شهادة معقتل سابق لديه: محاكمة العقيد المنشق أنور رسلان.. عدالة أم إنتقام؟

شهادة معقتل سابق لديه: محاكمة العقيد المنشق أنور رسلان.. عدالة أم إنتقام؟
انقضت أربع جلسات محاكمة علنية في بلدة "كوبلنز" الألمانية، بحق العقيد المنشق أنور رسلان أحد ضباط الأمن السوريين الكبار، رئيس فرع "الخطيب"، هذا الفرع الذي اعتقلني عقب سويعات من خروجي من فرع "فسطين" سيّء الصيت قبل الثورة السورية الفضيلة وبعدها، كلا الفرعين تابعين للمخابرات السورية، تعرضت خلالها في الفرعين سالفي الذكر لأشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، خلفت إعاقة مستديمة في عيني اليمنى لم تنجح كل العمليات الجراحية التي أجريتها في فرنسا من إستعادة قدرتها البصرية، ولكني لم أتقدم بشكوى شخصية ضد العقيد أنور رسلان، حذواً بأصدقاء وزملاء مهنة من أمثال الصحفي والسينمائي السوري عامر مطر.

انشقاق..

لا يختلف أحد على الكيفية الغريبة لانشقاق أنور رسلان، حيث لم يظهر في فيديو علني كما الحالات المشابهة لانشقاقات عسكريين، وقد يعود ذلك ببساطة إلى أنَّهُ صاحب شخصية متزنة إلى حد ما -وذلك لا ينفي عنه جرائمه- وليس مجرد شخصية إعلامية في مؤسسات نظام الأسد على غرار التلفزيون السوري ومؤسسة الوحدة التي انشققتُ عنها عقب تجمع للمعارضة السورية أمام البرلمان السوري بُعيد اندلاع ثورة الياسمين في تونس، وكان اعتقالي لسويعات من قبل فرع أمن الدولة برفقة الفنانة التشكيلية السورية هبة الأنصاري.

إنَّ انشقاق أنور رسلان لا يشبه انشقاق موظفي وكالة "سانا" أو المؤسسة العامة للسينما، على سبيل المثل، إنه انشقاق لشخصية رفيعة المستوى. حصل ذلك في وقت كان السوريون يطالبون ويتمنون انشقاق أي عنصر أو ضابط عن النظام وحينها كانوا يطبلون لانشقاقات صحفيين يعملون بالقطعة هنا وهناك. إنَّ انشقاق رسلان جاء في وقت حساس ومهم لشخصية رفيعة المستوى في هرم مؤسسات القمع البوليسي الأسدي، هذا الضابط  المنحدر من أصول سنيَّة ومن بلدة الحولة بالتحديد. وكان انشقاقه بالتنسيق مع المعارضة السورية ومجيئه إلى ألمانيا كان بالتنسيق معها وعلى وجه التحديد مع رياض سيف هذا المعارض الدمشقي ذائع الصيت. 

لقد شارك رسلان في وفد المعارضة السورية في مؤتمر جنيف2. وبالنسبة لتفاصيل انشقاقه فقد تم تهريبه من الغوطة الشرقية إلى الأردن وبحماية الجيش الحر آنذاك لو قدر لعملية الانشقاق الفشل، -لا سمح الله- لكان مصيره وعائلته وأقاربه ومساعديه التصفية بدم بارد.... لقد كان قرار العقيد رسلان بالانشقاق عن هذا النظام قراراً شجاعاً ومغامرة حقيقية في الآن عينه وذلك نظراً لطبيعة عمله ومكانه الحساس.

عدالة انتقالية..

وإذا سلمنا جدلاً بأحقية التهم الموجهة للعقيد المنشق أنور رسلان، تلك التهم التي وجهها المدعي العام الألماني بناءً على شكوى مقدمة من الضحايا، ومحاميهم الألماني باتريك كروكر، الذي يمثل ستة أطراف مدنية مدعية من الضحايا، وبالتنسيق مع المحامي أنور البني رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، والشبكة السورية لحقوق الإنسان برئاسة فضل عبد الغني، والتي تتلخص باستشهاد ٥٨ معتقلاً وتعذيب ٤ آلاف آخرين، ناهيك عن المختفين قسرياً، بالإضافة لأربع حالات عنف واغتصاب جنسي.

ونظرا لِما تقدم قد تكون هذه المحاكمة الفردية ذات طابع انتقامي لا أكثر، لإنها لا تلاحق كافة المنشقين، الذين انضموا لاحقا إلى المعارضة السورية من كافة الوظائف العسكرية منها والمدنية، وكونها تأتي في سياق خارج المرحلة الانتقالية الموشكة على البدء، وذلك بناءً على تقارير صحفية فرنسية بالدرجة الأولى، وأخرى أمريكية على سبيل المثال لا الحصر مجلة "فورين بوليسي" الشهيرة.

صفقة مع المعارضة...

انشقاق العقيد أنور رسلان جاء عقب صفقة مع المعارضة، ولن نسمي شخوصها تجنباً للإشكاليات الناتجة عن ذلك، وتفيد الصفقة بأنه سيقدم معلومات تدين كل من بشار الأسد وماهر الأسد وعبد الفتاح قدسية وشفيق مصة وقيادات أمنية أخرى، وهذه الوثائق والمعلومات كان ينوي رسلان تقديمها للأمم المتحدة.

ذلك أن شهادات الضحايا لوحدها لا تكفي لإدانة تلك الرموز الأسدية الإبادية، لا بد من شخصيات كرسلان، فهو دليل حي ومن داخل النظام ومطلع على الآليات المتبعة لإخفاء الأدلة. وعلى سبيل المثال وليس بعيداً عن صلب موضوعنا، في قضية مقتل الشهيد رفيق الحريري كل الشهود تم تصفيتهم، غازي كنعان، جامع جامع، رستم غزالي ..الخ. والنظام هو من قام بتصفيتهم، فكيف سيُقاد بشار الأسد إلى محكمة الجنائيات الدولية بدون شهود أحياء، كيف سيتم إثبات التهمة عليه؟ هل سيقوم أنور البني  وعبدالغني ومازن درويش باستدعائهم من قبورهم للإدلاء بشهادتهم؟.

محاكمة مهزلة لا تاريخية...

مديرة مركز بحوث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية "أمنستي" لين معلوف تصفها بالمحاكمة التاريخية، وأنا أتفق معها من حيث كون هذه المحاكمة تاريخية في المهزلة، حيث يعتقل إسلام علوش من مدينة مرسيليا في فرنسا، وهو ينتمي للطائفة سنية، ويبقى رفعت الأسد حراً طليقاً. وهو الذي كان المسؤول الأساسي عن المجازر التي ارتكبت بحق السوريين في كل من حلب وحماه وحمص وسجن تدمر ذائع الصيت، كذلك الحال بالنسبة لمدير مكتب اللواء جميل الحسن آفاق أحمد الذي ما زال حراً طليقاً يسرح ويمرح في باريس عاصمة النور.

 ويعزو الحقوقيون، سالفو الذكر، ذلك لعدم وجود أدلة لتحريك قضايا ضدهم، ولكن لماذا يوجد أدلة وشهود على المجرمين المنحدرين من الطائفة السنية، بينما أبناء الطائفة العلوية بمنأى عن يد العدالة.

صرح قيادي بارز في حزب الشعب الديمقراطي، رفض الكشف عن اسمه، وهو الحزب الذي يتزعمه السياسي البارز رياض الترك، أنَّ تحريك هذه الدعاوى في ألمانيا ربما تم بتحريض خفي من مؤسسات بريطانية لها صلات بعائلة الأخرس التي تنتمي لها أسماء الأسد، وتأتي كعقاب لأنور رسلان ورادع لمن يفكر بالانشقاق من بعده.

وفي النهاية هذه المحاكمات الهزلية، بقضها وقضيضها، ما هي إلاّ مجرد رسالة من النظام الدولي لأعمدة القمع في منطقة الربيع العربي والعالم الثالث بالعموم، مفادها أننا لسنا بحاجة لثورات جديدة وانهيارات لأنظمة حليفة، تنقل المنطقة لحالة من الديمقراطية، مما يفقد الغرب إمكانية ارتهان هذه المنطقة لأجنداتها السياسية والاقتصادية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات