وتتقاطع التقارير والصور التي يتم تسريبها من داخل معتقلات سجون أسد، والمعلومات التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية للمقابر الجماعية، مع شهادات السجناء السابقين الذين يروون قصصاً مروعة عما عايشوه في هذه الأماكن التي وصفتها منظمات حقوقية بـ"المسالخ البشرية"، لترسم الصورة كاملة عما جرى ويجري هناك.
أعداد مخيفة
يقول (أحمد.م) وهو أحد المعتقلين السابقين في الفرع 235 أو ما يعرف باسم (فرع فلسطين/ الفرع الأسود): "كنا 71 شخصاً داخل غرفة لا تتسع لخمسين شخصاً في أحسن الأحوال، كان كل شيء نقوم به هناك بالتناوب كـالنوم والوقوف والجلوس وحتى الكلام، كان كل شخصين يتحدثان بصوت خافت لمدة بسيطة قبل أن يصمتا ليتحدث غيرهم، حيث إن أي صوت يصدر عنا ويسمعه الوحوش في الخارج، كفيل بأن يتسبب لنا بمسلسل تعذيب قد يدوم لساعات طويلة".
ويعود الشاب في حديثه لأورينت نت بذاكرته إلى ذلك المكان حيث أزهقت أرواح الآلاف من السوريين تحت يد سجاني نظام أسد ، وذلك خلال مدة اعتقاله والتي تراوحت بين العامين 2012 - 2018 في ذلك المكان المشؤوم قائلاً: "المفارقة هنا هو أن زنزانتي التي كانت تحمل الرقم 8 كانت تضم بغالبيتها معتقلين من محافظة درعا أولى المحافظات الثائرة في سوريا، كانوا من مختلف الأعمار كباراً وصغاراً مسنين وشبانا، حتى إن أحد المعتقلين كان في سن الـ 55 عاماً على ما أذكر. كان الشبان يتحدثون فيما بينهم عن مدى التعذيب والإرهاب الذي يمارس عليهم (هم بشكل خاص لأنهم من درعا)، إلا أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، فخلال 4 أشهر فقط، شهدت وفاة نحو 9 أشخاص جميعهم ينحدرون من درعا من بينهم 5 من زنازنتنا (المهجع)، كانوا يأخذون أحدهم للتعذيب ثم يعيدونه وهو بالكاد يتنفس أو أنه مصاب بضربات قاتلة في الرأس أو الصدر، وكان السجانون عندما نخبرهم بوفاة أحدهم يفتحون باب المهجع وينهالون علينا بالضرب بواسطة (مواسير مطاطية) وهم يشتمون أعراضنا وأعراض المتوفين أيضاً".
وكان شبان درعا وفقاً لأحمد يتحدثون عن أعداد من قتلهم نظام أسد في الزنازين الأخرى من نفس الفرع: كانت صدمة معرفتي بأن الآلاف من أبناء المحافظة قتلوا بالتصفية بعد اعتقالهم مباشرة رمياً بالرصاص على الحواجز أو في باحات الأفرع الأمنية، وأن نظام أسد يواصل قتله لشبان درعا، بسبب النقمة التي يحملها عليهم لاعتبارهم (شرارة لكل ما يجري).
سخرة دفن
وتتم عمليات التخلص من المعتقلين الذين يستشهدون تحت التعذيب -وفقاً للشاب - فهي في الغالب تنتهي في مقابر جماعية في منطقة (نجها)، وهي منطقة على أطراف دمشق، تستخدم كـ (مكب نفايات)، يقول: "كان يتم نقل الشهداء إلى هناك ومن ثم دفنهم في مقابر جماعية، وهذه حقيقة شهدتها بنفسي رغم الحديث عنها لزمن، فحتى العام 2017 كان زبانية أسد يقومون بعمليات الدفن أو (الحرق في محرقة الجثث)، إلا أنه وبعد العام 2017، بدأ إخراج بعضنا إلى منطقة قريبة من الفرع من أجل العمل كسخرة في الدفن، تحت حراسة أمنية مشددة وكنا نتعرض للضرب المبرح خلال العمل، بل ويأخذ بعض العناصر هناك الأمر من ناحية السخرية، حيث أمسك أحدهم مرة برأسي وقال لي: انت اليوم قبرتو وبكرا رح يجي مين يقبرك. لقد كان كلامه قاتلاً ومخيفاً جداً".
ويتابع: "كانت مهمتنا هي تحميل الشهداء إلى السيارات التي هي في الغالب (شاحنات) وإنزالهم منها عند الوصول ثم الانتظار لحين أن تنتهي الحفارة من الحفر، فنبدأ بإنزال الجثث إلى الحفرة ومن ثم يصبون التراب عليها". يضيف "في إحدى المرات كنا نقوم بنفس العملية، وخلال حملي لأحدهم كان هناك صوت نفس ضعيف يخرج من تحت القماشة، ولكن ما باليد حيلة وضعته على حافة الحفرة أملاً أن أجد مخرجاً، فصرخ بي أحد السجانين: نزلو يا...، فتظاهرت بأنني أصبت بقدمي، فجاء إلي وبدأ لكمي على وجهي ومن ثم ركل الجثة وأنزلها الحفرة وتم صب التراب فوقها، نعم لقد كان يتنفس.. لقد كان حياً... لقد كان الشهيد الموؤود".
وعلى مدار السنوات السابقة، تناولت مصادر الإعلام العربية والعالمية، تقارير مختلفة تتحدث عن حجم الانتهاكات المرعبة في التعامل مع السجناء في أقبية نظام أسد، وهو ما كشفته تقارير أمريكية أيضاً عام 2017، عندما التقطت الأقمار الصناعية الأمريكية صوراً لمجسمات قرب فرعي (صيدنايا وفلسطين)، وقالت إنها تعود لـ "محارق بشرية" يتم زج المعتقلين داخلها بعد قتلهم.
التعليقات (9)