رحل شمس بدران عن (91) عاماً.. قضى ما يزيد عن (15) عاما منها في السلطة، وسبعة أعوام منها في السجن، ثم (46) عاماً في المنفى، كان جزءا من نظام صنع الهزيمة حين زرع الرعب في قلوب مواطنيه.. ومع أن هناك من نسي الهزيمة، فإن كثيرين لم ينسوا حكايات الرعب التي طبعت اسم الرجل بطابعها الاسبتدادي الأسود.  

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات