"التخلي عن أطفال رضع" ظاهرة خطيرة تتسلل إلى الشمال المحرر

"التخلي عن أطفال رضع" ظاهرة خطيرة تتسلل إلى الشمال المحرر
لم يتوقع الحاج الخمسيني عمار السليم أن يجد رضيعة ملقاة على باب المسجد ببلدته سلقين الواقعة شمال غرب إدلب حين توجهه لأداء صلاة الفجر. 

كانت ملفوفة بقطعة قماش وعمرها لايتجاوز أيام، و صوتها متقطع ومتعب من كثرة البكاء، ما كان من الخمسيني الذي تأثر بما رآه إلا أن أوكل تربية الطفلة لزوجته بعد أن يئس من معرفة أي شيء عن أهلها.

العثور على أطفال رضع مجهولي النسب باتت ظاهرة خطيرة تتسلل إلى مناطق متعددة من الشمال السوري، بسبب الفقر المدقع وأسباب أخرى تدفع على الأكثر أمهات لوضع أبنائهن أمام المساجد وفي الحدائق العامة أو إلى جانب الطرقات ليعثر عليهم المارة ويتكفل أحدهم بتربيتهم.

ظاهرة الأطفال بلا نسب انتشرت بشكل كبير في مناطق أسد قبل أن تصل إلى الشمال المحرر، سواء عبر علاقات خارج إطار الزواج ووضعهم أمام المساجد والحدائق، أو الأطفال الذي لا يمتلكون أوراقا ثبوتية بسبب مقتل الأب وعدم قدرة الأم على تثبيت الزواج، وهو ما أكدته عدة تقارير وتحقيقات صحفية، منها التحقيق الذي نشرته مؤسسة أريج للصحافة الاستقصائية "أطفال بلا نسب" عام 2016.

ويعرف مجهول النسب بأنه الطفل الذي عثر عليه ولم يعرف والده، أو الأطفال الذين لم يثبت نسبهم ولا يوجد معيل لهم.

ويقول الحاج عمار الذي قرر مع زوجته تبني الطفلة الرضيعة وأطلقا عليها اسم رجاء "سأحرص على تقديم كل ما أستطيعه لتربيتها تربية صالحة، أبتغي من وراء ذلك الأجر والثواب من الله لأنني أعتبرها يتيمة بعد تخلي أهلها عنها".

ولا يجد الحاج مبرراً لرمي الإنسان لولده وفلذة كبده على حافة الطرقات أيا كانت الظروف، ويتساءل باستنكار "ما ذنب هؤلاء الأطفال ليحملوا معهم وصمة لقطاء طوال حياتهم التي لم يختاروها؟

الحاج الخمسيني ليس وحده من تبنى طفلة تخلى عنها أهلها، فهناك حالات متعددة، منها عبير الجابر التي عثرت على طفل رضيع داخل حقيبة سوداء مفتوحة ملقاة على حافة الطريق.

وتروي عبير لأورينت نت تفاصيل قصتها مع الطفل بالقول "دفعني الفضول للاقتراب من الحقيبة وراحت الأفكار تدور في رأسي، وأتساءل هل هي عبوة ناسفة أم ماذا ليقطع أفكاري تلك صوت بكاء طفل رضيع يخرج من الحقيبة".

وتضيف عبير "كان عمره لا يتجاوز الساعات، حملته وتوجهت به إلى إحدى النقاط الطبية، وبعد التأكد من صحته الجيدة قررت تربيته بمساعدة زوجة ولدي التي لا تنجب والتي سعدت بالطفل، وتعتني به على أكمل وجه وتشعر بأن الله رزقها إياه ليعوضها عن حرمانها من نعمة الأمومة والإنجاب".

نظرة قانونية 

ويُجرم قانون العقوبات السوري من يحاول التخلص من ولده بالسجن لمدة قد تصل لـ ١٥ عاماً، ويطلق على هذا النوع من الجرائم "اسم تسييب الأطفال"، فيما يخفف القانون الحكم عن أم الطفل إذا أقدمت على ذلك” مكرهة لصون شرفها في حال الحمل والإنجاب خارج إطار الزواج"، حسبما أفاد المحامي نهاد الحسين لأورينت نت.

وأوضح الحسين، وهو من سكان إدلب المدينة، أنه حين يتم العثور على طفل ملقى في الشارع يتم اتخاذ جملة إجراءات، على رأسها نقل الطفل إلى المشفى ليجري له الطبيب فحصاً للتأكد من حالته الصحية، ثم تفتح الجهات الأمنية تحقيقاً في الحادثة محاولة معرفة ذوي الطفل، قبل أن يتم البحث في مصيره في حال تعذر معرفة أبويه.

وأكد أنه يجوز لمن عثر على الطفل تربيته إن رغب في ذلك على أن يكون هنالك امرأة قادرة على العناية به، ويتم تسجيل الطفل ضمن خانة خاصة في السجلات المدنية بموافقة القاضي الشرعي باعتباره لقيطاً، مع منح اسمين افتراضيين لأمه وأبيه وجعلهما متوفيين ليتم تسليمه بعد ذلك لمن يريد تربيته وفق عقد وصاية أو تحويله إلى إحدى دور الرعاية.

وأشار إلى أن هؤلاء الأطفال لا يوجد طريقة قانونية من أجل توثيق أسمائهم في القيود والسجلات المدنية حالياً، وخاصة أن الشمال السوري أصبح مفصولاً بشكل نهائي عن الأحوال المدنية بسبب نقلها إلى محافظة حماة الخاضعة لسيطرة نظام أسد.

معاناة اضطهاد مجتمعي

بدورها ترى المرشدة الاجتماعية فاتن السويد أن الأطفال اللقطاء يلاحقهم انطباع مجتمعي مفاده أنهم نتاج علاقات خارج إطار الزواج، في الوقت الذي يرجح أنهم شرعيون كون الظاهرة ازدادت فقط في هذه الظروف المعيشية الصعبة، وبالنتيجة يعيش هؤلاء الأطفال وهم فاقدون لنسبهم وهويتهم الاجتماعية.

وتقول " إنهم يعيشون حالة اضطهاد مجتمعي مهما تلقوا من اهتمام ورعاية، بحيث لا يمكن التغلب على الشعور بالنقص والاختلاف عن الأطفال الذين ينعمون بالعيش في كنف عائلاتهم".

 وترجع المرشدة الاجتماعية سبب تزايد الظاهرة إلى الحرب وما رافقها من تدني الأوضاع المعيشية والنزوح والغلاء والفقر، إضافة لدخول وافدين جدد إلى المجتمع السوري، في إشارة منها لزواج سوريات من مقاتلين أجانب.

وحذرت وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها في حزيران الماضي، من أزمة غذاء غير مسبوقة قد تواجه سوريا، حيث يفتقر أكثر من 3.9 مليون شخص إلى الغذاء الكافي في وقت يتسارع فيه تفشي فيروس كورونا بالبلاد.

وقالت أكجمال ماجتيموفا ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا في تصريح لها أنه بعد تسع سنوات من الصراع المسلح على حد تعبيرها،  يعيش أكثر من ٩٠% من سكان سوريا تحت خط الفقر.

وبحسب تقرير لمنظمة"سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" الحقوقية، في حزيران 2019،  ظهرت الكثير من حالات رمي الأطفال حديثي الولادة والتخلي عنهم من قبل عائلاتهم في مناطق عدة من سوريا.

 وحتى إن تكفل أحد برعايتهم إلا أن العديد منهم لا قدرة لديهم على تسجيلهم بشكل رسمي أو الحصول على أوراق ثبوتية وهو ما يعني حرمان "الطفل المسيب" من كافة حقوقه المدنية وحرمانه من حياة طبيعية تراعي إنسانيته وطفولته.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات