تحقيق جديد يكشف هوية مالك سفينة متفجرات بيروت الحقيقي وعلاقته بـ"حزب الله"

تحقيق جديد يكشف هوية مالك سفينة متفجرات بيروت الحقيقي وعلاقته بـ"حزب الله"
أجرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية بالتعاون مع "مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد - OCCRP" تحقيقاً استقصائياً خلص إلى وجود صلات بين مالك السفينة الناقلة لشحنة نترات الأمونيوم التي تسببت بانفجار مرفأ بيروت، وبنك يستخدمه "حزب الله".

وكانت شحنة نترات الأمونيوم عالي التركيز انفجرت  بعد سبع سنوات بمستوى تخصيب بالنيتروجين يقارب 35 بالمئة، المستخدم في صنع المتفجرات، ممّا أدّى لتدمير أجزاء من العاصمة اللبنانية بيروت، وأسفر عن مقتل حوالي 200 شخص وإصابة الآلاف.  

ومنذ ذلك الحين، اهتم العالم بالسفينة "روسوس" الناقلة للشحنة، حيث حاول المحققون تجميع تفاصيل حول رحلتها الأخيرة. وكيف انتهى بها المطاف في بيروت؟ ومن الذي طلب المواد الكيميائية المتفجرة؟

وكانت الرواية تشير إلى أن السفينة مملوكة لرجل روسي يدعى "إيغور غريتشوشكين"، وأن الشحنة كانت متجهة إلى شركة تصنيع متفجرات موزمبيقية تدعى "فابريكا دي إكسبلوسيفوس دي موزمبيق - Fábrica de Explosivos de Moçambique.

من هو مالك السفينة الحقيقي؟

غير أن تحقيق "دير شبيغل" و"مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد" أثار الشكوك بشأن تلك الروايات، وتوصل إلى أن المالك الحقيقي لسفينة "روسوس" لم يكن الروسي "غريشوشكين"؛ وإنما رجل الأعمال القبرصي "شرالامبوس مانولي"، الذي وجد التحقيق أنه على صلة بالبنك الذي يستخدمه حزب الله في لبنان.

ووفقاً للتحقيق فإن "كمية كبيرة من نترات الأمونيوم المخزنة في ميناء بيروت قد اختفت قبل الانفجار"، حيث طرح التحقيق تساؤلات: عمّا إذا كان طاقم "روسوس" ينوون الوصول بالسفينة حقاً إلى موزمبيق؟ أم أنّ الشحنة المتفجرة كانت بالفعل موجهة إلى "حزب الله"، الذي وصفه التقرير بـ"الميليشيا" التي تعمل في لبنان كدولة داخل دولة وتشارك في الحروب من سوريا إلى العراق؟

جهود إخفاء الملكية

وبحسب التحقيق، فقد بذل رجل الأعمال القبرصي "مانولي" قصارى جهده لإخفاء ملكيته للسفينة "روسوس". إذ رتبت إحدى شركاته لتسجيل السفينة في مولدوفا. وصدقت شركة "ماري تايم ليويد - Maritime Lloyd" في جورجيا، على صلاحية سفينة الشحن المتهالكة للإبحار، ثم استأجر المواطن الروسي "غريشوشكين" السفينة من خلال شركته تيتو للملاحة Teto Shipping، المسجلة في جزر مارشال.

وعندما استجوب فريق التحقيق الاستقصائي "مانولي"، ادعى في البداية أن السفينة قد بيعت إلى غريشوشكين، لكنه ما لبث أن اعترف بأن الروسي حاول فقط شراء السفينة، ثم رفض تقديم أي معلومات أخرى.

مراوغة

تقول "دير شبيغل": في الواقع، أعطى غريشوشكين الأوامر لطاقم السفينة روسوس بأن تتوقف السفينة وقفة غير مجدولة في بيروت خلال طريقها من جورجيا إلى موزمبيق. ويبدو أن السبب الرسمي مشكوكاً فيه، إذ ادعى غريشوشكين أنه ليس لديه المال الكافي لدفع رسوم عبور روسوس عبر قناة السويس. لذا كان عليه أن ينقل على متن السفينة شحنة إضافية من بيروت إلى الأردن. وبحسب تقرير صادر عن وزارة النقل اللبنانية، فقد كانت الشحنة عبارة عن "12 شاحنة كبيرة، و15 شاحنة صغيرة، وحاوية 40 قدماً، وحاويتان 20 قدماً".

بدأت المشاكل تظهر أثناء نقل أسطول المركبات إلى سطح السفينة روسوس. إذ اصطدمت الشاحنة الأولى ببوابة السفينة أثناء محاولة تحميلها على سطح السفينة. لذا ألغي تحميل الشحنة!

وفي نهاية المطاف، لم تغادر السفينة روسوس بيروت مطلقاً. نظراً لمطالبة شركتين على الأقل يدين لهما "مانولي" بالمال بالحجز على سفينة الشحن، إحداهما شركة تأجير مولدات كهربائية، كان "مانولي" قد استأجر منها في السابق مولدة للسفينة، وعلاوةً على ذلك فقد وجدت إدارة مرفأ بيروت أن السفينة روسوس غير صالحة للإبحار.

يبدو أن السلطات اللبنانية لم تكن تعلم أن مانولي هو المالك الحقيقي لسفينة روسوس، وعلى أي حال، لم يظهر اسمه في أي من المراسلات العديدة بشأن السفينة.

علاقة المصرف الغامض بحزب الله والنظام السوري

كانت لمانولي علاقات تجارية في لبنان على عكس غريشوشكين الروسي الذي استأجر السفينة، إذ تظهر سجلات المحكمة أن مانولي حصل على قرض في عام 2011 بمبلغ 4 ملايين دولار من بنك FBME التنزاني لتمويل شراء سفينة "سخالين".

وفي حقيقة الأمر لم يكن FBME الذي أقرض المال لمانولي مجرد بنك عادي. إذ اتهم محققون أمريكيون مؤسسة FBME بغسيل الأموال لصالح حزب الله. كما كان من عملاء البنك شركة سورية يشتبه بأنها واجهة لبرنامج الأسلحة الكيماوية في البلاد.

المقتنيات المصادرة

تخلفت شركة "سي فورس مارين ليميتيد - Seaforce Marine Limited" التابعة لمانولي والتي تتخذ من بيليز في أمريكا الوسطى مقراً لها عن سداد الدفعة الأولى، فعرض مانولي السفينة روسوس كضمان، لكن بنك FBME شك في أن مالك السفينة أراد بيع السفينة وحجز على ممتلكات مانولي العقارية في قبرص.

وتُظهر وثائق بنك FBME الداخلية، أن مانولي لا يزال مديناً للبنك بمبلغ 962 ألف يورو من الديون المستحقة في تشرين الأول عام 2014. بالرغم من نفي مانولي أي علاقة بين ديونه وحقيقة أن سفينة الشحن قد توقفت في بيروت. لكن أحد المحققين يشير إلى أن بنك FBME يشتهر بسمعته السيئة من خلال الضغط على المقترضين المتعثرين لتقديم خدمات للعملاء المشكوك فيهم مثل حزب الله.

وشمل التحقيق أيضاً المشتري الرسمي لنترات الأمونيوم، شركة FEM في موزمبيق، إذ أجرت السلطات الإسبانية تحقيقاً بخصوص شركة Moura Silva e Filhos، التي تمتلك 95% من شركة FEM، فيما يتعلق بالهجمات الإرهابية في مدريد في عام 2004. وعلى الرغم من أنهم لم يدانوا بمساعدة الإرهابيين، إذ خلص المحققون إلى أن 785 كيلوغراماً من المتفجرات لم تكن مدرجة في سجلات الشركة.

وبحسب خبيرة تهريب الأسلحة الأمريكية، كاثي لين أوستن، فإن شركة Moura Silva e Filhos تحظى بصلات وثيقة مع الزمرة الحاكمة في موزمبيق ومع آخرين.

مع ذلك، لم تطالب FEM أبدًا بالـ 2.750 طناً من نترات الأمونيوم التي بقيت في بيروت على متن السفينة روسوس، على الرغم من أن السلطات اللبنانية لم تصادرها رسمياً.

وفي عام 2015، طلب وسيط نترات الأمونيوم من خلال محامي من السلطات اللبنانية فحص نوعية وكمية الشحنة، والغريب في الأمر، أن سجلات المحكمة لا تظهر أي محاولة من قبل الوسيط لاستعادة الشحنة التي تقدر قيمتها ب 700,000 دولار.

كما أن مانولي لم يبذل أي جهود لاستعادة سفينته، التي غرقت في نهاية المطاف خارج الميناء في شهر شباط عام 2018. ولم يتمكن فريق التحقيق من الوصول إلى مالك روسوس المزعوم، غريشوشكين للتعليق.

شحنة مهجورة

بالنتيجة، كانت نترات الأمونيوم شحنة مهجورة: لم يعترف أحد بدفع ثمنها ولم يحاول أحد استعادتها.

خزنت المواد الكيميائية شديدة الانفجار لست سنوات في العنبر 12 في مرفأ بيروت. بالرغم من تحذير السلطات، لا سيما مسؤولي الجمارك، مراراً وتكراراً من ضرورة إزالة نترات الأمونيوم من الميناء. لكن يبدو أن الالتماسات قد أرسلت إلى المحكمة غير المعنية إلى الحد الذي يجعل من الصعب على المحامين المعنيين الاعتقاد بأن السبب هو مجرد عدم الكفاءة. إلى الحد الذي يدعو للتساؤل حول إمكانية أن يكون القصد إبقاء نترات الأمونيوم في العنبر 12؟

أثار تحقيق آخر حول الشحنة من قبل أمن الدولة اللبناني في ربيع 2020، شكوكاً حول ما إذا كانت كامل الكمية أي الـ 2.750 طناً من نترات الأمونيوم لا تزال موجودة. وحذروا من أن إحدى بوابات المستودع كانت مفقودة وأن هناك فجوة كبيرة في الجدار الجنوبي. وأضاف التحقيق "في حالة حدوث سرقة، يمكن للسارق استخدام هذه البضائع كمتفجرات". لكن يبدو أن مسؤولي أمن الدولة لم يحسبوا الكمية الدقيقة من نترات الأمونيوم المتبقية في المستودع في ذلك الوقت.

لكن تحذيرهم من ضرورة تأمين المستودع لم يصل إلى المدعي العام اللبناني حتى شهر حزيران/ يونيو. وفي منتصف شهر تموز/ يوليو، أرسل جهاز أمن الدولة التقرير إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء. 

وما يزال من غير الواضح اليوم مقدار نترات الأمونيوم التي انفجرت في انفجار4 آب/ أغسطس. مع أن مسؤولي المخابرات الأوروبيين المشاركين في التحقيق يشيرون إلى أنه كان يتراوح بين 700 و1000 طن.

لكن أحد الأسئلة العديدة التي سيحتاج المحققون الآن الإجابة عنها هو أين ذهبت بقية الشحنة، التي تمثل الكمية الأكبر من المواد الكيميائية المتفجرة؟ 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات