جنوب سوريا.. "نزاع بين الأشقاء" أم عنف مدبر؟

جنوب سوريا.. "نزاع بين الأشقاء" أم عنف مدبر؟
أصبحت الزيادة الكبيرة في عمليات الاختطاف المتبادلة بين محافظة درعا ومحافظة السويداء التي اختار سكانها الدروز إلى حد كبير الحياد وحافظوا على درجة من الاستقلال النسبي منذ عام 2011 السمة المميزة للجنوب السوري المضطرب. 

خلافاً للاعتقاد السائد، فإن حالات الاختطاف بين "سهل" (درعا) و "جبل" (السويداء) في حوران، والتي تحدث منذ عام 2011 على الأقل، لم تكن مدفوعة بالكراهية الطائفية السنية الدرزية؛ لا بل إن الاقتصاد المتدهور وتدهور الزراعة والبطالة والفقر المدقع و وفرة الأسلحة هي العوامل الأساسية التي تدفع العديد من الأفراد إلى المشاركة في الجماعات الإجرامية والانخراط في الخطف من أجل المال وتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة وفقاً لتقرير نشره موقع "ميديل إست انستيتوت". للكاتب عبد الله الجباصيني مرشح العلاقات الدولية في جامعة كنت في بروكسل.

الانزلاق إلى العنف

في آذار/ مارس 2020 تصاعدت التوترات من خلال عمليات الخطف المتبادلة وأثارت اشتباكات مسلحة بين الفصائل المحلية في كل من درعا والسويداء، ما أدى إلى تفاقم التقلبات في الجنوب السوري. وفي 25 آذار/ مارس، اختُطف رجلان من شرق درعا في السويداء،  رداً على ذلك حاول ثلاثة مسلحين من درعا تنفيذ عملية خطف في بلدة القريا غربي السويداء فشلت محاولتهم، لكن قبل الفرار أطلقوا النار على ثلاثة مدنيين، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة اثنين. 

على الفور انتشرت الجماعات المسلحة المحلية للقبض على المهاجمين، ولكن انتهى بها الأمر إلى اشتباكات دامية مع دوريات من اللواء الثامن، وهو فرع من الفيلق الخامس المدعوم من روسيا بقيادة أحمد العودة. وانتهت الاشتباكات التي أسفرت عن مقتل 19 شخصاً وإصابة 9 آخرين بجروح بمحادثات بوساطة روسية أسفرت عن وعد من اللواء الثامن بحسب قواته المتمركزة بالقرب من قرية "القريّا". 

وأوضح قائد رفيع المستوى في اللواء الثامن للكاتب بشرط عدم الكشف عن هويته "اقترحنا إقامة نقاط تفتيش يعمل بها عناصر من اللواء الثامن ومن الجماعات المسلحة المحلية في السويداء لكنهم لم يوافقوا ... لذلك اضطررنا إلى إبقاء قواتنا هناك لتأمين المنطقة من الجماعات الإجرامية التي تختطف المدنيين وتثير الطائفية بين درعا وجيراننا في السويداء".

ولمنع مزيد من التصعيد أصدر أعيان درعا وشيوخ العشائر بياناً في 31 آذار/ مارس عبروا فيه عن استعدادهم للتعاون مع نظرائهم في السويداء لإرساء الأمن في المنطقة. تلا ذلك بيان "حسن الجوار بين السهل والجبل" وقعه في 4 نيسان/ أبريل وجهاء المنطقتين يدعو إلى تشكيل لجنة محلية مشتركة للتحقيق في الأحداث الأخيرة وإنهاء عمليات الخطف وإحياء العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.

ومع ذلك في 1 نيسان/ أبريل، صدر بيان ذو طبيعة مختلفة تماماً عن حركة "رجال الكرامة"، وهي عبارة عن اتحاد لفصائل السويداء المسلحة تأسس عام 2012 وهو محايد رسمياً ويقوده حالياً الشيخ يحيى الحجار (المعروف أيضاً باسم أبو الحسن). 

وشدد البيان على علاقة السويداء التاريخية بأهالي درعا وألقى باللوم على نظام أسد في إحداث "فراغ أمني" في المنطقة، وحمّل أحمد العودة من اللواء الثامن مسؤولية مجزرة القريّا وتوعد بالانتقام.

زرع بذور العنف الطائفي؟

أشرفت روسيا على انسحاب قوات اللواء الثامن من غرب السويداء حتى أيار 2020. وأوضح أحد السكان المحليين من غرب السويداء أن "القوات الروسية غادرت قبل الانسحاب الكامل، وبدأت ميليشيات اللواء الثامن الجديدة بالوصول إلى المنطقة" قبل أن يضيف "أصبح استخدام القوة المسلحة رد فعل مشروع على وجود غير مبرر لـميليشيات مسلحة أجنبية على أراضٍ يملكها السكان المحليون". 

في 29 أيلول/ سبتمبر 2020 شنت مجموعات مسلحة في قرية القريّا هجوماً وطردت عناصر تابعين للواء الثامن من المناطق التي تم الاستيلاء عليها أواخر آذار/ مارس. ومع ذلك شن اللواء الثامن هجوماً مضاداً واستعاد السيطرة على الأراضي التي فقدتها سابقاً في اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل 14 شخصاً وإصابة العشرات. 

هناك روايتان متضاربتان بين أهالي السويداء حول من خطط بالضبط وشن الهجوم على اللواء الثامن، من ناحية أخرى أكد العديد من سكان السويداء أن الجماعات المسلحة المحلية مثل حركة رجال الكرامة تعمل بمفردها، ووفقاً لهذا الرأي فقد قرروا الهجوم من أجل رفع المظالم وتصفية الحسابات القديمة واستعادة الأراضي ذات الأهمية الرمزية على مقربة من مسقط رأس سلطان باشا الأطرش الزعيم الدرزي البارز في الثورة السورية الكبرى (1925- 1927). وأكد أحد الذين تمت مقابلتهم من السويداء أن "القريّا مكان رمزي وموقر لأهل السويداء، ولا يوجد مبرر لوجود الفيلق الخامس هناك، خاصة أنهم وعدوا بسحب قواتهم". 

في المقابل أكد سكان محليون آخرون أن عناصر تابعين للميليشيات الموالية للنظام المدعومة من إيران مثل حزب الله وميليشيا الدفاع الوطني، استغلوا قضية قرية القريّا، وقرروا دون استشارة الفصائل المحلية شن الهجوم بغية إنهاء الحياد الدرزي وتأجيج الفتن الطائفية وإضعاف اللواء الثامن. 

قال أحد السكان المحليين: "صدرت أوامر لأفراد من ميليشيا الدفاع الوطني بشن الهجوم مع وعد بدعم عسكري وهو ما لم يحدث، وتطلب في النهاية تدخل فصائل محلية غير مستعدة". وأوضح آخر "على أهالي السويداء أن يعلموا أن حزب الله ينشط في الجزء الغربي من المنطقة ويقدم الأسلحة واللوجستيات لميليشيا الدفاع الوطني، ومن العار على الدروز أن يقاتلوا "العودة" نيابة عن حزب الله".

يميل الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من درعا إلى تصديق الرواية الثانية. في الواقع لا يرى السكان المحليون في درعا أنفسهم متورطين في نزاعات وأعمال عدائية مباشرة مع جيرانهم في السويداء؛ بل يعتقدون أن هجمات أواخر سبتمبر/ أيلول جاءت من عملاء وأفراد من الميليشيات الإيرانية والموالية لإيران الذين يأملون في دفع اللواء الثامن والفصائل المسلحة في السويداء إلى حرب استنزاف طائفية لإضعاف أحمد العودة الذي يحمل ضغينة عليهم ويمتلك الوسائل العسكرية لإفشال طموحاتهم في جنوب سوريا. 

وفقاً للعديد من الذين تمت مقابلتهم فإن قدرة العودة على حشد الدعم الشعبي إلى جانب إمكانية إضافة القوى البشرية إلى جانبه في درعا تثير قلق إيران وحزب الله. وبالتالي فإن إضعاف اللواء الثامن سيسمح لإيران وحزب الله بتأسيس موطئ قدم في شرق درعا واختراق بصرى الشام المركز السكاني الرئيسي للشيعة في جنوب سوريا، والتي ما تزال عائلاتها الشيعية النازحة ممنوعة من العودة إلى ديارها من قبل حزب الله. 

في فيديو نشر في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 اتهم العودة علانية حزب الله وإيران باستغلال أبناء السويداء لتحقيق مخططاتهم "القذرة" وأكد أن حسن الجوار مع درعا سيستمر "رغم أولئك الذين يريدون إثارة الفتنة".

نظرة مستقبلية

مع استمرار العداوات دون حل في المجتمعين العشائريين من المرجح أن تسود أنماط دورية من الانتقام والتصعيد، مما يوفر فرصة مقلقة لنظام أسد لإعادة تثبيت نفوذه في جنوب سوريا غير راغب في التسامح مع أي "محاولات تمرد"، من المرجح أن يستخدم النظام الفوضى والعنف كذريعة للعب دور الحكم في النزاعات المحلية من خلال نشر ميليشياته العسكرية والأمنية، وفي نهاية المطاف تقويض كل من اللواء الثامن في درعا والجماعات المسلحة المحلية المستقلة في السويداء.

لتقليل احتمالية حملة النظام القمعية يجب أن تتعاون الجهات المسلحة المحلية لملء الفراغ الأمني وإنهاء حالة الفوضى الحالية يجب على شيوخ العشائر ووجهائها من درعا والسويداء مراقبة سلوك العناصر المسلحة في مناطقهم والتأكيد على دورهم كدبلوماسيين ميدانيين يعطون الأولوية للمصالحة والحوار  ،وبغياب دعوة جادة للعمل والتعاون فإن جنوب سوريا محكوم عليه بأن يصبح ساحة معركة يكون فيها "أبناء الأرض" مجرد بيادق وضحايا لفاعلين داخليين وخارجيين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات