الأغنية الثورية وحضورها الدائم في الرأي العام السوري

الأغنية الثورية وحضورها الدائم في الرأي العام السوري
مع بداية الحراك الثوري في سوريا في آذار 2011، برزت الأغنية الثورية لتكون صوتًا معبّرًا عما يجري في الشارع بعيدًا عن رواية النظام المليئة بنشاز التزييف والتلفيق. ولأن كل فن - أو هكذا يُفترض - هو نتاج واقعه ويعكس تطلّعات أبناء مجتمعه ظهرت "يا حيف" لتعبّر عن خيبة الأمل الشعبية التي عكستها كلمات وصوت الفنان سميح شقير من تعاطي نظام أسد بشكل قمعي مع أول أشكال الاحتجاجات السلمية التي شهدتها محافظة درعا في آذار 2011 وكانت فاتحة لتظاهرات لم تستطع دبّابات وبراميل أسد إخماد شعلتها حتّى اليوم.

وأكثر ما ميّز الأغنية الثورية في سوريا، براءتها وشرعية المطالب التي نادت بها وعفويتها، حيث جاءت على عجلٍ لتقول الكثير في القليل، ولتكون وسيلة التعبير الحضارية عن آمال جمهورها بعصر نهضةٍ يعيد الوطن المسلوب لأصحابه... نالت الأغنية الثورية رضا الناس لأنها انطلقت منهم وخرجت من بين صفوفهم، ببساطة الكلمة واللحن، للانتصار على واقع معقّد فرضه أسد وأبوه منذ توليهما الحكم.

فهتفت الحناجر المجروحة للحرية وكرامة الشعب ودمّرت مع أولى صيحاتها ممالك الخوف التي شيّدها البعث في قلوب السوريين.

يلا ارحل يا بشار

الباحث الاجتماعي صفوان موشلي شرح لـ "أورينت نت" تأثير الأغنية الثورية في الرأي العام السوري، إذ شكّلت هذه الأغنية بطاقة دعوة للناس للالتحاق بالثورة، فبعد أربعين عامًا عن حكم بشار الأسد وأبيه فقدَ خلالها السوريون كل أمل بالإصلاح وباتوا على عتبة الانفجار بانتظار الصرخة التي ستأخذهم للميادين والساحات ليقولوا كل ما حال دونه تكميم الأفواه في عصر استبداد أسد.

وأنتجت الثورة أشخاصًا تبنّوا القضية الثورية فنالوا قبول الناس الذين رفعوهم فوق الأكتاف، فكانت أغنية إبراهيم القاشوش "يلا ارحل يا بشار" صوتًا يملأ ساحة العاصي في حماة، بكلمات جاءت تحمل التحدّي كما تحمل معها لحنها.

يقول موشلي: "أدرك القاشوش أن أي مماطلة في طرح الخطاب قد تعطي النظام وقتًا مستقطعًا فكان لا بد من المباشرة وتدارك الوقت، فكل تأخير سيكون على حساب السوريين".

وأضاف: "هذه البساطة في وعي اللحظة أثبتت ببساطة أنّها على حق، وهذا ما حوّل القاشوش لأيقونة في تاريخ الأغنية الثورية في سوريا".

وعن إسهام الأغنية الثورية في تحقيق التقارب الشعبي، يرى أن الهتافات والأغاني الثورية جاءت منسجمة مع مراحل الثورة ومثّلت ردًّا سريعًا ومباشرًا على القمع الذي مارسته قوات أمن أسد، قائلًا: "حين خشي البعض أن تستكين جهة فتترك الأخرى فريسة سهلة للقمع باتت الهتافات والأغاني الثورية تتغنّى بأسماء المناطق الثائرة في مختلف المحافظات".

وأوضح أن ذلك جاء لبث روح الطمأنينة والتضامن بأنّهم ليسوا وحدهم أمام بطش قوات أمن أسد، فكانت (يا درعا نحنا معاكي للموت) جوابًا حاضرًا ومسكّنًا لمخاوف شعب وقف بندّية أمام الطاغية".

لكل ثورة أغنية وحارس

برزت مع بداية الثورة، الحاجة لوجود سفراء لكلمتها وخطابها الثقافي، من أجل الالتفاف حولها ورص صفوفها، فكان عبد الباسط الساروت، الاستجابة العملية والحيّة لما تحتاجه ميادين وساحات حمص، فغنّى للحرية وطلابها والمدن الثائرة ومجّد الوطن (جنّة جنّة) وجمّله في العيون الثائرة بعد أن هجر مرمى نادي الكرامة ليصبح حارسًا للكرامة نفسها.

الشاعر عدنان العودة تحدّث لـ "أورينت نت" عن وظيفة الأغنية الثورية التي تتجسّد في تعريف أهداف الثورة وشرح الموضوع القائم والخطاب السياسي الذي تتبنّاه، وبدا ذلك جليًا في (يا حيف) لسميح شقير و (آه لو ترجع) للفنان عبد الحكيم قطيفان، كما تعمل الأغنية الثورية، على شحذ همم الشعب، واستنهاض آماله ورسالة واضحة لمن لم يلتحق بعد بصفوف الثورة، بأن الساحات والميادين تتسع للجميع.

وأضاف العودة، أن كل ثورة تنتج أغانيها وموسيقاها والأغاني الثورية في سوريا، عبّرت عن الوجه المدني للثورة، وساهمت بإيصال الصوت الثائر لشرائح مجتمعية قد تكون متردّدة، وتنتظر فهم الخطاب الثوري.

يقول العودة: "كل ثورة بحاجة إلى خطاب موسيقي مغنّى بنفس القدر الذي تحتاج فيه إلى خطاب سياسي".

ويرى الرجل، أن أهم ميزات الأغنية الثورية شعبيتها، فهي تحمل بكلماتها وإيقاعها لمسات الشارع الذي تعبّر عنه وتستمد طابعها الجمالي من عفويته، وهذا ما جعل صوت الساروت يصل إلى مختلف المناطق الثائرة، فلقّبه السوريون بـ "حارس الثورة" قبل استشهاده العام الماضي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات