الحياة لا تزال ممكنة

الحياة لا تزال ممكنة
نصحت منظمة الصحة العالمية الأشخاص من جميع الأعمار باتباع الوقاية اللازمة لحماية أنفسهم من فيروس «كورونا المستجد»، ونفت أن يكون كبار السن الأكثر عرضة للإصابة بهذا الوباء، إلا إذا كانوا مصابين بحالات مرضية سابقة، مثل الربو والسكري والقلب.

والمفارقة أن كبار السن غير مبالين بهذا الوباء إلى حد الهلع، كما يفعل أصحاب الأعمار الأخرى. تقول مديرة دار لرعاية المسنين، في بلدة بوبلينغن الألمانية، إن نزلاء هذه الدار ظلوا يحافظون على رباطة جأشهم إلى حد كبير، «ولا مكان هنا للذعر والفزع اللذين يسيطران على الشعور العام في الفئات الأقل عمراً». أحد هؤلاء النزلاء (89 عاماً) يلخص الموقف بقوله: «لقد بلغت سناً لم أعد أشعر فيها بالخوف من الموت». ولا تختلف مشاعر النساء عن الرجال في هذا الأمر؛ فإحدى الجدات (80 سنة) تؤكد أنها ليست خائفة: «فقد عشت حياتي، وأنا سعيدة الآن بالامتناع عن استقبال الزوار، لأنني لا أريد أن ينتقل المرض إلى هذه الدار».

القصة التالية التي تناولتها الصحف ومواقع التواصل قبل أيام تُلفت النظر إلى قضية إعلامية حساسة. فقد ذكرت وسائل إعلامية أميركية وأوروبية وعربية أن مُسناً إيطالياً استطاع قهر فيروس «كورونا»، رغم عمره البالغ 101 عام، وأنه غادر المستشفى بعد أسبوع من دخوله إليه، متعافياً تماماً. وهو حدث فريد يمنح الناس أملاً جديداً للمستقبل، كما قالت مسؤولة إيطالية، فقد استطاع هذا المعمر الذي أطلقوا عليه اسم «مستر B» هزيمة الفيروس، وهو أمر يثبت «أن الحياة ما زالت ممكنة حتى إن كان عمرك 101 عام»!

ولد «مستر B» في عام 1919 خلال فترة وباء الإنفلونزا الإسبانية، التي أدت إلى موت ما بين 30 إلى 50 مليون شخص في أنحاء العالم. و«مستر B» الذي حقق ما يشبه المعجزة في تغلبه في هذه السن المتقدمة على فيروس «كورونا»، سبق أن نجا من وباء الإنفلونزا الإسبانية الأكثر فتكاً. وهو عاصر كل النكبات تقريباً، مثل المجاعة والأزمات الاقتصادية التي ضربت بلاده، ووباءين عالميين، والحرب العالمية الثانية التي عصفت بإيطاليا وألمانيا في عهدي هتلر وموسوليني. على العموم، فإن إيطاليا تحمل لقب «دولة المتقاعدين» حيث يتزايد عدد المسنين فيها بمعدلات أسرع من أي دولة أخرى.

والقضية الإعلامية الجدلية أن صحفاً وقنوات فضائية كثيرة قالت إن أولوية النجاة من الوباء يجب أن تُمنح لصغار السن، أي أنها تدعو إلى الاهتمام بالشباب والأطفال، وترك المعمرين وكبار السن فوق الستين عاماً يواجهون مصائرهم بأنفسهم! بل إن معظم الأخبار التي نُشرت عن انتصار المُسن الإيطالي على «كورونا» كتبت بلغة تشبه الشجب والتنديد والأسف!

والأدهى من ذلك أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب (74 عاماً) في البداية قاد حملة فاشلة في بلاده تدعو إلى ترك المسنين للموت، من أجل إنقاذ الاقتصاد الأميركي! وجوبهت حملة ترمب لتخويف الناس من الأعباء الاقتصادية تحت شعار «العلاج أسوأ من المرض» برفض واسع، لأنها قضية إنسانية وليست اقتصادية. وظهر عمدة نيويورك أندرو كومو (63 عاماً) شجاعاً، وهو يقول إنه ليس مستعداً للتضحية بأمه، كما أن الآخرين ليسوا مستعدين للتضحية بأمهاتهم أو آبائهم حتى أجدادهم. وأكد أنه لا يمكن قبول فرضية مفادها أن حياة الإنسان يمكن التخلص منها، وأن يضع أحد رقماً بالدولار لحياة الإنسان، لأن الأولوية هي إنقاذ أرواح البشر مهما كلف الأمر، من دون اللجوء إلى «طريقة خرقاء عديمة الكفاءة» تقوم على التضحية بالمسنين، «إنهم كبار السن على أي حال». وسخر كومو من «نظرية» ترمب، وقال إنها «نظرية داروينية حديثة عن الانتقاء الطبيعي».

وسبق للأمم المتحدة أن توقعت ارتفاع عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة من 600 مليون شخص إلى نحو مليار شخص بحلول عام 2050. كما ستزداد أعداد المعمرين في الدول النامية بنسبة 4 أضعاف الأرقام الحالية، وعليها أن تعي بمسؤولية كاملة معنى هذا التحول الديموغرافي الذي يشكل تحدياً غير مسبوق لخلق مزيد من الفرص أمام كبار السن لاستمرار تفاعلهم الإيجابي في دوران عجلة الحياة.

لقد ذهب عهد «دور العجزة»، الذي كانت الدول تتباهى فيه بزيادة أعدادها لاستيعاب أكبر عدد ممكن مما كان يسمى بـ«العجزة»، في إشارة إلى كبار السن. وبعد تصريحات الرئيس ترمب ينبغي على الدول كافة أن تجري تعديلات في دساتيرها ونظمها للرعاية الاجتماعية، ترفض فيها أي شكل من أشكال التمييز على أساس السن. وانتبهت اليابان منذ أكثر من نصف قرن إلى أن أعداد كبار السن فيها تزداد سنوياً بنسب متصاعدة، الأمر الذي دعا إلى المطالبة بالاحتفال بـ«عيد كبار السن» لمداواة جراح السنين. وعموماً، فإن القارة الآسيوية ستصبح بحلول عام 2050 المنطقة التي تضم أكبر عدد من كبار السن، تليها أفريقيا.

وأخيراً، بماذا يختلف الرئيس ترمب بموقفه هذا عن رئيس قبيلة أفريقية، قرر قبل عقود التخلص من كبار السن في قبيلته، بإلقائهم في مستنقعات التماسيح؟!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات