ظاهرة تسول الأطفال في إدلب.. حاجة أم مهنة لكسب المال؟

ظاهرة تسول الأطفال في إدلب.. حاجة أم مهنة لكسب المال؟
في صباح كل يوم يقف الطفل محمد العمر (15 عاماً) أمام محل لبيع المعجنات عند فتح الفرن لأبوابه لطلب المساعدة المالية من الزبائن بهدف جمع المال لإعالة عائلته المكونة من 5 أشخاص بعد فقدانه لوالده أثناء القصف على منطقة كفر بطيخ بريف إدلب الجنوبي الشرقي.

بنطال ممزق وسترة قديمة بالية وثياب متسخة لا تقيه من الطقس البارد في المدينة، يجمع محمد بشكل يومي ما يقارب 3000 آلاف ليرة سورية ما يعادل دولار ونصف الدولار، لينهي رحلة التسول التي تستمر عشر ساعات لشراء الخبز و شيء من الخضروات

وفي أثناء ذلك يتعرض الطفل لعدة مضايقات ورفض من قبل بعض المواطنين أو بعض أصحاب المحال التجارية بحجة عدم حاجته للمال، في حين يقوم البعض الآخر بمنحه مبلغاً رمزياً أو حتى مبلغاً جيداً، ولكن بشكل قليل للغاية، نظراً لكثرة المتسولين من النساء والأطفال والرجال في أنحاء المدينة. 

أورينت نت التقت الطفل محمد وسألته عن سبب التسول ليرجع السبب إلى عدم وجود عمل يخلصه من هذه الظاهرة، قائلاً "بحثت عند كثير من المطاعم والمحال التجارية لكي أعمل عندهم وأعيل عائلتي، لكن كان الجميع يرفضني بحجة الاكتفاء، فلم يبق لدي سوى طلب المساعدة من الناس، رغم محاولة والدتي إيجاد عمل يساعدني على التخلص من التسول لجلب قوت يومنا".

الفقر يحرم أطفال التسول من الدراسة

قصة محمد ليست الوحيدة في الشمال السوري إذ لا يكاد يمر يوم دون أن تجد عشرات المتسولين على أطراف الطرقات وداخل المدن وفي الأسواق العامة وداخل المطاعم والمحال التجارية وعلى أبواب المساجد وفي الأماكن العامة يطلبون المساعدة.

ويغلب على المتسولين وجود الأطفال والنساء بكثرة، خاصة بعد موجة النزوح الكبيرة من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي، وحالة الفقر المدقع الذي يعانيه أغلب المدنيين نتيجة البطالة والحرب الدائرة منذ عدة أعوام دون وجود حل ينهي الصراع.

لمى طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات تنتقل بشكل يومي بين شوارع مدينة إدلب وهي حافية القدمين؛ وتنتظر أمام أبواب المطاعم من أجل طلب الأموال أو الطعام من الخارجين من المطعم أو محال الحلويات؛ في حين تتعرض للتنمر بشكل مستمر من أصحاب المطاعم.

وبدل  الذهاب إلى المدرسة تقوم لمى كل صباح بالتسول بسبب وضع عائلتها الصعب، إذ فقدت والدها في قصف جوي قبل عامين؛ في حين تعمل والدتها في تنظيف المنازل من أجل الحصول على لقمة عيشهم.

وتقول لمى لأورينت نت حول أسباب خروجها كل يوم للتسول "أمي رفضت أكثر من مرة فكرة خروجي للتسول؛ ولكن مع صعوبة الحصول على الأموال لإعالة أسرتنا المكونة من 5 أشخاص؛ أصبح من الصعب البقاء دون مدخول يومي لذلك لجأت لجمع الأموال والطعام من الشوارع".

وأعربت الطفلة الصغيرة عن أمنيتها بالذهاب للمدرسة كغيرها من الأطفال، لكن ترك جمع الأموال والتسول سيؤدي إلى عدم وجود طعام لإخوتي وخصوصا مادة الخبز، لذلك نحن نحتاج لكفالة شهرية تساعدنا في التخلص من الفقر لكي نعود للعيش مثل باقي الناس.

ويتزامن خروج مئات الأطفال للتسول مع بداية العام الدراسي وسط تسرب الآلاف عن مدارسهم بسبب حاجتهم للعمل أو التسول أو عدم وجود مدارس في المخيمات التي يعيشون فيها إلى جانب ارتفاع التسجيل في المدارس الخاصة والتي تصل إلى 100دولار في الفصل الدراسي.

النزوح سبب التسول

وقد عزف الكثير من الأهالي عن التبرع للمتسولين بحجة أن بعضهم ليس بحاجة للمال، وإنما أصبحت مهنة لكسب الأموال عبر استعطاف الناس في حين يقوم البعض الآخر بالتبرع لهم خشية أن يكون الطفل خلفه عائلة بحاجة للمال.

ويقول المهندس محمد حاج مسؤول “تنسيقية الاستجابة العاجلة” في إدلب لأورينت نت إنه من "المستحيل إحصاء الأطفال المتسوّلين أو ضبطهم في أرقام، ويعود ذلك بشكل بارز إلى الخصوصية الاجتماعية للمتسولين الذين يضطرون إلى التنقل بين قرى وبلدات ومدن بعيدة عن بلدتهم حتى لا يمكن التعرف إليهم. وبالتالي ما يسببه الأمر من حرج اجتماعي، ما يحول من القدرة على التتبع الإحصائي، إضافة إلى زيادة نسبة الفقر بشكل متواصل وسريع، والبطالة التي وصلت إلى 80%".

وأعلن حاج أن" نسبة الأطفال العاملين تقدّر بنحو 15% بشكل وسطي، إذ تبلغ أعداد الأطفال في منطقة شمال غرب سوريا ما دون سن الـ 15 عاماً، قرابة مليون و100 ألف نسمة، وما بين الـ 15 إلى 18 عاماً قرابة 180 ألف نسمة".

أما فيصل السليم وهو عضو في جمعية خيرية في ريف إدلب الجنوبي ويقوم بجمع التبرعات من المغتربين والأغنياء وتوزيعها على المحتاجين بهدف القضاء لأكبر قدر ممكن على هذه الظاهرة التي باتت تنتشر في المجتمع.

ويقوم السليم بالسماع إلى قصص المتسولين والكشف عن حاجتهم، ومحاولة تأمين الأموال لسد جزء من متطلباتهم مع تعهد المتسول بعدم الذهاب والتسول مرة أخرى، ولكن بعد موجات النزوح أصبح الوضع أصعب بسبب كثرة المتسولين وحالة الفقر التي وصل لها الناس".

ويقول فيصل السليم في حديثه لأورينت نت إن "المبالغ المالية لا تكاد تكفي 10% من متطلبات المحتاجين الذين يضطرون للتسول لجلب قوت يومهم، إذ باتت تقدر أعداد المتسولين في مدينة إدلب أكثر من 2000 متسول بحسب إحصاءاتنا الأخيرة، في حين أن أنها كادت لا تتجاوز 10 متسولين في المنطقة الواحدة قبل موجة النزوح الأخيرة".

وكان التسول يقتصر سابقاً على بعض المتسولين في المساجد يوم الجمعة وبعض الأماكن العامة ولكنه انتشر بشكل كبير بعد موجات النزوح الأخيرة من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي، في ظل الحاجة الكبيرة التي تعاني منها العائلات في الشمال السوري في ظل الفقر الذي أصبح سمة عامة عند أغلب الناس.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات