بعد 5 سنوات.. التدخل الروسي في سوريا يطرح أسئلة أكثر من الإجابات

بعد 5 سنوات.. التدخل الروسي في سوريا يطرح أسئلة أكثر من الإجابات
تناولت صحيفة "موسكو تايمز" في مقال للكاتبة مارينا بيلانكايا نتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا بعد مرور خمس سنوات، وبالتزامن مع اشتعال الصراع من مكان في الشرق الأوسط لا سيما في أذربيجان وأرمينيا الحدوديتين مع روسيا، والذي ترى الكاتبة أنها إحدى نتائج السياسة الروسية الخارجية ومنها التدخل في سوريا.

وكانت روسيا انضمت للقتال في سوريا بذريعة "منع انتشار الإرهاب" على أراضيها، والنتيجة هي أن مجموعة كاملة من "المتمردين" الذين اعتادوا منذ ذلك الحين على القتال يقتربون من حدود روسيا (إشارة إلى الصراع في القوقاز المحاذي لروسيا).

أدى قرار روسيا شن عملية عسكرية في سوريا قبل خمس سنوات إلى تغيير جذري في دور موسكو في الشرق الأوسط، إذ أجبرت روسيا القوى الإقليمية والغرب على التعامل معها وأحبطت عزلتها إبان ضم شبه جزيرة القرم، ولكن حان الوقت الآن، أكثر من أي وقت مضى، لإعادة التفكير في نتائج تلك العملية. 

ادعاء النصر

تواصل السلطات الروسية التباهي بنتائج العملية العسكرية الروسية في سوريا وادعاء النصر على الإرهاب العالمي.

يظهر هذا بوضوح في مقال وزير الدفاع سيرجي شويغو الذي نشر في صحيفة "كراسنايا زفيزدا" بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة للعملية. إنه يحتوي على العبارات المعتادة حول الانتصار على "عدو البشرية جمعاء" - داعش - وتقارير عن نجاح الأسلحة الروسية. لكن هل من الممكن أن تنعم بهذا الانتصار إلى الأبد؟

صحيح أنه بفضل المساعدة العسكرية والدبلوماسية الروسية تمكن نظام أسد من استعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي.

ومع ذلك، فإن احتمالات التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا لا تزال بعيدة المنال. ساعد ثلاثي أستانا المكون من روسيا وتركيا وإيران الأمم المتحدة في بدء عمل اللجنة الدستورية السورية.

ويبدو أن المناقشات والمفاوضات ستستمر لفترة طويلة جداً، ومن الواضح بالفعل أن الإصلاحات الدستورية لن تبدأ قبل الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، والتي من المرجح أن يخوضها بشار أسد.

وضع قابل للانفجار

إن النظام راض تماماً عن الوضع الراهن ولا يملك الحافز للانخراط في حوار سياسي. ومع ذلك، بدون أي تقدم في تحقيق تسوية سياسية للصراع، ستبقى سوريا تحت العقوبات الغربية ولن تتلقى أموالاً لإعادة إعمار البلاد بعد الحرب. بدلاً من ذلك، ستذهب كل الأموال من المانحين الغربيين وغيرهم من المانحين الخارجيين إلى تلك الأجزاء من سوريا التي لا تخضع لسيطرة الأسد.

بالنظر إلى هذا الوضع، من المرجح أن تظل سوريا مقسمة إلى ثلاثة أجزاء - جزء يسيطر عليه نظام أسد، وآخر تسيطر عليه تركيا وقوى المعارضة بالوكالة عنها، والثالث تحت سيطرة الأكراد حلفاء الولايات المتحدة.

على الرغم من أن الأطراف الثلاثة قد تتوصل إلى اتفاق بشأن إدلب أو مناطق أخرى، فمن المرجح أن ينشئ الغرب منطقة أو حتى منطقتين شبه مستقلتين، على غرار كردستان العراق.

ستستغرق عملية إعادة الإدماج سنوات. وسيظل الوضع في الأراضي التي يسيطر عليها النظام حالياً قابلاً للانفجار بغياب استثمارات كبيرة.

حتى المنطقة الجنوبية التي خضعت لسيطرة نظام أسد قبل عامين تتأرجح على شفا انتفاضة ثانية.

علاوة على ذلك، فإن تلك المناطق الواقعة خارج سيطرة أسد ليس لديها أي احتمالات على الإطلاق لمستقبل مشرق. لم يعد أمام الرجال السوريين - البيادق في سياسات القوة للقوى الخارجية - سوى خيار كسب عيشهم كجنود مرتزقة أولاً في ليبيا، والآن في أذربيجان.

