علاقة العرب بالكرد تاريخ يزوّر عنوة

علاقة العرب بالكرد تاريخ يزوّر عنوة
أُحاول منذ فترة فهم المسألة الكردية أكثر وفهم رغبات الكرد والمشتركات والمختلفات بينهم وبين جوارهم، من زاوية السوريين الكرد.

يمر عليّ نشطاء وكُتّاب كُرد يدعون للانفصال أو الحكم الذاتي، أتفهم معاناتهم ومعاناة شعبهم في ظل وطن العيشة فيه باتت لا يشتهيها أحد، وأتفهم حالة القفز من السفينة الغارقة، القفز من وطن يغرق بأهله كلهم، وأتفهم تفاقم الإحساس القومي أو الطائفي في ظل ظروف كارثية يعيشها سكان المنطقة! لكنّ "البحث" الذي قدمه آزاد أحمد علي، (دور أكراد سورية في المتغيرات السياسية والانتفاضة الراهنة) في كتاب خلفيات الثورة، لم يسبقه أحد إلى تلك التأويلات، وأستغرب من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسة أن يقبل بنشر معلومات تاريخية بهذا التزوير، دون أن يعرضها للمناقشة ولفحص وثائقها التاريخية إن وجدت!

نظر "الباحث" أزاد إلى أحداث النصف الأول من القرن العشرين في سوريا من زاوية الصراع بين القوميتين الكردية العربية عبر نخب المدن السورية الكبرى الكردية والعربية، ابتداء من دخول الملك فيصل بن الحسين إلى دمشق وصولا إلى انقلاب سامي الحناوي، ولا أعرف ولم أقرأ في حياتي أن صراعا كهذا كان موجودا في تلك الفترة في هذه المدن، فمعلوماتي أن بعض العائلات التي كانت تعيش في دمشق وحلب وحماه والتي هي من أصول كردية كانت أحلامها وأمانيها وقضاياها عربية بحتة فهي مستعربة ومنذ عدة مئات من السنين، في حين أن جميعنا يعرف أن صراعات أخرى كانت سائدة؛ كالصراع على إسقاط ثم تقسيم تركة الامبراطورية العثمانية، وفيما بعد جر المنطقة إلى أحلاف متعددة كحلف بغداد وغيره.

عدا أن الكاتب قسّم الكرد إلى: - حضر يسكنون المدن السورية الكبرى وهم المسيطرون، حتى أن من يقرأ يظن أن  العرب في هذه المدن بضع هوامش، وهو نفسه لامَهم على برودهم تجاه قضيته الكرديه - وأكراد الريف سكان المنطقة الشمال شرقية من سوريا وصنّفهم بالمتحمسين الذين خذلهم الكرد الحضَر! لا بل الرجل يريد ضمنا أن يكرّد سوريا من أقصاها الى أقصاها بشرا وتاريخيا  ذهب إلى أن غالبية من حكَم سوريا في ذلك النصف رؤساء أكراد، علما أن آل العابد والقوتلي والشيشكلي أصدروا بيانات أكدوا أنهم عرب وليسوا كردا مستعربين، لكنّ الرجل يملك من الإصرار والمعرفة في علم الأنساب أكثر من أصحابها، كيف لا وهو يريد حشر صراع لم يكن موجودا حصرا بالقوة!؟ بالمناسبة غالبية السوريين يعرفون أن العائلات الكردية في المدن الكبرى كانوا من أعيان مدنهم لأنهم من مخلفات الإقطاع المتوالي منذ زمن الأيوبيين إلى زمن العثمانيين، لذلك من الطبيعي أن يكون لديهم حضور سياسي ومالي.

   اعتبر الكاتب أن الرئيس حسني الزعيم أتى الحكم كرديا ومخلصا للأكراد، وحمل على عاتقه مع محسن البرازي عبء تأسيس الدولة الكردية في سوريا، ووثيقة الكاتب هنا حديث ادعى أن حسني الزعيم همس برغبته لرجل اسمه صبري إبراهيم صبري مختار قرية التلين، وصبري هذا بدوره همس لكاتبنا آزاد علي! فحول الهمس بين رئيس ومختار(!؟) في قرية تعجز الدروب عن إيجادها، همسٌ لم يشهد أحد سواه إلى وثيقة تاريخية، يبنى عليها وهماً منبتا عن الواقع؛ والأغرب أنه اعتبر انقلاب سامي الحناوي على حسني الزعيم انقلاب القومية العربية على الكرد وانتصارا للقومية العربية على القومية الكردية للمرة الثانية، فبرأيه المرة الأولى كانت دخول الملك فيصل بن الحسين إلى دمشق التي أتت لتنهي حلم القومية الكردية، على حدّ زعمه! 

   صاحبنا "الكاتب" آزاد الذي يكتب مدخلا تاريخيا لبحثه، المدخل 12 صفحة من أصل 33 "المبحث" كله! استخدم في كتاباته هذه مصطلحات تعتبر زلة كبرى لأنها تُؤوّل التاريخ ولا تكتبه كـ: (تأثير خارجي محتمل، قد تكون، ليس لدينا ما يثبت، على ما يبدو، ولا يمكن أن يُفهم، ولا يستبعد، فلا يستبعد، وربما أفصح سهوا، أو ربما فكر)، جمل كلها احتمالات لا تصح كتابتها عن بحث تاريخي قبل خمسة آلاف سنة وليس قبل ستين سنة، تاريخ حديث فيه عشرات المصادر غربية وعربية وتركية وحتى كردية، كثير منها موثق بالصورة بالكاميرا والميكريفون وليس بالهمسات والتكهنات! بالمناسبة كل تلك المصطلحات أوردها في صفحة واحدة ص 345 من الكتاب، فقط ليصل في نهاية البحث إلى استنتاجات تلبي هواه وتلبي شوفونية لا تخدم السوريين لا الكرد ولا العرب!

   ذكّرني هذا "الباحث" برعاع من العرب الذين لا يزال يشطح خيالهم ويعتبرون أن الأندلس عربية، انتهى احتلالها منذ 500 سنة، وأهلها عرب وعليهم عبء تحريرها وضمها للوطن العربي الذي أصبح أعجز من أن يستطيع الفرد فيه أن يضمن عيشه في بيته؛ لا بل ويضمن أن بيته له!؟

  الأمم ترقى وتسود وتبني دولا بالفكر والمعرفة والعلم والأدب والأمانة...الأمانة، لكن مثل هذه الكتابة تصنع حقدا يقتل أهله ويجعل منهم سخرية ومطية لقوى أخرى بالتأكيد لا تريد لهم خيرا! والشعب السوري تحديدا قَبِلَ حكم الأكراد في أكثر من مكان في التاريخ وقَبِلَ رؤساء سوريين من غير العرب ومن غير المسلمين في أكثر من مكان في التاريخ أيضا، لأن من قَبِلَ بهم كانوا حمَلة رسالة وهدف يُرضي رغبات الجميع بالتحرر والمنعة والازدهار والأمانة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات