التعايش المشترك بوصلة المثقّفين الكرد والسريان شمال سوريا

التعايش المشترك بوصلة المثقّفين الكرد والسريان شمال سوريا
في عام 1996 نظّم إعلام الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ندوة بمدينة القامشلي للكاتب "سعيد لحدو" ذي الأصول السريانيّة" شارك في نقاشاتها نخبة سياسية وثقافية واجتماعية هامة من الجانبين (الكردي والآشوري)، حول المذابح التي شهدها الآشوريون، وحقيقة الدور الكردي في تنفيذها.

في هذه الندوة قال الكاتب سعيد لحدو "إنّ الاعتداء على المسيحيين أثناء وبعد الحرب العالميّة الأولى لم يشمل جميع الكُرد، فقد ظلت فئة منهم تتحسر وتتألم لما يحدث أمام ناظريها وكان لبعضهم الأثر الكبير في نجدة المسيحيين والوقوف إلى جانبهم في معاناتهم والمساهمة في حفظ حياتهم من أمثال الشيخ عبيد الله النهري وإبراهيم باشا الذي لم يتردد في مساعدة المسيحيين للهروب والاختفاء بالآلاف".

هذه الندوة كانت انطلاقة لحوارات متتالية (كرديّة – سريانيّة) وإيذانا لبدء مرحلة جديدة تعمّق التعايش الكردي – السرياني في الجزيرة السوريّة، لاسيما على مستوى المثقّفين والنخبة من أبناء المنطقة، وهنا برز دور الثقافة في ترسيخ العيش المشترك على أساس المواطنة بين الكرد والسريان.

دور المثقّفين

يقول المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان "جميل ديار بكرلي" لـ أورينت نت، إنّه في تسعينيات القرن الماضي ظهر حراك للتواصل بين المثقفين الأكراد والمثقفين السريان والآشوريين والكلدانيين في منطقة الجزيرة، ويعود السبب إلى الوعي، إذ كان في منطقة الجزيرة أكثر من 12 حزباً كرديّاً، وكان يوجد حزب قومي مسيحي وهو المنظّمة الآشوريّة الديمقراطيّة، فبدأت ملامح التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي بين هذين الحزبين، وكان في ذلك الحين من أكثر الشخصيات انفتاحاً المرحوم عبد الحميد درويش سكرتير الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي، وفي المقابل كان شباب وقيادات وناشطو المنظّمة الآشوريّة الديمقراطيّة، الذين فتحوا بداية أوّل حوارات بين المثقفين، بدأت بمحاضرات ثمّ لقاءات وتبادل زيارات في المناسبات القوميّة كعيد النيروز وعيد أكيتو "رأس السنة البابليّة الآشوريّة"، ثمّ توسّعت تلك اللقاءات لتتخطّى الأحزاب على النخبة في مدينة القامشلي التي تعتبر انطلاقة ذلك التقارب.

فيما يقول عضو المجلس الوطني الكردي "علي تمي" لـ أورينت نت، إن جميع المكونات في القامشلي وريفها يتعايشون ضمن مجتمع واحد تجدهم يتشاركون في مناسبات اجتماعية كالتعازعي والحفلات والندوات الثقافيّة، بالإضافة إلى احترام خصوصية كل مكون لخصوصيات الآخر، بمعنى أنَّ المجتمع في المناطق الشمالية متماسك ولم يحدث أي  خلافات اجتماعية أو ثقافية بينهما في المنطقة، رغم الاختلاف في الدين والمذهب وهذا ما نفتخر به في المنطقة الشمالية لأنها مركز التعايش السلمي والاجتماعي في المنطقة.

تقارب ثقافي أسّس لعيش مشترك

"جميل دياربكرلي" يؤكّد أنّ التقارب الفكري الثقافي وضع أسس العيش المشترك وساهم بحل الكثير من المشاكل التي كانت تحدث بين الآشوريين والأكراد، وهذه العلاقات أثمرت في الجزيرة السوريّة لاسيما بعد عام 2011 بعد انطلاق الثورة السوريّة لاسيما من خلال المشاركة في المظاهرات أو الندوات والاجتماعات الشعبية  وهذا ما ساهم بإعطاء تطمينات للناس أنّه يوجد تلاحم، وإن لم تصل إلى المستوى المطلوب إلا أنّها ساهمت كثيراً في التعايش المشترك، مضيفاً أنّه يوجد الكثير من المشتركات بين السريان والكرد مثل التاريخ والجغرافيا فنتيجة التقارب والاحتكاك بين الطرفين تأثّر حتّى اللغة فأصبحت في اللغتين كلمات مشتركة وحتّى أعمال فنيّة وأدبيّة مشتركة، وهنا يجب التنويه إلى أنّه بدون تعزيز ثقافة العيش المشترك القائم على المواطنة والندّية والتساوي في التعامل لايمكن أن نبني وطنا واحدا تحت ظلّ قانون ودستور يتساوى تحته الجميع، ومن الضروري أن يؤسّس النخبة تلك الثقافة. 

من جانبه يرى "علي تمّي" أنّه كان للسريان تأثير  إيجابي على  الكرد كونهم المجتمع ( المسيحي) فنجدهم مدنيين أكثر من غيرهم وينبذون العنف والتطرف، وهذا ما انعكس ايجاباً على الكرد الذين عانوا من أمرين، قمع السلطة وتجريدهم من الجنسية، والتهديد لوجودهم بعد سيطرة داعش على المنطقة، وعموما جميع الطوائف والمكونات في الجزيرة يتعايشون ضمن مجتمع واحد وعلاقات اجتماعية متقاربة والمشاركة في  حياة اجتماعية مشتركة.

التعايش المشترك في كتب المثقّفين

لم يكن كتاب (التيه ومسالك الحكمة – مدخلا إلى حوار كردي آشوري) للكاتب سعيد لحدو هو الأوّل من نوعه الذي يتحدّث عن العيش المشترك، إذ كان كتاب الكاتب الكردي العراقي وصفي حسن الرديني "الكرد وكردستان في المصادر السريانية"  من الوثائق المهمّة  التي تحدّثت عن الآثار التي أبرزها  التعايش الأخوي بين أبناء الشعب  الكردي  والسرياني وما تمخض عن ذلك التعايش من معطيات أبرزتها في الجانب الثقافي العديد من المبادرات كقيام أحد الكتاب الكرد بترجمة الإنجيل إلى اللغة الكردية عام 1886 وطبع في أرمينيا بالحروف الأرمنية، كما قام مترجم كردي آخر  في عام 1923 بترجمة الإنجيل  وطبعه في إسطنبول، كما ذكرت صحيفة الزمان في مقال مطوّل عن دور الثقافة في تعزيز التعايش بين الكرد والسريان.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات