أثار هذا التصعيد العلني ذهول العالم، فقد سقطت بشكل صارخ كل أكاذيب النظام وادعاءاته عن احتضان الفلسطينيين وهو الذي لعب بالورقة الفلسطينية على مدى عقود، وتداعت إلى الأذهان قصة الفلسطينيين مع الأسد الأب في مخيم تل الزعتر شرق بيروت في أغسطس/ آب من عام 1976 حيث ارتكب جيش الأسد مذبحة راح ضحيتها (3000) فلسطيني، بعد حصار المخيم وقصفه وقطع الماء والكهرباء عنه... وفي حصار المخيمات في لبنان في الثمانينات، حيث وقفت القوات السورية مع حركة (أمل) ضد الفلسطينيين، وساهمت في حصارهم وتجويعهم.. ليبدو الابن شبيه أبيه!
وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حينها قد ندد بقصف الطيران الحربي السوري مخيم اليرموك للاجئين، معتبرا إياه "تصعيدا دراماتيكيا". فيما أدانت السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في آن معاً القصف وطالبتا بوقف استهداف المخيمات الفلسطينية.
وفي الواقع لم يكن قصف مخيم اليرموك بالطيران حدثاً جديداً، فقد شهدت قبله المخيمات الفلسطينية (أشهرها الرمل الجنوبي في اللاذقية، ومخيمات الوافدين في درعا) استهدافاً عنيفاً ووحشياً من قوات النظام... وكلنا يذكر الصور المسربة في بداية الثورة، لقوات الأسد وهي تدوس على جثث فلسطينيين تم قتلهم والتمثيل بجثثهم لأنه قبض عليهم، وهم ينقلون مواد غذائية أثناء حصار درعا، وتلك الشتائم البذيئة التي أطقلت بحق الفلسطينيين عموماً في ذلك الفيديو المروع، كما نذكر اتهام بثينة شعبان للفلسطينيين في بداية الثورة (25/3/ 20111) بأنهم يشاركون فيما أسمته (مشروع الفتنة) حيث قالت في تصريح متلفز تناولته وكالته الأنباء حينها:
(أتى اشخاص من مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين إلى قلب اللاذقية وكسروا المحال التجارية وبدأوا بمشروع الفتنة, وعندما لم يستخدم الامن العنف ضدهم خرج من ادعى انه من المتظاهرين وقتل رجل امن واثنين من المتظاهرين)!!
ميزة قصف مخيم اليرموك أنه كان عملا هجومياً علنياً وواضحاً ترتكب فيه الطائرة فعل الاستهداف الجماعي الشامل، لهذا جاء الحدث مثيراً للاهتمام وغير مسبوق، لكن الفلسطينيين يعرفون جيداً أنهم خلال فترة حكم الأسدين لم يكونوا شركاء للسوريين بالأرض وصلات التعايش والجوار وحسب، بل شركاء في قمع النظام واستبداده، وتذوق وحشية أجهزة أمنه أيضاً. ولهذا جاء ملف الثورة ليفتح سجلا قديماً من جرائم النظام، ومن استعداد الفلسطينيين ليكونوا شركاء مع أخوتهم السوريين في هتاف الحرية ودفع ضرائبها الباهظة.
الوجود الفلسطيني في سورية!
قبل أن نتوقف عند مساهمة الفلسطينيين في الثورة السورية يجدر بنا أن نلقي نظرة تاريخية على وجود الأخوة الفلسطينيين على أرض سورية... إذ تعتبر سوريا الدولة الثانية بين الدول العربية من حيث عدد اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين على أراضيها, حيث بلغ عددهم عام 2011 ما يقارب 510 ألف لاجئ مُسَجل في وكالة الأونروا, لكن هذا العدد لا يشمل كل اللاجئين فهناك فئات غير مسجلة لدى الوكالة. ووفق الأستاذ طارق حمود المدير العام لتجمع العودة الفلسطيني – واجب فإن العدد الحقيقي للاجئين الفلسطينيين في سوريا وفق تقديرات مؤسسات المجتمع المدني والعاملين في لجان العودة يصل إلى 600 ألف لاجئ من مختلف الفئات, وهذا الإحصاء أقرب إلى الدقة إذا لاحظنا أن إحصاء الأونروا يذكر فقط اللاجئين المسجلين لديها ويستثنى الفئات غير المسجلة . وصل الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين وصل إلى سوريا إثر قيام العصابات الصهيونية بارتكاب المجازر و تهجير الفلسطينيين من أرضهم عام 1948 فيما اصطلح على تسميته بالنكبة , حيث هجّر إلى سوريا حوالي 85 ألف فلسطيني ما يشكل 10% من مجموع اللاجئين عام 1948, واستمرت عمليات ترحيل محدودة للاجئين الفلسطينيين إلى سوريا حتى نهاية النصف الأول من الخمسينيات نتيجة الاحتكاكات المستجدة على الحدود واستمراراً للسياسة الصهيونية في تهجير الفلسطينيين (3) . كما شهدت السنوات التالية عمليات لجوء جديدة إلى سوريا سواء من فلسطين أو من دول عربية أخرى نتيجة ظروف سياسية واقتصادية كما حصل في أعوام 56- 67-70-1971 وكذلك عام 2006 حيث قدم اللاجئون الفلسطينيون من العراق. ويوضح الجدول التالي أماكن انتشار اللاجئين الفلسطينيين على امتداد الخارطة السورية , وقد اعتمدنا على الرقم 600 ألف لاجئ كونه الأقرب للدقة أما نسب التوزع على المحافظات فقد اعتمدنا على ما أوردته دراسة السكان المقيمون غير السوريين وخصائصهم. من خلال مقارنة العدد الذي تقدره هيئات المجتمع المدني (الذي يشمل كل الفئات) مع نسب الدراسة لتوزع السكان (التي تحصي اللاجئين دون النظر إلى فئاتهم) سوف نحصل على الأعداد الأقرب للدقة لعدد اللاجئين في كل محافظة, كون إحصاءات كل من الأونروا أو مؤسسة اللاجئين تستثني اللاجئين غير المسجلين لديهما.
المحافظة - عدد اللاجئين- النسبة المئوية
دمشق 255600 - 42.6 %
ريف دمشق 223800 - 37.3 %
حلب 37800 - 6.3 %
درعـا 33000 - 5.5 %
حمص 24000 - 4 %
اللاذقية 12000 - 2 %
حماه 10200 - 1.7 %
القنيطرة 1200 - 0.2 %
ادلب 600 - 0.1 %
طرطوس 600 - 0.1 %
الحسكة 600 - 0.1 %
الرقة 600 - 0.1 %
وهناك تواجد فلسطيني قليل في كل من دير الزور والسويداء لكن نسبتهم لا تذكر... ويتضح من الجدول أن الكتلة الأكبر من اللاجئين تتركز في العاصمة دمشق و المناطق المحيطة أو ما يعرف باسم ريف دمشق حسب الترتيب الإداري للحكومة السورية . حيث يقيم ما يقارب 479400 لاجئ أي ما نسبته80% من مجموع اللاجئين . في ما ينتشر بقية اللاجئين على امتداد الخارطة السورية من درعا على الحدود الأردنية إلى حلب على الحدود التركية , مع أعداد قليلة في المنطقة الشرقية التي تتسم بكثافة سكانية قليلة. يتركز اللاجؤون الفلسطينيون في سوريا في 13 مخيماً و 14 تجمعاً. ( حيث يكون المخيم واقعاً تحت ولاية الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب بالكامل من شؤون إدارية وأحوال مدنية, بينما يتبع التجمع لبلدية سورية في شؤونه الإدارية) بحسب الأونروا فإن المخيمات الموجودة تنقسم إلى قسمين قسم معترف بها 10 مخيمات وقسم غير معترف بها 3 مخيمات , علماً أنه لا يوجد فرق بين المخيمات المعترف فيها وغير المعترف فيها في كيفية تعاطي الدولة السورية أو الأونروا معها , باستثناء عدم مسؤولية الأونروا عن جمع النفايات الصلبة من المخيمات غير المعترف بها.
مخيمات دمشق وريفها ( اليرموك غير معترف به من قبل الأونروا ويشهد التجمع الأكبر للاجئين فيه أكثر من 144 ألف لاجئ, سبينة, الست زينب, خان الشيح, خان دنون, جرمانا).
مخيمي حلب (النيرب , عين التل أو حندرات غير معترف فيه)
مخيم العائدين في حمص.
مخيم العائدين بدرعا ومخيم درعا الطوارئ (القديم والجديد), علماً أنها متلاصقين.
مخيم العائدين في اللاذقية (مخيم الرمل) / غير معترف فيه.
مخيم العائدين في حماه.
أما بالنسبة للتجمعات فكما المخيمات تتركز في دمشق وريفها (الحسينية, الرمدان, دمر,دوما, جوبر, برزة والقابون, ركن الدين, جديدة عرطوز ودروشا, حوش بلاس/المزة, الحجر الأسود). تجمعات درعا (المزيريب, جلين, المعلقة), وكذلك تجمع طريق الشام في حمص.
بلال عبد الحفيظ السلايمة الذي أجرى هذا المسح الجغرافي القيم (1) رأى أن: (هذا الانتشار الجغرافي جعل اللاجئين الفلسطينيين يتأثرون بالأحداث التي تحصل في أي منطقة من سوريا. وترك أثره على اللاجئين الفلسطينيين خاصة الأجيال الجديدة منهم , فمع وجود الانتماء العام للكل الفلسطيني اللاجئ و الاستشعار بالمصير المشترك , إلا أن هذا لم يمنع من وجود شعور بالانتماء للمنطقة ويتفاوت هذا الانتماء من منطقة لأخرى حيث يبدو جليا أكثر من غيره عند اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات والتجمعات حيث يضعف تأثير العمل الفصائلي والوطني . ومع مرور الزمن و نتيجة العلاقات التي تتنوع بين عائلية نتيجة التصاهر أو علاقات العمل والدراسة جعلت بعض اللاجئين يشعرون بالانتماء للمصير السوري بقدر انتمائهم للمصير الفلسطيني , وهذا ما أثر على مدى تفاعل اللاجئين مع القضايا السورية). (2)
الشهيد الفلسطيني الأول!
أول شهيد فلسطيني سقط في الثورة السورية هو (وسام أمين الغول) ابن مخيم درعا لللاجئين، وقد قتل برصاص قوات النظام يوم 23/3/2011، حين كان ينقل اثنين من الجرحى السوريين المشاركين في الاحتجاجات، التي اندلعت شرارتها في درعا، لم يستطع وسام أن يقف ليتفرج فدفع ثمن إحساسه المشترك تجاه الحرية التي يطلبها السوريون.
لكن بعد ذلك بدا ولشهور طويلة، أن مشاركة الفلسطينيين في الثورة السورية، كانت خافتة، وذهب البعض إلى الاعتقاد أنها أقرب إلى النظام، وأن ثمة من يحاول أن يحيد الفلسطينيين أو يرسم حدوداً بينهم وبين هذه الثورة.. لكن ثمة حالة من الامتداد التدريجي كانت تحفر لنفسها ببطئ وفي ذلك يكتب الفلسطيني حمزة أبو شنب عن هذه المسألة فيقول:
(التأثُّر من الأحداث السورية جاء بشكل تدرجي على الرغم من أن الفلسطينيين منذ اليوم الأول للأوضاع في درعا كان لهم عدد من الشهداء والمعتقلين من مخيم درعا من الذين كانوا يقدمون الإسعافات والعون الاجتماعي للسوريين، ولكن ظل هذا التأثر محصوراً حيث أن نسبة الفلسطينيين في درعا تصل إلى 5.5 % من العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين في سوريا، إلا أنه مع توسُّع رقعة الاحتجاجات كان يتوسع التأثير كما حصل في حمص واللاذقية، ورغم ذلك لم يكن لها الأثر الكبير على باقي اللاجئين فالعدد هناك لا يتجاوز 6 % من العدد الكلي ومع ذلك بقي الفلسطيني يعاني كما يعاني السوري . التحوُّل الكبير كان في انتقال موجة الاحتجاجات والاشتباكات إلى العاصمة السورية دمشق وريفها والتي تمثل الجزء الأكبر من تواجد اللاجئين الفلسطينيين، مما كان له تأثير كبير حيث سقط عدد كبير من الشهداء بسبب الاحتكاك المباشر بين المخيمات والتجمعات الفلسطينية والأحياء السورية التي شهدت نزوحاً كبيراً من قبل ساكنيها على المناطق الفلسطينية ، ونتيجة العلاقة بين السوريين والفلسطينيين في سوريا كان الاحتضان والاستيعاب هو الحال الأسمى). (3)
مخيم اليرموك نموذجاً!
لا ينسى تاريخ الثورة مساهمة مخيم الرمل الجنوبي في بداية الثورة... لكن تبقى قصة مخيم اليرموك بدمشق ودوره في المساهمة في الثورة، واحدة من أبزر المحطات التي توقفت فيها الثورة السورية لتشكل نسيجها وأفقها السوري- الفلسطيني الحار. وربما كان الكاتب الفلسطيني ماجد الكيالي أفضل من روى قصة المخيم مع الثورة السورية موضحاً الأبعاد الجغرافية والديموغرافية لعلاقة المخيم بالمحيط الدمشقي، يقول:
(يقع <المخيم> في قلب عديد من أكبر الأحياء الشعبية السورية، وأكثرها اكتظاظاً بالسكان، إذ أنه يقع بين أحياء التضامن والتقدم والحجر الأسود، وهو مدخل يلدا وببيلا، وقريب من دف الشوك. في هذه المناطق ثمة أكثر من مليون ونصف مليون من السوريين، أي أن فلسطينيي مخيم اليرموك باتوا يشكّلون ما نسبته 20 في المئة من سكان هذه المنطقة. عدا عن ذلك ينبغي أن نعرف أن توسّع الفلسطينيين في مخيم اليرموك كان في جواره، فثمة فلسطينيون كثر يعيشون في الأحياء المجاورة، الحجر الأسود والتضامن والتقدم. فوق ذلك، فهذه مناطق عشوائية، ولكن ليست كأي مناطق عشوائية أخرى، فالعشوائيات هنا كناية عن بنايات كبيرة ترتفع الى خمسة أو ستة طوابق، وفي كل طابق ثلاث شقق، ولا يوجد فواصل بين البنايات، فقط ثمة أزقة بعرض أربعة إلى ستة أمتار، وهي مناطق غير مخدّمة، ولا تلقى أي اهتمام، وهي نمت في شكل سرطاني، بحكم فساد النظام، الذي يشجّع التجار والمقاولين، وحاجة السوريين الى بيت رخيص يؤويهم، في ظل التدني المعروف في مستوى المعيشة. هذه هي البيئة الاجتماعية المحيطة، التي تعايش معها فلسطينيو اليرموك في العقود الماضية، وهي بيئة فقيرة ومحرومة ومقصيّة، وتالياً لذلك فمن البديهي أن تكون بيئة محبطة ومقهورة وغاضبة، وتشكّل تربة خصبة لأي تمرد، لأي ثورة وعلى أي نظام، ومن هنا يأتي مقاتلو «الجيش الحر»، أما من يدعي أنهم يأتون من أفغانستان والشيشان فلا يعرف شيئاً، وهم مجرد غطاء على جرائم النظام. وهذا يعني أن النظام هو المسؤول عن خلق هذا الواقع، الذي نمّاه، ونمى تحت بصره، وبرعايته، في ظل نظام لم يعرف شيئاً عن النزاهة والتخطيط والكفاءة والتبصر في ادارة البلد، أو في تعيين المسؤولين، وهذا الواقع ذاته يحيط بدمشق من الأطراف الأخرى، ففي دمشق مدن عدة، وليس مدينة واحدة. القصد هنا تبيّن صعوبة الفصل بين الفلسطينيين والسوريين في هذه البيئة، المندمجين في بيئة واحدة، يجمعهم تاريخ ومشاعر وآلام وآمال مشتركة. أيضاً، من المفيد ملاحظة أن هذا المخيم فيه ثلاثة شوارع رئيسة فقط تقطعه من الشمال إلى الجنوب، هي فلسطين واليرموك والثلاثين (أحدثها)، وهذه هي الممر إلى أحياء التضامن والتقدم والحجر الاسود وببيلا ويلدا، حيث يقطن أكثر من مليون إنسان. مع ذلك فمنذ بداية الثورة السورية (آذار/مارس 2011)، التي وجدت تربة خصبة لها في مناطق الحجر الأسود والتضامن ويلدا وببيلا، لم يلحظ أية محاولة من جهة الحراك الشعبي السوري للاحتكاك بالمخيم، ولا أية محاولة لنقل فعالياتهم الشعبية والسلمية إليه، علماً ان المسافة لا تزيد على مئة متر، إدراكاً منهم ربما لحساسية وضع الفلسطينيين.
في المقابل، فإن الفلسطينيين في المخيمات السورية، وضمنهم في مخيم اليرموك، التزموا نهج تجنيب مخيماتهم أي مداخلات تتعلق بالشأن السوري، تحسّباً لأية مخاطر قد تنتج من ذلك، وإدراكاً منهم لتعقيدات مكانتهم كلاجئين، وبالنظر الى خبراتهم من التجارب السابقة في البلدان الأخرى، وهو نهج شددت عليه أيضا قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والكيانات المنضوية في إطارها، باعتباره الخط الأسلم في هذا الوضع. المشكلة أن هذه الحال لم ترض النظام ولا حلفاءه من القوى الفلسطينية التابعة له، واللافت أن الطرف الذي لعب دور الموتّر في هذه الأجواء، ليس منظمة «الصاعقة» التابعة لحزب البعث وإنما «الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة» بقيادة أحمد جبريل، التي طالما انتهجت الخروج عن الخط الرسمي للوطنية الفلسطينية، لمصلحة التبعية للسياسات السورية. هكذا، بات مخيم اليرموك يشهد نمو ظاهرة «الشبيحة» وتغوّل أجهزة المخابرات، وبعض الحوادث المريبة (قتل وخطف) وإثارة اشاعات، للإيقاع بين المخيم وجواره السوري، وهو أمر تم تداركه بفضل وعي السوريين والفلسطينيين. مع ذلك فقد بات المخيم، بالنسبة الى النظام وأعوانه، بمثابة قاعدة للهجوم على أحياء الحجر الأسود والتضامن والتقدم ويلدا وببيلا والتضييق على الحراك الشعبي، الذي كان ما زال سلمياً). (4)
من ورط مخيم اليرموك عسكرياً؟!
لم تكن السلمية هي نهاية مشاركة الفلسطينيين في الثورة، بل ربما كانت فصولها الأكثر تكلفة وشجاعة في الوقت نفسه، ستظهر بعد تحول الثورة إلى الخيار المسلح أمام تغول ووحشية النظام وصمت وتواطؤ العالم... هنا صار المخيم قاعدة للنظام وحلفائه من شبيحة أحمد جبريل لمهاجمة الأحياء الثائرة المجاورة، وبالتالي لم يكن دخول المخيم بالنسبة للجيش الحر (ترفاً) أو (خياراً استعراضياً) بل ضرورة، ويمكن القول أن النظام وليس الثوار هو من ورط مخيم اليرموك في الصراع المسلح. يقول ماجد كيالي:
(باتت دبابات النظام ومصفحاته وآلياته تمر من شوارع المخيم لمهاجمة المناطق المجاورة، وبات شارع فلسطين بمثابة قاعدة عسكرية للنظام لمهاجمة حي التضامن وببيلا ويلدا، وكذا الأمر بالنسبة الى شارع الثلاثين، الذي بات مدخلاً للهجوم على الحجر الأسود. أما جبريل فقد حول «الشبيحة» إلى شيء منظّم اسمه «اللجان الشعبية»، التي فرضها كأمر واقع على رغم رفض كل الكيانات السياسية الفلسطينية الموجودة في سورية لها، وعلى الضد من الموقف الفلسطيني الرسمي القاضي بتجنيب المخيمات الصراع المسلح. في غضون ذلك، بات مخيم اليرموك بمثابة منطقة حاضنة لأهالي المناطق المنكوبة من السوريين، الذين قصفت ودمرت بيوتهم بوحشية منقطعة النظير في الحجر الأسود والتضامن ويلدا والتقدم، حيث تم تقديم العون والرعاية والسكن والطمأنينة لهؤلاء، وهو أقل شيء يمكن القيام به للتعبير عن الوفاء لهذا الشعب الذي احتضن اللاجئين الفلسطينيين أكثر من ستة عقود، وتأكيد أن الضحايا يتعاطفون مع الضحايا. والحال فإن هذا الوضع لم يعجب النظام، لا سيما بعد فشل خطة جبريل في أخذ الفلسطينيين ضد ثورة السوريين، لذلك حدثت النقلة المتعلقة بمعاقبة المخيم بشكل جماعي كأي منطقة سورية، فمن يقتل السوريين ويدمر عمرانهم، لن يهتم كثيراً بمعاقبة الفلسطينيين. هكذا، فقد حصل هذا التطوّر تحديداً بدءا من يوم الجمعة 13/7/2012، ففي هذا اليوم تم تنظيم تظاهرة فلسطينية في مخيم اليرموك تعبيراً عن التضامن الأخوي والسلمي مع ضحايا مجزرة التريمسة (قرب حماة) التي ارتكبتها قوات النظام والشبيحة في اليوم السابق (الخميس)، وكان راح ضحيتها حوالى 250 من السوريين الأبرياء. المهم ان هذه التظاهرة السلمية تعرضت لإطلاق النار من قوات الأمن السوري، جرياً على العادة في هذه الاحوال، ما أدى الى مصرع 8 من الفلسطينيين، أحدهم (أحمد السهلي ـ أبو رامز) أعدم بين أولاده وفي منزله، المجاور لمكان التظاهرة، من دون أي سبب. هذا هو الحدث المؤسّس، لأنه بعد ذلك باتت قوات النظام تستهدف المخيم بالقصف الصاروخي، ولا سيما على أحياء الجاعونة والمغاربة، علماً أنها بعيدة من أماكن وجود «الجيش الحر» في الحجر الأسود والتضامن. وبعد ذلك تغوّلت اللجان التابعة لجبريل في المخيم، وباتت تقيم حواجز وتعتقل نشطاء سوريين وتسلمهم لأجهزة الامن، وتساند قوات النظام في الهجوم على الأحياء المجاورة، ما أدى إلى إقحام المخيم في الصراع المسلح، ما نجم عنه دخول «الجيش الحر» إليه). (5)
الحقوق في زمن الديمقراطية
حين تفاقمت الأوضاع في مخيم اليرموك نزح آلاف الفلسطينين إلى لبنان، كان على المخيمات الفلسطينية في لبنان، المحاصرة والمكتظة، والمسكونة بروح العداء والاستعلاء العنصري من جل المحيط اللبناني، أن تستوعب ما يفوق طاقة الاستيعاب الأساسية الأولى لديها... وكان على العابرين أن يسمعوا كلاماً نابياً من عناصر الأمن العام اللبناني في المراكز الحدودية.... وتناقلت وسائل الإعلام خبر انتحار لاجئ فلسطيني من سورية في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان في منتصف كانون الثاني يناير (2013) بعد أن ضاقت به الحال في إيجاد فرصة عمل... قبل أن يقرر الكثر منهم العودة إلى دفء الاحتضان الشعبي السوري المكلوم، لتقاسم الجراح. وليس هذا غريباً فامتيازات الفلسطيني في سورية حق أصيل... لم يكن يوماً مكرمة أو منة من الأسد الأب أو الابن، فحين فتح السوريون أبوابهم وبيوتهم لأخوتهم الفلسطينيين من لاجئي عام 1948 لم يكن هناك أي وجود لهذه الطغمة الحاكمة التي تاجرت بالقضية الفلسطينيةأو لحزب البعث الناشئ حينها... ولا بد أن نذكر هنا أن من أسس لحقوق المساواة مع السوري، هي ديمقراطية الخمسينيات، وزمن الحرية لا الاستبداد... ففي زمن الحرية سنّ الرئيس السوري شكري القوَتلي قانون (260 ) لعام 1956 وبإجماع من البرلمان السوري، حيث أصبح الفلسطيني يتمتع بحق المساواة مع المواطن السوري في التعليم والعمل... ولهذا يرد الفلسطينيون اليوم الجميل لديمقراطية الخمسينيات، يطلبونها لهم ولأخوتهم السوريين... وفي سبيل ذلك قدموا للثورة السورية حتى نهاية العام 2012 أكثر من (700) شهيداً.. لمواجهة: عدو واحد لشعبين!
المراجع:
(1) بلال عبد الحفيظ سلايمة: (اللاجئون الفلطسينيون في سوريا والثورة السورية) - أكاديمية دراسات اللاجئين- لندن 2011
(2) المصدر السابق
(3) حمزة أبو شنب: (اللاجئون الفلسطينيون والثورة السورية)- السياسي: 1/10/ 2012
(4) ماجد كيالي: قصة المخيم مع الثورة السورية- جريدة (الحياة) اللندنية 25/12/ 2012
(5) المصدر السابق.
التعليقات (16)