"الصراع يتنامى".. كيف تسعى روسيا إلى تقويض نفوذ إيران في دير الزور؟

"الصراع يتنامى".. كيف تسعى روسيا إلى تقويض نفوذ إيران في دير الزور؟
لمنع الخصمين من توسيع نفوذهما في شرق سوريا، يحتاج التحالف إلى استغلال الانقسام المشتعل، وتمكين شركائه على الأرض، وإقامة علاقات أقوى مع نخبة من القادة القبليين وقادة المجتمع المدني.

وبحسب تقرير نشره "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" فإنه في الآونة الأخيرة وخلال الأشهر الماضية، اتخذت الميليشيات الإيرانية والقوات الروسية في شرق سوريا خطوات توضح تنافسها مع بعضها البعض أكثر من أي رغبة في مواجهة القوات التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة. 

تشكلت منطقتا نفوذ على الجانب الغربي من نهر الفرات: الجزء الشمالي من محافظة دير الزور تديره عناصر من ميليشيا أسد - الفرقة الرابعة والفيلق الخامس الذي تسيطر عليه روسيا - بينما تهيمن بشكل متزايد القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية التابعة لها على المناطق الجنوبية من الميادين والبوكمال. 

إذا سحبت الولايات المتحدة المزيد من القوات من شرق سوريا، فإن هذا التنافس الإيراني الروسي قد ينتقل إلى مواجهات مسلحة وسباق لاحتكار "غنائم الحرب" عبر النهر - على الرغم من أنه من غير المرجح أن يؤثر ذلك على مصلحتهما المشتركة في الحفاظ على بقاء نظام أسد.

السباق على دير الزور

في شهر آب/ أغسطس عام 2017، شقت عدة جهات فاعلة طريقها في وقت واحد نحو محافظة دير الزور من أجل القضاء على "داعش" ولزيادة مناطق سيطرتهم. خاض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة معركته شرق نهر الفرات، بينما تقدمت روسيا وإيران ونظام أسد من الغرب.

مع تقدم هذه الحملة، بدأ نظام أسد بإعادة بسط سلطته على إدارة الشؤون الإدارية في دير الزور من خلال مديرية المخابرات الجوية والشرطة العسكرية وميليشيا الدفاع الوطني وميليشيا لواء القدس. ومع ذلك، كانت جهودها لفرض السيطرة على الأرض محدودة - وبدلاً من ذلك، سُمح لميليشيا الدفاع الوطني بالانتشار في المنطقة، وارتكبت جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان أثناء نهب ممتلكات المدنيين والاستيلاء عليها.

عندما خسر تنظيم داعش آخر معاقل سيطرته في آذار/ مارس 2019، كانت سيطرة نظام أسد في المنطقة ضعيفة، لا سيما مع استمرار تركيز ميليشيا أسد على جبهة إدلب. ونتيجة لذلك، برز فضاء للمنافسة الإيرانية الروسية على الموارد والأراضي في الشرق.

في بداية هذا الصيف، بدا أن لطهران اليد العليا في هذه المنافسة، بسبب مناورات مختلفة من قبل النظام والقوات الروسية. إذ سحب نظام أسد في تموز الماضي الفرقة الرابعة من مقرها في الميادين ونقلت الفيلق الخامس بالكامل من محافظة دير الزور إلى محافظة الرقة. يبدو أن ميليشيا أسد تعتزم مغادرة معظم أنحاء دير الزور في الأشهر المقبلة والتركيز على البلدات الرئيسية. 

وعلى الرغم من أن أسد لا يريد أن يفقد نفوذه في المحافظة، لكن يبدو أنه يؤجل هدفه النهائي المتمثل في العودة بكامل قوته بسبب الحقائق على الأرض المتمثلة في الحاجة إلى إبقاء وحداته العسكرية الرئيسية مركزة على المعركة النهائية للسيطرة على إدلب، وحقيقة أن قواته الهشة في الشرق منقسمة في ولاءاتها نظراً لكونها مدعومة مالياً من قبل كل من روسيا وإيران. 

تنامي الهيمنة الإيرانية

تعتبر دير الزور منطقة ميدانية رئيسية لإيران، إذ سعت طهران من خلال الحرس الثوري لترسيخ نفسها في المنطقة وتجنيد الشباب المحليين إلى جانبها من خلال توفير الإغراءات المادية والمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الخدمات الطبية والتعليمية والثقافية، وحاولت على وجه الخصوص جذب الشيعة الذين يعيشون في المنطقة ذات الأغلبية السنية، إذ جندت الآلاف من السكان المحليين في الميليشيات بهذه الطريقة، وتستمر أنشطة الدعوة الإيرانية في المحافظة في التوسع. لجذب دعم النخبة وكسب المزيد من القلوب والعقول بين الشباب المحليين، تدعم طهران مالياً كبار الشخصيات والقادة من قبيلة البقارة وميليشيا "الجيش القبلي". في المقابل، غالبًا ما تقدم هذه الشخصيات دعمًا استخباريًا وأمنيًا يسهل تحركات الميليشيات الإيرانية ووكلائها.

ينبع اهتمام إيران العميق بهذه المنطقة من رغبتها في ربط الأنشطة والشبكات الممتدة من العراق إلى مدينة البوكمال الحدودية السورية وغرباً إلى لبنان.

للمساعدة في تمويل عملياتها في سوريا، تهرب إيران الأسلحة والمخدرات والتبغ على جانبي الحدود العراقية، إن وجودها في سوريا قوي حتى في المناطق التي تتمركز فيها القوات الأمريكية - على سبيل المثال، فإن أكبر مجموعة من الأفراد والميليشيات الإيرانية في دير الزور على خط اتصال مباشر مع القوات الأمريكية التي تسيطر على حقل نفط كونوكو القريب. وإجمالاً، يتمركز ما يقرب من ألف مقاتل إيراني في دير الزور بالإضافة إلى بضع مئات من مقاتلي الميليشيات الأجنبية الأخرى من العراق وأفغانستان. 

سعت إيران أيضاً إلى كسب زعماء القبائل وقادة المجتمع المحلي في المناطق الواقعة على الجانب الشرقي من النهر التي تسيطر عليها قسد المدعومة من الولايات المتحدة. 

وتسارعت هذه الجهود بعد اغتيال وجهاء العشائر، لا سيما بعد مقتل الشيخ مطشر الحافل ومرافقه من عشيرة العقيدات في مطلع آب/ أغسطس، مما أثار مظاهرات ضد قسد.

توازن المصالح الروسي 

في أعقاب الانهيار الإقليمي لداعش، سارعت روسيا للسيطرة على أجزاء من دير الزور غرب نهر الفرات، بما في ذلك عدة قرى ينشط فيها الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية. كانت أولويتها الرئيسية هي تأمين المواقع الاستراتيجية مثل المطار العسكري، الذي يكمل وجودها في المطارات والقواعد الجوية في أجزاء أخرى من سوريا (مثل أبو الظهور وحميميم والقامشلي).

لم تقاوم روسيا بشكل كامل تنامي القوة الإيرانية في دير الزور، ربما لتأجيل الصراعات الداخلية في محورها مع دمشق وطهران. ومع ذلك، هناك علامات على مواجهة محتملة تلوح في الأفق. 

في مقابل خدماتها باعتبارها "المنقذ" لنظام أسد، تنتهج روسيا نهجاً طويل الأمد لتوسيع نفوذها في سوريا، وغالبًا ما تصوّر وجود إيران وأنشطتها على أنها تدخل ضمن هذه الحملة، ففي أبريل/ نيسان، أجرت روسيا دورية في الميادين، على ما يبدو للإشارة إلى الميليشيات الإيرانية بأنها تسعى للسيطرة على الموارد النفطية جنوب البلدة مثل حقل الورد. كما تهدف موسكو أيضًا إلى احتواء نفوذ طهران في الجنوب في البوكمال، حيث يتواجد مقاتلون بالوكالة من لواء فاطميون وكتائب حزب الله.

يمكن أن تتحول هذه التوترات إلى نزاع نشط في المستقبل - وربما حدث هذا بالفعل. وبحسب نشطاء محليين وزعماء عشائر، اتهمت إيران روسيا بقصف مقرها العسكري ومواقعها في البوكمال. في غضون ذلك، تعرضت المواقع الروسية والإيرانية في دير الزور لعدة هجمات لم يعلن عنها أحد، مما خلق حالة من عدم الثقة بين الجانبين. 

بدأت شكوك موسكو بالظهور منذ عام 2017، عندما تم استهداف جنرالات بارزين مدعومين من روسيا في نظام أسد مثال (عصام زهر الدين وسهيل الحسن الملقب بـ "النمر").

ومما زاد من تفاقم هذه التوترات حملة إسرائيل المستمرة من الضربات العسكرية ضد أهداف إيرانية ولبنانية تابعة لحزب الله في سوريا. لا تزال إيران تتمتع بالحرية نسبياً في دير الزور، ولم تتضاءل طموحاتها هناك، لكن الضربات العديدة على قواتها ووكلائها أجبرتها على تغيير مواقعها في بعض الأحيان وتحمل تكاليف عسكرية كبيرة. 

تمتلك روسيا القدرة على منع هذه الضربات الإسرائيلية إذا رغبت في ذلك ولكنها غضت الطرف عنها بدلاً من ذلك، ربما من أجل إضعاف نفوذ إيران. مهما كانت النوايا الروسية، فإن تقاعس موسكو عن هذه الجبهة زاد من التوترات مع طهران.

استفزاز محتمل آخر هو محاولة روسيا الأخيرة لجذب المقاتلين السوريين من الصفوف الإيرانية من خلال الإغراءات المالية. لا تستطيع طهران دفع رواتب مغرية لأعضاء هذه الميليشيات بسبب العقوبات الأمريكية – إذ أن أعلى راتب محلي هو حوالي 80 ألف ليرة سورية شهرياً، أي أقل من 50 دولار أمريكي (هذا الرقم يعتمد على المحادثات مع السكان المحليين). 

 الآثار المترتبة على هذه السياسات

يمكن القول إن التحالف الأمريكي شرق نهر الفرات يتجاهل التطورات المهمة التي يقودها خصوم أمريكا على الجانب الآخر من النهر. وهذا خطأ لأن كلاً من روسيا وإيران يسعيان إلى تنمية علاقات أكبر مع السكان المحليين وتوسيع وجودهما شرقاً.

لمنع هذه النتيجة، يجب على الولايات المتحدة استغلال الخلاف المتأجج بين طهران وموسكو. ويشمل ذلك مساعدة حلفائها القبليين على منع التسلل الإيراني شرق الفرات من خلال فرض تدابير أمنية صارمة. يجب على مسؤولي التحالف وشركائهم على الأرض أن يقتربوا أكثر من زعماء المجتمع والقبائل الذين ليس لديهم ولاءات طائفية أو سياسية لإيران. بدون هذه الإجراءات، سيسمح أي انسحاب أمريكي لروسيا وإيران بتوسيع وجودهما بسرعة في الشرق - وفي هذه الحالة سيخلق المزيد من الفرص لداعش لتجنيد كوادر جديدة وإعادة بناء نفسها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات