تناقضات المكوّن العشائري في المنطقة الشرقيّة.. المشكلات والحلول

تناقضات المكوّن العشائري في المنطقة الشرقيّة.. المشكلات والحلول
تعرّض المكوّن العشائري في المنطقة الشرقيّة من سوريا لعدّة صدمات وتقلّبات أثّر على بنيته الداخليّة، وخلّف تناقطات داخل العشيرة الواحدة وبين العشائر المختلفة، وهذه التناقضات أثّرت على طبيعة العلاقة بين المكوّنات العشائريّة، ممّا أضعفها إلى حدّ أصبحت فيه العشيرة منقسمة على نفسها.

التناقضات في تاريخ العشائر

يقول "مضر حمّاد الأسعد" أحد شيوخ عشيرة الجبور وعضو مجلس القبائل والعشائر السوريّة لـ"أورينت نت"  إنّ التناقضات بين العشائر حقيقة كان قبل استقرار العشائر وتكوين القرى والمحميات، إذ كان هناك اختلاف واضح في العادات والتقاليد والسلوك، لاسيما بين العشائر البدويّة والعشائر الريفيّة نصف المتحضّرة، ولكن بعد الاستقرار، أي بعد الحرب العالميّة الأولى وتشكيل الممالك والدول مثل المملكة السوريّة ومملكة الحجاز ومملكة العراق، أصبح هناك استقرار، وهذا ما عملت عليه الدول من خلال تقديم الخدمات، وهذا الاستقرار أدّى للاختلاط بين تلك العشائر، بعد أن كانت كل عشيرة تسكن لوحدها قبل ذلك.

وأضاف أنّه قبل عمليّة الاختلاط والاستقرار كان هناك تناقضات أدّت لحروب كبرى بين العشائر من أجل المراعي أو من أجل إظهار القوّة أو حتّى أخذ الإتاوات أو التقرّب من السلطات المحليّة المسيطرة على المنطقة، أو حتّى من خلال تنافس فرسان العشائر من أجل الحصول على السلطة أو المشيخة.

وأردف أنّ الحكومات المحليّة التي كانت مسيطرة على تلك المناطق عملت على تعزيز التناقضات والتنافس لضمان بقاء سيطرتها من خلال تفريق العشائر عن طريق الحروب فيما بينها وإضعافها دون أن يثير هذا الأمر حروبا كبيرة تخرج عن سيطرتها، ولكن بعد استقرار المدن واتّساع التجارة أصبح الاهتمام ينصبّ على كيفيّة السيطرة على العشائر المنفلتة وزيادة الاهتمام بقوافل الحج على اعتبار أنّها ظاهرة اقتصاديّة تجاريّة، وهنا أصبح التنافس على حماية قوافل الحج من قبل العشائر على اعتبار أنّها حماية مدفوعة.

وأكّد على أنّ مشاركة شيوخ العشائر ضمن الممالك التي استحدثت ساهم في تخفيف حدّة النزاعات وخاصة تشكيل المجالس النيابيّة ومجالس الشيوخ عزّز التقارب فيما بينهم وأوقف النزاعات. كذلك الحكومات المحليّة أعطت لقضاة العشائر وأصحاب العرف العشائري أهميّة كبيرة في فض المنازعات والسلم الأهلي وبالتالي أصبحت قراراتهم ملزمة ممّا خلق رادعاً لدى أبناء العشائر من التعدّي على الغير.

البنية التنظيميّة والإداريّة للعشائر

من جهته رأى الباحث "سعد الشارع" أنّ التناقضات التي تصيب مجمل البنية العشائريّة والقبليّة في سوريا هي أمر ليست جديد، فدائماً هذه العشائر التي تعتبر من التكوينات الاجتماعيّة المهمّة في سوريا تتماهى مع القوّة التي تسيطر عليها، أمّا ما قبل الثورة وخلال سنوات خلت تمكّن نظام بشار الأسد من استمالة عدد كبير من القادة ووجهاء العشائر والقبائل، ومع انطلاق الثورة وبداية تشكّل الجيش الحر خاصّة في الحواضر التي تتواجد فيها قوى عشائريّة وقبليّة، تماهت مع وجود فصائل المعارضة والجيش الحر وتلا ذلك جبهة النصرة وتنظيم داعش، ثمّ الآن بعد ان انقسمت المنطقة التي تتواجد فيها العشائر والقبائل إلى مناطق أعاد نظام الأسد سيطرته عليها وأتحدّث هنا عن مناطق غرب الفرات وامتدادها بالبوادي كريف حمص وحماة ذات الوجود العشائري الكبير، تماهت مع نظام الأسد، وفي منطقة شرق الفرات نستطيع القول أنّ العشائر تماهت مع هذا التنظيم.

وأضاف خلال حديث خاص لـ "أورينت نت" عبر اتّصال هاتفي، أنّ هناك أمر جدّاً مهم، وهو أنّ البنية التنظيميّة والإداريّة للعشائر في سوريا تعرّضت لضعف كبير في السنوات السابقة، إذ لم يعد يوجد ولاء كامل ومطلق من قبل أي عشيرة بالمطلق لجهة ما، إذ حدث انقسامات بالولاءات داخل ذات العشيرة أو القبيلة، وكل قسم أصبح يوالي جهة مختلفة عن الأخرى.

النقطة الثانية، لم يعد هناك رأس هرمي للعشيرة أو القبيلة يسيطر عليها كما كان متعارف عليه في فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، باتت الأمور الآن أشبه بولاءات منقسمة، فصيغة العشيرة أو القبيلة نستطيع القول أنّها مرحلة ما قبل الدولة.

ونفى أنّ تكون الآثار والنتائج المترتّبة على تلك التناقضات كبيرة جدّاً، فدائماً العشائر تعتبر من التكوينات الاجتماعيّة، لكن انخفضت بشكل كبير خلال السنوات العشرة الماضية، وأصبحت بنيتها أقرب إلى التفكك من العقلية الجامعة التي كانت تتمتّع بها، فأصبحت أشبه بالتكوينات في المناطق المدنيّة الحضريّة، فنرى الأحياء منقسمة بين موال ومعارض، ولذلك لن تكون هناك نتائج أو آثار سلبيّة.

وأشار إلى أنّه ربّما يقول البعض أنّ خلق حالة التوازن مطلوبة في التكوينات الاجتماعيّة خشية أن يذهب المجتمع باتّجاه واحد وبالتالي تكون ردود الأفعال قاسية وسلبيّة على المجتمع، ومن الأسباب التي عزّزت تلك التناقضات هي اختلاف الآراء ضمن القبيلة او العشيرة، واستطرد "لا أعتقد أنّه بالإمكان في الوقت الحالي خصوصاً في سوريا والعراق أخذ العشيرة برأي واحد، وأمامنا تجربة العراق في السنوات الأخيرة إذ تفرّقت الآراء والولاءات بين القوى المختلفة".

التناقضات العشائريّة في المرحلة الراهنة

من جانبه قال "فيليكس لوغراند" وهو باحث فرنسي في مركز نوريا للدراسات، زار الجزيرة السوريّة بهدف البحث في تكوين العشائر، إنّه عندما نتحدث عن العشائر في هذه المنطقة والتناقضات يجب أن نركّز على بعض الأمور، كالصراعات العشائريّة بين بعضها البعض، والصراعات داخل العشيرة ذاتها، وأخيرا والأهم على العلاقة بين العشائر والسلطة، وعن طريق من يجب أن تكون هذه العلاقة وما هي ماهيّة تلك العلاقة، وطبعا في المنطقة الشرقيّة هذا الأمر مهم على اعتبار أنّ السلطة تغيّرت أكثر من مرّة ممّا أضعف منصب شيخ العشيرة.

وأضاف خلال حديث خاص لـ "أورينت نت" عبر تطبيق التواصل "واتساب"  أنّه إذا عدنا للتاريخ فإنّ الفرنسيين في فترة الاحتلال الفرنسي حاولوا السيطرة على هذه المنطقة عن طريق العشائر والتحالفات مع شيوخ العشائر، أو خلق قيادة جديدة ضمن العشيرة عن طريق الدعم والسلطة، وأيضاً بعد مجيء حزب البعث إلى السلطة، غيّر من تركيبة العشائر عن طريق تحالفه مع بعض شيوخها، وهذه العلاقة بين العشيرة والسلطة تجلّت أكثر بعد انطلاق الثورة السوريّة، فقد تعاقب على المنطقة عدّة قوى سيطرت عليها، فكانت المعارضة السوريّة ثمّ التنظيمات المتطرّفة مثل داعش، ثمّ قسد، وهناك حاليا صراع بين تركيا ونظام الأسد وقسد، وكل تلك الأطراف تعمل على التحالف مع العشائر عن طريق شيوخها، وليس بالضرورة أن يكونوا هؤلاء شيوخاً أصّلا.

ورأى أنّ نسبة سلطة شيوخ العشائر ليست دائماً قويّة، إذ يوجد انقسامات في العشيرة الواحدة، ونستطيع القول إنّه بعد هذه الصراعات المختلفة وتغيير السلطة الحاكمة والتحالفات المختلفة بين العشائر وقوى الصراع، ضعف كثيراً منصب المشيخة عند أغلب العشائر.

وأردف، يجب أن نعرف أنّه صحيح هناك صراع بين العشائر المختلفة، ولكن الصراعات الأكبر هي داخل كل عشيرة، ونستطيع إرجاع السبب إلى رغبة كل فخذ لقيادة العشيرة، وهذا ما تسبّب بتفتيت العشيرة الواحدة، على اعتبار أنّه ليس لأي عشيرة ولاء لجهة ما بالمطلق، وما لاحظته أنّه لا يوجد تكوين متماسك للعشيرة الواحدة، وهنا أقول أنّه لم يعد هناك وجود للعشيرة وإنّما يوجد عشائريّة من خلال الهويّة.

ولفت إلى أنّه حاليا وعلى اعتبار أنّ أغلب مناطق الجزيرة السوريّة تحت سيطرة قسد مع انتشار بسيط لنظام أسد وتركيا، لكن إذا تحدّثنا عن مناطق قسد فإنّنا يجب أن نعلم أنّ قسد هي قوى كرديّة تسيطر على منطقة عربيّة، وعندما سيطرت على هذه المنطقة من خلال الحرب على الإرهاب لم يكن لديها أيّ تواصل مع أبناء المنطقة.

وأشار إلى أن ميليشيا قسد "اعتمدت على شيوخ العشائر كوسيط سياسي بين أبناء الشعب والسلطة، ولكن هذا خلق الكثير من المشاكل كتأجيج الصراع على سلطة العشيرة وتهميش بعص المشايخ الأصلاء، وهذا خلق أيضاً انقسامات عشائريّة لا تقوم على أساس الموقف السياسي".

وختم أنّه لمعالجة "تلك التناقضات لا يجد حلّ جذريّ، ولكن أي سلطة يجب ألا تستغل العشائر لأجندات معيّنة ويجب ألا تعتمد على العشائر فقط كسلطة حاكمة، العشائر حالة اجتماعيّة وشيوخ العشائر يستطيعون المساهمة في حل الكثير من المشكلات الناجمة عن سنوات الصراع، مثل مبادرات التوعية وتحقيق العدالة عن طريق الأعراف العشائريّة، ويمكن الاعتماد على المجتمع المدني أو الأحزاب السياسيّة وليس فقط على العشائر".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات