صحيفة أمريكية تشيد بجهود السوريين في أوروبا لمحاسبة أسد

صحيفة أمريكية تشيد بجهود السوريين في أوروبا لمحاسبة أسد
بعد ما يقرب من عقد على الحرب، قتل أكثر من 500,000 سوري، وتعرض السوريون لأكثر من 200 هجوم كيماوي، ونزح  12 مليون سوري، وسجل ما يقرب من 130 ألف حالة اختفاء قسري. على الرغم من استمرار قبضة نظام أسد على الدولة، إلا أنه يجري اتخاذ خطوات صغيرة لتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة من خلال المحاكم الدولية التي تجمع الأدلة ضدهم.

ومن الأمثلة على ذلك "محاكمة التعذيب" الجارية في بلدة كوبلنز الألمانية، حيث قام اثنان من مسؤولي المخابرات، أنور رسلان، الرئيس السابق للتحقيقات في سجن الخطيب سيئ السمعة في دمشق وأكبر مسؤول تمت محاكمته، ومساعده إياد غريب، المتهمان بالمساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال توقيف وسجن المتظاهرين.

في شهادة تلو الشهادة، يساعد الناجون من التعذيب وأقارب الضحايا والمنشقون عن النظام المحكمة في رسم صورة أكمل لجرائم نظام أسد. إذ تلتزم ألمانيا بمبدأ الولاية القضائية العالمية، والتي تتيح اتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين عن الجرائم الجسيمة المرتكبة خارج حدودها. ومن المرجح أن يشجع هذا المزيد من الضحايا على التقدم وإبلاغ النظام بأنه قد يواجه المحاكمة في يوم من الأيام.

كان استخدام الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي والتعذيب جزءاً لا يتجزأ من الجهاز القمعي الهائل الذي أنشأه بشار أسد ووالده حافظ الأسد قبله. وأشهر ما تم الكشف عن وسائله وأساليبه في 53,375 صورة فوتوغرافية لمعتقلين سوريين قتلى ومشوهين بوحشية. تم تهريب الصور إلى خارج سوريا بواسطة مصور الشرطة العسكرية الملقب بـ قيصر. 

ومع عدم ظهور أي بوادر على انحسار الحرب في سوريا، وبوادر تشير إلى أن مستقبل أسد آمن كما كان دائماً، فإن المخاطر كبيرة بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا في عداد المفقودين، والذين تُركوا أكثر ضعفاً بسبب فيروس كورونا.

يلجأ السوريون الآن إلى المحاكم الأوروبية للحصول على إجابات حول مصير أكثر من 127،916 مفقوداً (يُفترض أنهم ماتوا أو رهن الاحتجاز)، الذين اختفوا داخل متاهة المسالخ التي لا يمكن اختراقها في سوريا، كل منها صندوق أسود لأولئك المحاصرين بداخلها.

كان أبرز ما في محاكمة كوبلنتز  في الواقع، شهادة حفار القبور الذي وثق بتفصيل كبير، أسماء مئات الآلاف من القتلى وأماكن المقابر الجماعية، وكذلك فروع المخابرات التي أتوا منها.

لقاء سجين سابق مع جلاده

ومن بين الشهود الست عشرة الذين شاركوا في الإجراءات أنور البني، المحامي والناشط السوري لحقوق الإنسان الذي يعيش الآن في برلين الذي قضى حياته في الدفاع عن المنشقين في سوريا.

سُجن البني عام 2006 لتوقيعه إعلان دمشق الذي دعا إلى الإصلاح الديمقراطي والتغيير الجذري، وقبع في السجن لمدة خمس سنوات قبل إطلاق سراحه ثم فر إلى ألمانيا في نهاية المطاف في عام 2014. أشرف على اعتقاله وسجنه أنور رسلان، أحد المتهمين في المحاكمة الألمانية.

التقى البني بسجانه وجلاده بعد سنوات في مخيم للاجئين في ألمانيا. شاء القدر أن يرسل الاثنان للعيش في نفس المستوطنة على أطراف برلين بعد انشقاق رسلان في عام 2012. وقد أدت هذه المواجهة بالصدفة إلى بدء محاكمة رسلان متهماً إياه بالإشراف على "التعذيب المنهجي والوحشي". لما لا يقل عن 4000 شخص بين نيسان/ أبريل 2011 وأيلول/ سبتمبر 2012، مما أدى إلى مقتل 58 شخصاً.

بارقة أمل في ظل تواطؤ المجتمع الدولي

على الرغم من كونها خطوة محدودة نحو تحقيق العدالة، وفقاً لصحيفة "ذا هيل"، فإن المحاكمة ليست أقل من اختراق لجهود محاسبة مرتكبي النظام على التعذيب الذي يستخدمه النظام ويتغاضى عنه. 

لأول مرة منذ سنوات، توفر المحاكمة الأمل لأولئك الذين لا يستطيعون نسيان تواطؤ المجتمع الدولي في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية وأزمات اللاجئين في التاريخ. كانت المحاكمة مصدر إلهام للتحقيق والمقاضاة في قضايا سورية مماثلة. 

في الآونة الأخيرة، تم رفع دعوى جنائية واحدة من قبل ثلاث منظمات ضد مسؤولي أسد، بما في ذلك بشار أسد وشقيقه ماهر، نيابةً عن ضحايا هجمات غاز السارين على الغوطة في عام 2013 وخان شيخون عام 2017.

لم تكن هذه اللحظات لتحدث لولا عمل نشطاء حقوق الإنسان مثل البني وكثيرين غيرهم ممن قاموا، رغم مواجهتهم مخاطر شخصية كبيرة، بجمع آلاف الوثائق والشهادات الحكومية بإصرار بمرور الوقت، وتعقب الشهود والمنشقين، بل وساعدوا في حمايتهم وكشفهم. بالنظر لهذه الجهود يبرز حجم الجهد المطلوب لتقديم النظام للعدالة.

وربما لن تتوافق المحاكمات مع المشاعر السائدة بعدم الرضا بين الناجين من وحشية أسد،  إذا لم تدنِ الجناة أو تعوض الضحايا. ولكن كأساس للمستقبل، فإن هذه القضايا القضائية ستكون بمثابة تذكير بأن هذا النظام المسؤول عن الانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان ضد المدنيين لا ينبغي أن يكون جزءاً من الحل في سوريا ولا ينبغي أن يكون جزءاً من مستقبله.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات