السوري الرخيص وكورونا المدلل

السوري الرخيص وكورونا المدلل
بدأ فيروس كورونا بالانتشار كوباء دون أي سيطرة في مدينة دمشق وريفها التي يحتلها بالإضافة للنظام الطائفي الأسدي وميليشياته، يحتلها خليط من ميليشيات الغرباء الطائفية المدعومة من ملالي إيران والقادمين من خارج سوريا جالبين معهم وباء كورونا.

بعد دمشق وريفها وصل الوباء إلى مدينة حلب لينتشر فيها دون قيود، وليبدأ بالتغلغل في باقي المناطق التي يسيطر عليها النظام الأسدي ليصل إلى مرحلة الوباء كما هو متوقع خلال فترة قصيرة وقد بدأت بوادر ذلك في اللاذقية، وليدخل المناطق المحررة عبر تهريب البشر إليها من مناطق سيطرة النظام الأسدي، لتصل الإصابات في عموم مناطق سيطرة النظام إلى عشرات الآلاف في ظل تكتم سخيف على الأرقام الحقيقية، ومن المتوقع أن تصل إلى مئات الآلاف خلال أسابيع فقط.

بدأ فيروس كورونا يحصد السوريين مؤيدين ومعارضين في مناطق سيطرة النظام بالمئات يومياً في كل منطقة انتشار بإصابة آلاف من الاشخاص الجدد به يومياً في هذه المناطق، وسط عجز كارثي عن تقديم أي مساعدة طبية تذكر تخفف عدد الوفيات عبر توفير أجهزة تنفس حيث لا يوجد علاج للفيروس، بينما ووسط غياب أي وعي شعبي نتيجة انهماك الناس بالبحث عن قوت يومهم مهما كان الثمن، وطبعاً بغياب أي دعم من قبل النظام يعين الناس في هذ الإطار الصحي والاقتصادي.

والسؤال الأول هنا: هل سبب هذا العجز مادي لا حيلة للنظام الأسدي به وبالتالي لا لوم عليه؟ ويتبعه السؤال الثاني: هل هناك من ضوء في نهاية النفق وكيف نقنع الناس به؟ وهما السؤالان اللذان سنحاول الإجابة عليهما في هذا المقال.

البداية بالرد بكل وضوح على ادعاءات النظام الأسدي لتبرير تقصيره بالتأكيد على أن العقوبات الأمريكية والأوروبية على هذا النظام وفي أي مرحلتي الأب والابن، قبل اشتعال الثورة السورية وبعدها، أن هذه العقوبات لم تشمل يوماً ولا تشمل اليوم ولا تقيد أية مساعدات إنسانية أو طبية ولا تقيد أي دولة أو منظمة دولية (بما فيها الأمم المتحدة) من تقديمها، كما لا تقيد أي عملية تجارية لأي مادة لا يتم استخدامها لغرض عسكري، ومن ناحية أخرى فإن ما سأعرضه من أرقام معروف على نطاق واسع وقد جمعته من مصادر ووسائل إعلام محترمة ومعروفة ذات وثوقية عالية.

قيمة ما سرقه حافظ أسد وعائلته خلال نصف قرن تقدر بـ 180 مليار دولار موجودة في الخارج على شكل عقارات واستثمارات وأموال نقدية في البنوك والمؤسسات المالية الروسية وأمثالها، والأوروبية وخاصة السويسرية، ولم يصرف منها النظام شيئاً في سوريا بما في ذلك في حربه التي مولها من الميزانية الرسمية والقروض من حلفائه وتعفيش ونهب السوريين.

قيمة ما سرقه أتباعه من أكبر رأس حتى أصغر لص قبل الثورة خلال نصف قرن وأثناء الثورة خلال تسع سنوات، عبر الابتزاز والرشاوي والفساد ثم التعفيش والابتزاز في كل ما وصلت له أيدهم من مراكز وظيفية ومدنية، تقدر بـ خمسين مليار دولار.

قيمة الديون المترتبة على النظام خلال تسع سنوات منذ انطلقت الثورة ربيع عام 2011 تقدر بـ 120 مليار دولار جلها لإيران وخصصت لتمويل حرب أسد على السوريين.

المعارضة لا تملك أدوات تدمير إلا بالكاد بضع مئات من قذائف الهاون محلية الصنع أطلقتها ولم تحدث أضراراً مادية تذكر، بينما مناطق سيطرتها هي التي دُمٍّرَتْ على يد النظام قصفاً، وقيمة الخسائر الاقتصادية التي لحقت بسوريا على يد نظام أسد في حربه من المنشآت السكنية والغير السكنية والبنية التحتية والنهب وتدمير المعامل والمؤسسات الحرفية والصناعية الصغيرة، بلغت تقريباً  350 مليار دولار.

اكتفينا بعرض الكلفة المادية المباشرة ولم نتكلم هنا عن الإنسان الذي هو المورد الأهم غير القابل للتعويض، وهي كلفة يمكن تقديرها مالياً لكن الرقم سيفوق الخيال عندها، فقد هجر نظام أسد 8 ثمانية ملايين سوري إلى خارج سوريا من بينهم نسبة عالية من الحرفيين وأصحاب الشهادات العلمية وصغار وكبار رجال الأعمال من تجار وصناعيين، كما هجر 5 ملايين داخل سوريا، وقتل مليون سوري ثلثهم على الأقل تحت التعذيب والباقي قصفاً ومجازر، كما بات نصف مليون سوري يحملون إعاقة دائمة، وهناك فقد سنوات تعليم لملايين الأطفال ناهيك عن نصف مليون طفل انقطعوا عن الدراسة نهائيا، وهي معطيات يمكن ترجمتها مادياً بالنزيف الحاد جداً في اليد العاملة البسيطة أو المهنية المختصة أو حاملي الشهادات الجامعية فما فوق في كل الاختصاصات مما أدى إلى شغور البلاد من حتى إمكانية إعادة إعمار حقيقية بغياب كل فئات اليد العاملة.

قيمة ما خصصه نظام أسد من الموارد العامة للبلاد لتمويل حربه على السوريين خلال نفس الفترة (تسع سنوات) تقدر بـ 40 مليار دولار جاءت من موارد البلاد المتناقصة والتي تمثل الموازنة الحقيقية الفعلية كاملة.

بالمقابل، بلغت قيمة ما صرفه نظام أسد خلال نفس الفترة (تسع سنوات) كرواتب موظفين ومشاريع خدمية وإعانات من ميزانية الدولة التي يمولها السوريين، بلغت حوالي 18 مليار دولار فقط، وهي بالمحصلة تكافئ الاحتياط النقدي الذي كان متوفراً في الخزينة السورية ربيع عام 2011 بعد ورغم النهب قبلها والذي استنزفه لصرف هذه النفقات في ظل تخصيص كل موارد الدولة لحربه.

كلفة التواجد الروسي في سوريا ومنذ خمس سنوات ( خريف 2015) تقدر وسطياً بـ 3 مليون دولار يومياً، يدفعها النظام الأسدي للروس أو تسجل على شكل قروض وبيع لموانئ ومرافق البلاد.

لكن، وبالمقابل ولتوفير الحد الأدنى من العناية لمرضى كورونا في الحالات الحرجة والمتوسطة بما يخفف كثيراً من الوفيات، فنحن بحاجة فقط لجهاز منفسة (جهاز تنفس) أو ملحقاتها بالكلفة التالية:

منفسة كاملة تؤمن التنفس الصناعي أي التنفس الإجباري للمرضى فاقدي القدرة على إتمام عملية التنفس ذاتياً لا إرادياً في الحالات الحرجة، قيمة المنفسة مع متمماتها 1200 دولار، يوجد منها فعلياً في دمشق مثلاً 11 في مشفى المواساة الحكومي، كما يوجد في عموم سوريا 350 جهاز منها مرتبطة بأسرة غرف عناية مركزة، يعمل من هذه الأسرة المجهزة بالكامل فقط 60 سريراً، وبالمقارنة فإن بلداً كإيطاليا تمتلك 14 ألف سرير مشابه مع المنفسة (كأحد ملحقاته) ومع ذلك رأينا ما حصل فيها، ومقابل 35 ألف سرير مع المنفسة تم توسيعها بعد  أزمة كورونا خلال شهرين إلى 70 ألف سرير في ألمانيا.

يمكن الاكتفاء بقسم من المنفسة متمثلاً بجهاز مولد أوكسجين قيمته 850 دولار يعمل بالكهرباء أو البطارية، فإن لم يتوفر فبالحد الأدنى يمكن الاكتفاء بأسطوانة أوكسجين ثمنها 80 دولار يمكن إعادة تعبئتها عادةً بمبلغ بسيط جداً.

وبالمقابل لنتعرف على بعض الكلف وكيف أنفقها النظام في حربه نورد الأرقام التالية:

قذيفة المدفع 100 دولار تعادل قيمة أسطوانة أوكسجين يطلق في كل يوم معركة مئات القذائف، قذيفة الدبابة 200 دولار تعادل قيمة 2 أسطوانة أوكسجين يطلق في كل يوم معركة مئات القذائف، الطلقة الروسية 0.20 دولار يطلق منها في يوم المعركة الواحد 20 مليون طلقة تعادل 320 منفسة،  دفقة صواريخ الكاتيوشا قيمتها 18 ألف دولار للدفقة والتي تتكرر 10 مرات لعشر منصات في كل يوم معركة أي أن الكلفة 1,8 مليون دولار في اليوم في كل معركة ما يعادل قيمة 1500 منفسة كاملة، أما بالنسبة لكلفة كل طلعة جوية وصاروخ طيارة وغيرها فالقيمة فالأرقام أكبر بكثير.

لكن النظام وخلال سنوات حربه على السوريين دمر مثلاً في دمشق وريفها كل معامل إعادة تعبئة أسطوانات الأوكسجين حيث كانت تقع في مناطق سيطرة المعارضة في أطراف دمشق وضواحيها وريفها كحي القابون مثلاً، ليبقى اليوم معمل واحد عامل في ريف دمشق موجود في منطقة النبك (90 كلم عن دمشق)، كذلك دمر النظام الأسدي بقصفه وحربه وأحياناً نهبه وتعفيشه، دمر معظم المعامل المشابهة في مدينة حلب ومحيطها ومناطقها الصناعية التي كانت تسيطر عليها المعارضة والتي حوت معظم هذه المعامل.

أما أسطوانة الأوكسجين ونتيجة الزيادة الهائلة في الطلب عليها نتيجة وباء كورونا ونتيجة قصف النظام جزءً كبيراً من مخزوناتها والتي كانت لدى تلك المعامل فقد بلغ ثمن الأسطوانة الواحدة منها قبيل كورونا 200 دولار لترتفع اليوم في دمشق إلى 500 دولار وهو ما يعجز عن توفيره الغالبية الساحقة من السوريين المفقرين.

لنأخذ بند "البراميل المتفجرة" كدليل صارخ على ما سبق، فكلفة البرميل المتفجر (معمل أيمن جابر باللاذقية وهو زعيم أحد ميليشيات النظام)، كلفته 100 دولار وهو مبلغ يعادل ثمن أسطوانة أوكسجين لحظة انطلاق الثورة السورية، مع العلم أن النظام الأسدي استخدم منها ما يقارب 100 ألف برميل متفجر بكلفة إجمالية 10 مليون دولار، ومع العلم أن كلفة طلعة الساعة الواحدة بالمروحيات لرمي 5 براميل منها تكافئ 3 ألاف دولار، أي أن كلفة الطلعة بمعدل 2 ساعة تكافئ 6 آلاف دولار، ليصبح إجمالي تكلفة الطلعات الإجمالية للمروحيات 120 مليون دولار، وليصبح إجمالي ما أنفقه النظام في فقرة البراميل المتفجرة 130 مليون دولار أنفقها ليقتل فيها ما يقارب 100 ألف مدني سوري وتدمير ألاف المنازل والمرافق المدنية والتي كانت هدف هذه القنابل العشوائية، بينما بالكاد أصابت المرافق والتجمعات العسكرية للمعارضة، أي أن الهدف منها لم يكن ولم يحقق ولم يخدم هدفاً عسكرياً يستفيد منه النظام الأسدي في معاركه.

وإذا علمنا أن ألمانيا ذات 90 مليون ساكن والتي استطاعت احتواء الوباء بتجربة مميزة تحوز على ما يقل قليلاً عن 70 ألف جهاز تنفس اصطناعي، نجد أنه وفي بند نفقات البراميل المتفجرة وحدها وبدون تحقيق أي هدف عسكري تقريباً، مكتفية بقتل ودمار هائل يرفع بشكل هائل كلفة إعادة الإعمار ناهيك عن استنزاف المورد الأهم أي البشر قتلاً وتهجيراً، نجد أنه وفي بند البراميل المتفجرة فقط والذي كان يمكن للنظام الأسدي الاستغناء عنه دون المساس بنتائج أعماله العسكرية و دون ان تتأثر حربه؛ نجد أن النظام الأسدي وفي مناطق سيطرته التي يسكنها أقل من 12 مليون شخص مع ذلك أنفق في هذا البند ما يعادل قيمة 110 ألف جهاز تنفس اصطناعي، أو 130 ألف جهاز مولد للأوكسجين مع أسطوانة الأوكسجين، وهو ما يكفي كل السوريين لمواجهة وباء كورونا ودون أن تتأثر حربه وأعماله العسكرية، لكن هذه المبالغ ذهبت عوضاً عن ذلك ليقتل بها النظام الأسدي سوريين بتشف وحقد ويهدم نصف سوريا بتصفيق وتأييد من سوريين موالين له يموتون اليوم لعدم صرف نفس المبلغ لحمايتهم من الموت بكورونا.

وهكذا وبعد كل ما سبق عرضه نعتقد أن الإجابة على السؤال الأول الذي طرحناه في بداية المقال باتت واضحة؛ سؤال: هل سبب هذا العجز عن توفير متطلبات الحد الأدنى البسيطة جداً للتقليل من وفيات كورونا، هل هذا العجز لا حيلة للنظام الأسدي به وبالتالي لا لوم عليه؟ لنرى أن الموارد والسرقات والديون تم تكريسها لقتل السوريين وكان بالإمكان وبتوفير بند واحد منها فقط أن يقدم النظام الأسدي الكثير لمن يحكمهم من مؤيدين ومعارضين في مناطق سيطرته، دون أن تتأثر حربه عسكرياً، وهي الحجة الكاذبة التي يسوقها ويصدقها مؤيدوه (إلى جانب كذبة العقوبات مع أنها لا تطال الأمور الإنسانية) لتبرير تقصيره وتخصيص كل الموارد لأعماله الحربية، وفي نفس الوقت لنرى حجم الجريمة والتقصير بحق السوريين تحت سلطة النظام مؤيدين ومعارضين، حيث كان يكفي بند واحد منها لتمكين كل هؤلاء من مواجهة وباء كورونا بل والحصول على مساعدات مالية تعينهم على التزام العزل المنزلي الطوعي حتى مرور موجة الوباء.

فقط بند البراميل المتفجرة الذي كان يمكن للنظام توفيره دون انعكاسات على قدرته العسكرية، فقط هذا البند يكفي من جهة لوصف ما فعله النظام في سوريا والمناطق المحررة بجريمة الإبادة الجماعية المنظمة والتهجير العرقي الطائفي المنظم، لكن هذا البند أي البراميل المتفجرة، كان من جهة أخرى يكفي أيضاً ليثبت لمؤيديه كم هم رخيصون عنده ليتركهم يواجهون كورونا دون دفاعات بسيطة لم يوفرها لهم بل خصصها لقتل سوريين آخرين وسط تصفيق هؤلاء المؤيدين، وكأنها العدالة تتركهم اليوم يذوقون الموت بفيروس كورونا عزلاً وقد ضيعوا فرصة حماية أنفسهم.

وباء كورونا وفق المعطيات الحالية سيصيب خلال الأشهر القليلة القادمة ملايين السوريين الخاضعين لسلطة النظام الأسدي الاستبدادية الطائفية وسط عجز وتخلٍ من قبل هذا النظام يمكن وصفه باللامبالاة والاحتقار لكل سوري مؤيداً كان أم معارضاً فوظيفته هي خدمة هذا النظام، وفي سوريا ستطبق عمليا تجربة مصطلح ما يسمى "مناعة القطيع" حيث يُترك الوباء ليصول ويجول بحرية تامة حاصداً الضعفاء في عملية انتقاء طبيعي كما الحيوانات في الغابة، مصطلح أحتقره واحتقر من يروج له كحل لأنه مصطلح لاإنساني مكانه الغابة لا عالم الإنسانية، لكنه الحل الذي اعتمده النظام الأسدي بوجه "المدلل كورونا" كون مصطلح "القطيع" يعبر بشكل فعلي عن نظرة هذا النظام لكل السوريين الرخيصين بنظره.

وهكذا وفي النهاية وللإجابة على السؤال الثاني: هل هناك من ضوء في نهاية النفق وكيف نقنع الناس به؟ أيضاً باتت الإجابة واضحة، بأن لا خلاص للسوريين داخل وخارج سوريا، مؤيدين للنظام الأسدي ومعارضين له، في مناطق سيطرته أو في المناطق المحررة من سوريا، لا خلاص من وباء كورونا وما سيتبعه من أوبئة صحية واقتصادية واجتماعية وبيئية إلا بالخلاص من النظام الأسدي الطائفي فهو الفيروس الأكبر الذي يتعامل مع صنوه فيروس كورونا بدلال منقطع النظير لم تشهده بلاد في العالم ليتركه يصول ويجول بحرية يحسدها عليه السوريين المقموعون من التنفس مجازاً على يد نظام الفيروس الأسدي الاستبدادي، والمقموعون من التنفس حقيقة على يد فيروس كورونا المدلل،  في نفس الوقت الذي ينظر فيه هذا النظام الأسدي لكل سوري مهما كان موقفه على أنه رخيص لا يستحق الحياة إلا لخدمته.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات