عقبتان تعيقان روسيا في تأهيل أسد سياسياً.. حلان أحلاهما مرُّ

عقبتان تعيقان روسيا في تأهيل أسد سياسياً.. حلان أحلاهما مرُّ
ألمحت تصريحات المسؤولين الروس والأمريكان الأخيرة حول تطورات الأوضاع في سوريا إلى أن المرحلة المقبلة ستركز على مسار الحل السياسي، بعد تأكيد الطرفين على توقف العمليات القتالية الرئيسة في البلاد.

التصريحات الأمريكية جاءت على لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا جيمس جيفري في 4 تشرين أول الجاري في مقابلة مع (معهد بيروت)، حين قال إن "بشار أسد لايأخذ أراضي جديدة في سوريا، وعليه أن يتأقلم على ذلك" مؤكداً أن "بلاده ستحرص على بقاء الأمور على ما هي عليه، حتى الوصول إلى عملية سياسية تنقذ الشعب السوري وتوفر الأمن للبلدان المجاورة" على حد تعبيره.

وقبل جيفري بأيام اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتصريحات لجريدة (ترود) الروسية أن "الحرب انتهت فعلا في سوريا (مع بقاء بؤر صغيرة في إدلب وشرق سوريا) وأن المقام الأول حاليا هو لتقديم مساعدات إنسانية شاملة ودفع العملية السياسية لحل الأزمة لتحقيق استقرار موثوق وطويل الأجل في هذا البلد عبر العملية الدستورية وبمساعدة الأمم المتحدة".

وتزامنت هذه التصريحات مع الذكرى السنوية الخامسة للتدخل العسكري الروسي المباشر لدعم بشار أسد ومنع سقوطة كما أكد لافروف عندما بدأ التدخل.

وتدفع هذه التصريحات إلى إثارة تساؤل جوهري حول مدى جدية روسيا بدعم حل سياسي، وهل تستطيع إنقاذ بشار أسد أو نظامه سياسياً، كما أنقذته عسكريا، أم أنها ستضطر لتقديم تنازلات كبيرة تحت الضغط الأمريكي والأوروبي من جهة، وضغط الحفاظ على التفاهمات والمصالح مع تركيا التي بنتها طيلة سنوات خلت من جهة أخرى؟

إنقاذ منقوص

يكاد يجمع كثير من الخبراء والمراقبين أن روسيا لاترى في سوريا سوى بشار أسد بالدرجة الأولى ونظامه بدرجة أقل، فهي استخدمت حق النقض (الفيتو) 16 مرة منذ اندلاع الثور السورية عام 2011 لإبطال كل قرارٍ أممي من شأنه أن يكفل بعض الحماية للمدنيين في سوريا ويحول بينهم وبين آلة الحرب أو يحاسب بشار أسد ورموز نظامه من مرتكبي الجرائم والانتهاكات ضد الإنسانية، وبالتالي فإنها لن تألو جهدا لإعادة تأهيله وشرعنته سياسيا.

وفي 30 أيلول 2015، تدخلت روسيا عسكريا وبشكل مباشر لإنقاذ أسد من السقوط، حتى أن لافروف قال حينها "لو لم نتدخل لسقط النظام خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر" وهو ما اعترف به بشار ضمنيا في مقابلة له قبل يومين مع صحيفة "النجمة الحمراء" (زيفزدا)،  بقوله: "لاشك أن التدخل العسكري الروسي لعب دورا مفصليا في القضاء على الأرهاب".

ويقول الخبير وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس خطار أبو دياب إن العمل الروسي الحثيث على إعادة شرعنة بشار أسد ونظامه ليس جديدا وبدأ منذ عام 2018 إبان زيارة عمر البشير (رئيس السودان المخلوع) إلى دمشق ولقائه ببشار ، وتبدو ملامح الإصرار الروسي على الاستمرار في ذلك عبر التوسط لبدء مفاوضات جديدة بين بشار أسد وإسرائيل.

وفي عددها الصادر الأحد 4 تشرين أول الجاري أكدت صحيفة "النهار" اللبنانية حدوث اتصالات بين الجانبين الأمريكي والروسي خلال الشهر الماضي، وتوصلوا خلالها إلى تفاهم ثنائي حول ضرورة وجوب فتح مسار سياسي بين إسرائيل ونظام أسد.

إلا أن ما يعرقل نجاح روسيا في تأهيل نظام أسد سياسيا حتى الآن بحسب أبو دياب هو الرفض الأمريكي للعملية دون تحقيق شرطين اثنين، الأول فصل بشار أسد ونظامه عن إيران والسير بعملية سياسية وفق القرارات الدولية وهنا يستدرك أبو دياب " بشار أسد وإيران توأم سيامي لايمكن فصلهما".

وبتقدير أستاذ العلاقات الدولية فإن أمريكا تجاوزت مبدئيا علاقة أسد مع إيران وتركز على الشرط الآخر وهو السير بعملية سياسية حقيقية وفق القرار الدولي 2254 ، وهو ما لايمكن توفره أيضا لأن "صيغة نظام أسد هو أنه إذا تنازل عن أي شيء فإنه سيتنازل عن كل شي".

بالمقابل يرى الدكتور نصر اليوسف إعلامي وخبير بالشأن الروسي أن روسيا تستطيع إنقاذ أسد سياسيا بكل بساطه ويسر، فلن تفعل من أجل ذلك سوى أن تترك الوضع كما هو عليه، فروسيا لايهمها معاناة السوريين وبقاء البلاد ممزقة تحت احتلالات متفرقة، وبشار أسد وزمرته راضون عن هذا الوضع تماما، واستطرد بقوله "طبعا إذا استعاد الروس إدلب ومناطق أخرى فإن بشار أسد وزمرته سيكونون ممنونين وإذا لم يستعيدوها فإن مناطقهم تكفيهم إلى بشار الخامس عشر".

ورغم اعتبار اليوسف أن روسيا وأسد ينظران إلى بقاء الوضع كما هو عليه على أنه نصر سياسي، لكنه يتفق مع أستاذ العلاقات الدولية (أبودياب) في أنه من الناحية البرغماتية ليس من مصلحة روسيا إبقاء الوضع على ماهو عليه لأنها بحاجة إلى قطف الثمار الحقيقية لتدخلها العسكري، وذلك لن يكون دون رفع العقوبات الأمريكية والغربية وإعادة الإعمار،  الذي لن يحدث بدوره دون تحقيق الشرط الأمريكي بعملية سياسية وفق القرار 2254.

"أحلاهما مرّ"

يعتقد الدكتور اليوسف أن روسيا باتت جاهزة لإرغام النظام على التحرك الجدي على المسار السياسي عازيا ذلك إلى سبيين، الأول هو أن روسيا ليست في وارد محاربة تركيا وخسارة ما بنته من تحالفات ومصالح معها خلال سنوات في الاقتصاد والسياسة، كما أنها ليست بوارد القيام بأي عمل شرق الفرات لأنها منطقة أمريكية وهي غير مستعدة للدخول بمواجهات مع أمريكا كرمى لعيون بشار أسد.

وأما السبب الثاني فهو أن روسيا تريد قطف ثمار تدخلها في سوريا طيلة السنوات الماضية، صحيح أنها قطفت ثمارا كثيرة بفتح قاعدتين (جوية وبحرية) وأدخلت عشرات الشركات للاستثمار في سوريا، ولكن هذه الأمور ستبقى محدودة المردود مادام نظام أسد تحت العقوبات الأمريكية المشددة والأوروبية أيضا.

وهذان السببان سيدفعان روسيا من وجهة نظر اليوسف إلى التخلص من الضغوط والأعباء الملقاة عليها في سوريا المنهارة اقتصاديا إلى البحث عن حل وسط (لايموت الذيب ولاتفنى الغنم)، قد يكون التخلي عن رأس النظام ومن ثم الدخول إلى مرحلة انتقالية طويلة لم تتضح ملامحها بعد ، لكنه لم يستبعد أن تكون سوريا تحت وصاية روسية أو دولية فيها.

وقد يدعم وجهة نظر اليوسف الذي يعتقد بأنها ربما تُطبّق تزامنا مع الانتخابات الرئاسية في سورية (صيف 2021)، ما حدث مؤخرا في درعا حين أشرفت روسيا على تخريج دفعة عسكرية جديدة من اللواء الثامن في درعا بقيادة أحمد العودة قيادي سابق في الجيش الحر، وعلت خلالها الهتافات بإسقاط بشار أسد، وكذلك التدخل المباشر في هيكلة القوات الأمنية والعسكرية والإدارية، حتى بات يتردد أن كل محافظ في حكومة أسد أصبح لديه مستشار روسي.

وأما الحل الذي يرجحه الخبير الاستراتيجي ( أبو دياب)، فهو اللاحل وبقاء الوضع في حالة "جمود سياسي" لفترة زمنية طويلة، فمن جهة يصعب على روسيا إعاد تأهيل أسد على المستوى الدولي بسبب العقوبات الأمريكية والموقف الأوروبي المتشدد خاصة عقب المحاكمات التي تشهدها دول أوروبية لرجالات ورموز نظام أسد بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ، ومن جهة تانية يصعب كسر حالة الجمود السياسي في سوريا مع وجود شبكة من العلاقات المعقدة بين الدول الفاعلة في الشأن السوري من أذربيجان إلى ليبيا مرورا بالعراق وإيران وإسرائيل ومنطقة شرق المتوسط.

التعليقات (2)

    سامر حسان

    ·منذ 3 سنوات 6 أشهر
    قراءة تحليلة معمقة للدور الروسي ومسار الحل السياسي يعطيكم العافية، بتمنى هيك مواد تكون كتيرة باورينت يلي تعودنا عليها أنها منبر للسوريين الاحرار، وليست صوتا للنظام وأذنابه، أو ناطقة باسم وكالة سانا وصحيفة الوطن.

    يوسف علي الخير

    ·منذ 3 سنوات 6 أشهر
    سيأتي يوم تصدح فيه هتافات الاحرار في دمشق غصبا عن روسيا وبشار .. كل الشكر للكاتب والمحللين
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات