لقد ارتبط اسم رفعت الشقيق الأصغر لحافظ الأسد والمولود في القرداحة عام (1937) بمجزرة حماه في الذاكرة الشعبية والتاريخية للسوريين، كما لم يرتبط اسم آخر بها... ورغم أن أوامر الانتقام من المدينة، وتدميرها، وترويع أهلها، والتفنن في ارتكاب حملة إبادة جماعية لا ترعَى حرمة لحجر أو بشر أو طفل أو امرأة، صدرت فعلياً حينذاك من رئيس الجمهورية، والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة حافظ الأسد... إلا أن اسم رفعت الأسد ظل هو الأكثر تعبيراً، عن تلك الوحشية المروعة التي نفذت بها المجزرة، والتي أراد منها نظام الأسد، أن يجعل حماه أمثولة للانتقام الذي لم يميز بين متمرد ومدني، وبين مسلم ومسيحي، أو إسلامي وشيوعي من أبناء المدينة.
ففي الثاني من شباط/ فبراير عام 1982، كان أهالي مدينة حماه وعلى مدى (27) يوماً، ضرب فيه طوق عسكري كامل حول المدينة، على موعد مع حملة عسكرية انتقامية، قادها العقيد رفعت الأسد الذي عـُيـّن قبل المجزرة بشهرين مسؤولاً عن الحكم العرفي في مناطق وسط سوريا وشمالها، ووضعت تحت إمرته قوة تضم 12 ألف عسكري مدربين تدريباً خاصاً على حرب المدن.
كان الهدف المعلن للحملة، تطهير المدينة من عناصر الأخوان المسلمين الذين قيل إنهم يسيطرون على المدينة.. لكن روايات الشهود، وقصص الناجين من المذبحة كانت تؤكد أن المدينة تعرضت لحملة إبادة جماعية استخدمت فيها سياسة الأرض المحروقة، بشكل لم يعرف تاريخ سورية في كل العصور مثيلاَ له.
فقد تم تطويق المدينة وقصفها بالمدفعية وراجمات الصواريخ، ومن ثم اجتياحها عسكرياً, وارتكبت مجزرة مروعة راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي حماه.. وتشير التقارير التي نشرتها الصحافة الأجنبية عن تلك المجزرة إلى أن النظام السوري منح القوات العسكرية كامل الصلاحيات للانتقام من المدينة وترويعها وتشريد أهلها، وليس العناصر المسلحة التي لم يكن يتجاوز عددها (300) مسلحاً.. ولتفادي الاحتجاجات الشعبية والإدانة الخارجية فرض نظام حافظ الأسد تعتيماً شاملاً على الأخبار، وقطعت طرق المواصلات التي كانت تؤدي إلى المدينة، ولم تسمح لأحد بالخروج منها، ودأبت ماكينته الإعلامية الموجهة على إطلاق الشائعات والأكاذيب... وخلال تلك الفترة كانت حماة عرضة لعملية واسعة النطاق شاركت فيها قوات من الجيش والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع والاستخبارات العسكرية ووحدات من المخابرات العامة والمليشيات التابعة لحزب البعث.
وإلى جانب عمليات التصفية الجسدية الجماعية التي يتحدث عنها الناجون من المذبحة، كان من الواضح أن نظام حافظ الأسد قد أعطى الضوء الأخضر لتدمير اقتصاد حماه بالكامل، وحرمان الحمويين من مدخراتهم، والسطو على ثرواتهم، فصودرت الكثير من الأراضي وهدمت الأحياء والبيوت ونهبت محلات الحمويين التجارية بمباركة رسمية من النظام.. وتحولت المدارس إلى أماكن للاعتقال والتعذيب، وتمت تصفية الآلاف من شباب وأبناء حماه الذين أخرجوا من البيوت، وقتلوا ومثلت بجثثهم أمام ذويهم.. ودفن الكثير منهم في مقابر جماعية، فيما سيق العديد ممن بقي منهم حياً إلى المعتقلات وأبرزها سجن تدمر الصحراوي الرهيب. أما أحياء (الكيلانية) و(البارودية) و(الأميرية) وغيرها والمسجلة في لائحة التراث العالمي، فطمست معالمها التاريخية بوحشية لا مثيل لها، وتحولت إلى أثر بعد عين.
يذكر الصحافي الأمريكي توماس فريدمان في كتابه (من بيروت إلى القدس) الصادر في العام 1989 أن رفعت الأسد، تفاخر في وقت لاحق بالعدد الإجمالي للضحايا وقال إنهم لا يقلون عن 38000 ألفاً... فيما لم تفتح السلطات السورية خلال ثلاثة عقود أي تحقيق مستقل في وقائع وضحايا المجزرة، ومنعت كتب التاريخ ووسائل الإعلام والنشر من ذكر أي شيء عن فظاعتها، سوى إلصاقها بلا أي دليل بـ (عصابات الأخوان المسلمين العميلة) كما درج حزب البعث أن يطلق على حركة الأخوان المسلمين في أدبياته.
إلى جانب اتهامات الإدانة الصارخة بارتكاب المجزرة، يحمل رفعت الأسد في سجله تاريخاً إنقلابياً مليئاً بحركات التمرد التي ساعدت شقيقه حافظ الأسد على الاستيلاء بالقوة على السلطة في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 فيعد تخرجه من الكلية الحربية عام 1963 بسنوات، شارك في انقلاب 23 شباط 1966. كما ساهم في انقلاب ما يسمى قامت (الحركة التصحيحية) عام 1970 التي قادها شقيقه، وقام باعتقال أعضاء القيادة القطرية ورئيس الجمهورية وزجهم في السجون بأمر من أخيه... وفي حزيران عام 1980 اتهم بالمسؤولية المباشرة عن مجزرة سجن تدمر، التي جاءت ردا على محاولة اغتيال حافظ الأسد، فقامت ميليشيا (سرايا الدفاع) الطائفية التابعة له، بتنفيذ مجزرة جماعية بحق أكثر من (900) سجيناً، هم في العرف القانوني (سجناء عزل) الدولة مؤتمنة على الحفاظ على أرواحهم وتقديمهم إلى محاكمة عادلة، لكنها غدرت بهم وتحولت إلى ميليشيا إرهابية قامت بتصفيتهم جماعياً.
حاول رفعت الأسد أن يقود محاولة إنقلابية لعزل شقيقه حافظ الأسد إثر دخوله في غيبوبة مرضية عام 1984، وقد تطور الأمر إلى نزاع بين القوات التابعة له، قال عنه وزير الدفاع مصطفى طلاس في كتاب منشور وتم سحبه من الأسواق، إنه كان يهدد بإحراق العاصمة دمشق، إلا أن حافظ الأسد، تمكن من احتواء الأمر، وقام بإرغام شقيقه على مغادرة سورية بعد إعطائه مبلغا كبيرا من المال، تكفل الزعيم الليبي معمر القذافي حينذاك بدفعه، بسبب خواء خزينة الدولة من السيولة النقدية المطلوبة.. ليقيم بعد ذلك في منتجعه الخاص في (ماربيا) بإسبانيا.
وجه رفعت الأسد بعد توريث بشار الأسد رسائل احتجاجية عبر القناة التلفزيونية التي كان يملكها نجله سومر في لندن (A.N.N)، انتقد فيها ضمناً، استمرار إبعاده عن السلطة، وتحدث عما قال إنه (إيقاع من قبل بعض المغرضين بينه وبين ابن شقيقه)... إلا أن هذه الرسائل لم تسفر عن أي شكل من أشكال عودة لرفعت الأسد إلى ممارسة السلطة... وخلال الثورة الحالية ضد بشار الأسد، قوبلت طروحات رفعت بتقديم نفسه كشكل من أشكال الحل، باستهجان ورفض كافة أوساط المعارضة والثوار الذين تذكروا ما يقولون إنه (سجل إجرامي أسود) تبقى حماه واحدة مما يؤكدون أنها (جرائمه التي لا تنسى)!
التعليقات (17)