انضمت روسيا للقتال في سوريا بذريعة منع انتشار الإرهاب على أراضيها. وكانت النتيجة أن مجموعة كاملة من المتمردين الذين اعتادوا منذ ذلك الحين على القتال يقتربون من حدود روسيا. لا يهم أنهم يقاتلون من أجل المال بدلاً من الأيديولوجية: تتحمل روسيا نصيباً كبيراً من المسؤولية عن هذا الوضع.

لقد أنقذت موسكو الأسد، لكنها أصبحت الآن رهينة نشوة الانتصار ورفضها التحلي بالمرونة في الحوار السياسي.

استحواذ روسيا على مرافق البنية التحتية

يأمل نظام أسد أن يتمكن من تدبر أموره دون استثمارات غربية وأن يتلقى أموالاً كافية من روسيا وغيرها من الأصدقاء المستعدين للتعاون معه.

وكما أعلن الأسد في أوائل أيلول/ سبتمبر، فإن دمشق "مهتمة بشكل جدي بنجاح الاستثمار الروسي في سوريا"، جاء ذلك خلال زيارة قام بها نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف ووزير الخارجية سيرجي لافروف إلى دمشق في ذلك الوقت. إذ تشعر موسكو أنها لا تستطيع التخلي عن النظام، ولذا فهي تحاول الاستفادة إلى أقصى حد من موقف صعب وتفعل كل ما في وسعها لمنع الوضع من الخروج عن السيطرة.

في مؤتمر صحفي في دمشق، وعد بوريسوف بأن موسكو ودمشق ستتكاتفان لكسر الحصار على سوريا. وأشار إلى أنه كجزء من "خارطة طريق الطاقة" الموقعة في عام 2018، خططت روسيا لترميم ما يقرب من 40 من مرافق البنية التحتية السورية، بما في ذلك سلسلة من محطات الطاقة الكهرومائية التي بناها الاتحاد السوفيتي.

محاولة تفادي العقوبات الغربية على نظام أسد

كما قامت روسيا بمحاولة جادة للحفاظ على وجود طويل الأمد في سوريا من خلال استثماراتها ليس فقط في تطوير البنية التحتية العسكرية - مثل القاعدة الجوية في حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس - ولكن أيضاً في الميناء المدني في طرطوس الذي استأجرته موسكو 49 عاماً. 

لكن على الرغم من اهتمام موسكو بالتعاون الاقتصادي، فإنها لا تريد أن تتحمل العبء الكامل لإعادة إعمار سوريا، خاصة أنه سيتعين عليها التعامل مع العقوبات الغربية في هذه العملية. لهذا السبب تحرص معظم الشركات الروسية التي بدأت التعاون مع نظام أسد، أو التي تخطط لذلك، على عدم الإعلان عن اتصالاتها مع دمشق.

بالطبع، تحب روسيا أن تنسب كل مشاكلها إلى العقوبات الغربية، لكن إلى متى يمكنها استخدام هذا العذر؟ يتزايد استياء السوريين من السياسة الروسية، حيث يرون أن موسكو تسعى فقط لتحقيق طموحاتها الإمبريالية بينما تفعل القليل جداً لشعب سوريا وتستخدم البلاد فقط لألعابها الجيوسياسية.

كما تجد موسكو صعوبة متزايدة في الحفاظ على التوازن بين مصالح شركائها في مباحثات أستانا الثلاثية. إذ يعتقد أن آلية التفاعل هذه، فضلاً عن الاتصالات الثنائية المنفصلة بين روسيا وكل من إيران وتركيا، قد أتت ثمارها في كل من سوريا وليبيا.

لكن من ناحية أخرى، تتنامى طموحات أنقرة الجيوسياسية وتجد موسكو صعوبة متزايدة في دعم مصالحها دون الخلاف مع الرئيس التركي رجب أردوغان. والأسوأ من ذلك، أن منطقة اهتمام أنقرة تقترب أكثر من أي وقت مضى من حدود روسيا، كما تظهر الجولة الأخيرة من العنف في الصراع الأرمني الأذربيجاني.

إن كانت الحملة العسكرية الروسية في سوريا ناجحة في البداية من وجهة نظر الكرملين. كيف يمكن الحفاظ على هذا الزخم الإيجابي بالنظر إلى الوضع الجيوسياسي والاقتصادي المعقد في العالم؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات