غضب إسرائيلي من مسلسل مصري يتنبأ بزوال إسرائيل: خيال علمي أم ترفيه سياسي وشعاراتي؟!

غضب إسرائيلي من مسلسل مصري يتنبأ بزوال إسرائيل: خيال علمي أم ترفيه سياسي وشعاراتي؟!
رغم أن مصر وقّعت في عهد الرئيس محمد أنور السادات، اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل منذ أكثر من أربعين عاماً..  ورغم سعي كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر منذ عهد محمد أنور السادات حتى اليوم لتحقيق أعلى درجات التنسيق مع إسرائيل، واستثمار أي فرصة لتحسين العلاقات معها سرا وعلانية، وتقديم الهدايا المجانية لها كبيع الغاز المصري لها بأسعار مخفضة والتنسيق العالي المستوى في حصار غزة.. ورغم معرفة الجميع أن هذه الأنظمة ذاتها تمارس رقابة على الفن في مصر، ولا تظهر الأعمال الفنية دون موافقة جهاز الرقابة الذي يمثل وجهة نظر الدولة المصرية.. يطيب لبعض الفنانين المصريين وغير المصريين بين الحين والآخر أن يستثمروا في لعبة العداء الشعبي مع إسرائيل بموافقة رقابية من نظام الحكم القائم الذي يستميت في التطبيع معها شأنه شأن من سبقه! 

انقراض الغوريللا والفيل الأفريقي وإسرائيل! 

وآخر الأمثلة على ذلك  مسلسل "النهاية" الذي يعرض في موسم رمضان الحالي، والذي كتبه عمرو سمير عاطف، وأخرجه ياسر سامي ولعب بطولته  يوسف الشريف، عمرو عبد الجليل، سهر صايغ، سارة عادل، محمد لطفي وسواهم من الممثلين الشباب في غياب للنجوم المعروفين على الشاشة المصرية.  

المسلسل ينتمي إلى الخيال العلمي، وأحداثه تدور بعد مئة عام، أي في العام 2120  وهو يروي قصة مهندس يحاول مقاومة سيطرة التكنولوجيا على حياة البشر، لكن محاولاته تقوده إلى مواجهات خطيرة خاصة مع ظهور رجل آلي مستنسخ منه... 

ويتحدث المسلسل عن انقراض العديد من الحيوانات على الأرض كالغوريللا والفيل الأفريقي والنمر الآسيوي..  لكن المسلسل في ثنايا هذه الفكرة، يتذكر اسرائيل فجأة.. فيستعرض في الحلقة الأولى مشهدا لأطفال في فصل دراسي عام 2120 يتلقون درس تاريخ  عن "حرب تحرير القدس". يقول الممثل فيه: "الدول العربية التي أصبحت متقدمة عسكريا واقتصاديا ومتعاونة فيما بينها، قامت بالتخلص من عدوها اللدود في حرب سميت بحرب "تحرير القدس"، وانتهت الحرب سريعاً بتدمير دولة إسرائيل الصهيونية قبل أن تمر 100 سنة على تاريخ تأسيسها، والغالبية العظمى من يهود إسرائيل فروا ورجعوا إلى بلادهم الأصلية.

هل غضبت إسرائيل أم تتصنع الغضب؟! 

المسلسل لم يكتفِ بالحديث عن تدمير إسرائيل بل تحدث عن انهيار داعمتها الولايات المتحدة الأمريكية وعرض خريطة هولوغرامية لأمريكا مقسمة، قائلا: "في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين، بدأ ميزان القوى في العالم يتغير، كل دول أمريكا الشمالية كانت متحدة وكان اسمها الولايات المتحدة الأمريكية وبدأت تضعف وتتفكك وتحارب بعض. أمريكا كانت داعما رئيسيا للدولة الصهيونية".

هذه الأحداث التنبؤية أثارت حفظية وزارة الخارجية الإسرائيلية التي أصدرت بيانا تقول فيه: " إن المسلسل أمر مؤسف وغير مقبول على الإطلاق، خاصة بين دولتين أبرمتا اتفاقية سلام معا منذ 41 عاما".

أما مؤلف المسلسل فقد رد على البيان  وزارة الخارجية الإسرائيلي، في مداخلة هاتفية مع قناة «إكسترا نيوز» قائلا: "نقدم عملًا ترفيهيا، وخيالا علميا ويحمل معاني واحتمالات مطروحة طوال الوقت، وذلك تم بعيدًا عن رد الفعل الإسرائيلي الذي لا أهتم به إطلاقًا" معتبراً أن العمل: "أول تجربة خيال علمي في مصر والوطن العربى، وردود الأفعال جيدة، وهناك إشادات واسعة".

أحببت وصف المؤلف لمسلسله بـ "العمل الترفيهي" فكثيرا ما يحتاج المهزومون القابعون في أدنى درجات السلم الحضاري أوهاما ترفيهية من هذا النوع.. وفي أحيان قليلة قد تكون محفزة لدى البعض نفسيا على الأقل.. لكن حبذا لو أمكن التخلص من قتامة أجواء الخيال العلمي الضاغطة على معالجة المسلسل، والاتجاه به نحو الكوميديا.. وربما لو فعل صناع العمل ذلك لكان للترفيه معنى وطعم آخر..

 ولكن السؤال الذي ألح علي فعلا.. هو أزعج المسلسل بالفعل إسرائيل؟ هل أثار الرعب في كيانها؟ ولماذا تتبرع وزارة الخارجية الإسرائيلية بعمل دعاية لمسلسل لن يقدم ولن يؤخر في تحديد مصير إسرائيل أو رسم مستقبلها لا اليوم ولا غدا؟!

اتجار سياسي أم صراخ إيديولوجي؟!

يبدو لي أن كلا الطرفين يحتاجان للعب ورقة العداء والخصام مهما غدا هذا العداء شكليا وهشا ومتعفنا... لكن بعيدا عن حالة التسويق للمسلسل التلفزيوني التي سيحققها مثل هذا السجال.. فإنه لا حدود على الخيال وآفاقه، رغم أن للخيال العلمي كما هو متعارف عليه له قواعد نسبيا، ولكن من الممكن لأي خيال علمي أن يتنبأ بزوال دولة، وتغير موازين قوى، وانهيار قوى عظمى.. وهذا وارد وجائز ومشروع.. شرط أن يكون ذلك قائم على تقديم رؤية سببية قادرة على فهم المعطيات والأسباب مهما بالغت في آفاقها التنبؤية، بعيدا عن حالة الاتجار السياسي والصراخ الأيديولوجي، الذي يلعب بالتناقضات والغرائز وهو يتحدث عن الحقوق التاريخية، بدل أن يحلل الأسباب بجرأة وشجاعة.. فأولى أسباب ضياع الحقوق التاريخية هو تحول العداء لأسرائيل إلى سبوبة للمزاودين والمتاجرين.. وليس عداءً حقيقياً قائماً على إيمان عميق لأناس أو قوى تريد خوض حرب تحرير القدس على أرض الواقع لا على صفحات الجرائد والمواقع أو عبر حلقات المسلسلات التلفزيونية .. ولعل أكثر ما يدعو للأسى اليوم أن من يحملون راية المقاومة المزعومة لإسرائيل هم أكثر من يشترون ويبيعون فيها، وأحط من يتاجرون بمقاومتها، بحيث غدا الشريف يخجل من أن يقول أنا مقاوم كي لا يوصم بعار محور المقاومة وسفالاته! 

بانتظار 2048 

ويبقى السؤال: هل ستزول إسرائيل قبل أن تبلغ عامها المئة أي قبل 2048 كما تنبأ المسلسل.. وهل ستنهار الولايات المتحدة وتتقسم في حين يتحد العرب ويتقدمون؟! أم أنها مجرد أضغاث أحلام لخيال سياسي ترفيهي لا يستند إلى أي معطيات تتصل بأسس الخيال العلمي وآفاقه الحقيقية.. وعلى العكس سيكون القادم المشتهى أسوأ على العرب بما لا يقاس من هذا الزمن الأسود الذي يعيشونه على كافة الأصعدة؟! 

كل هذه الأسئلة، لا أعتقد أن المسلسل سيجيب عليه بل الزمن الذي قال فيه الشاعر يوما: 

"سوف تلهو بنا الحياة وتسخر.. فتعال أحبك الآن أكثر"!  

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات