الصفر التاريخي.. الإمام الحسين قتل مرتين!

الصفر التاريخي.. الإمام الحسين قتل مرتين!
الصفر التاريخي بالنسبة لي كعراقي هو موقف في أعماق التاريخ تذهب إليه مجموعة من الناس لتغيب فيه ناسية بعدها العودة إلى الزمان الذي تحركت منه. وهو عندي هنا - أي الموقف- من استشهاد سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب.

وأرى أن الإمام الحسين قد قتل مرتين، مرة على يد "يزيد" ومرة على يد كل من حاول أن يجعل من قضية استشهاده مناسبة للبكاء والنحيب متجاوزا العبر العظيمة لمعركة الاستشهاد. وأرى أن شر القتلتين هي القتلة الثانية، ففي حين استطاعت القتلة الأولى أن تنهي جسد الحسين فإن القتلة الثانية حاولت وتحاول أن تقضي على روحه وتسلب منه معنى البطولة والاستشهاد لتحوله إلى مجرد مظلوم مسكين ومستحق للرثاء!.

وأتساءل، كيف يمكن لشعب أن يجلد نفسه ويعاقب ذاته بالطريقة التي يفعلها الكثير من شيعة هذا اليوم ؟!

وأجزم أن الأمر لا يخلو من تخطيط متعمد هدفه تعطيل شعب وبلد بكامله وإخراجهما كاملا من مسيرة التاريخ إلى حيث يعيش الماضي بكل تفاصيلة المؤلمة، والتي أشدها إيلاما هي تلك التي تتجلى من خلال عملية خطف شعب بكامله، وإيداعه في زمان لا يمكن العودة عنه، وفي مكان لا يمكن الخروج منه.. إنه مكان وزمان الصفر التاريخي، حيث لا شيء قبله ولا شيء بعده، وحيث كل زمان هو عاشوراء وكل مكان هو كربلاء.

جلد الذات

وفي تلك المساحة، مساحة الصفر التاريخي، قُدِر لهذا الشعب أن يبقى باكيا لاطما يمتهن الحزن ويتجرع مرارة الخذلان، جالدا ذاته، وملطخا جبهته بوحل جريمة أقنعوه زيفا بأنه كان ارتكبها، وإن كثيرا من القوى كانت ساهمت في صنع هذه المؤامرة، نعم المؤامرة!.

هناك منابر البكاء واللطم التي ترتزق من دم الحسين وتتاجر به وترى أن استمرارها مرتهن فقط بقدرتها على أن تلقي القبض على الشعب في مساحة الصفر التاريخي تلك لتبقيه هناك يبكي خذلانه للحسين متحولا إلى شعب مسكون ومعطل بعقدة الذنب.

وهناك أيضا الكثير من رجال الدين المعممين الذين يساهمون بأشكال مختلفة في بقاء الشيعة في منطقة الصفر التاريخي لأن خروجهم منها يعني إمكانية خروجهم على الطاعة الكهنوتية التي تؤدي شيئا فشيئا إلى تراجع دولة الحوزة لصالح دولة الوطن.

ولقد ظلت منطقة الصفر التاريخي هي المنطقة المفضلة لدى صفوي الفرس، ففيها أيضا ومن خلال ثقافتها تجري العودة الواضحة لرد الصاع صاعين لمن هدموا الإمبراطورية الفارسية، وإن ما تهدم بعناوين إسلامية تتم اليوم إعادة بنائه بذات العناوين، "وواحدة بواحدة" ، أو على قول الأخوة المصريين (كان غيرك أشطر).

شيعة إيران!

وإن كان شيعة إيران يشاركون أقرانهم طقوس الحزن على الخفيف فهم لا يشاركونهم أبدا عقدة الذنب التي ترهق التاريخ والإنسان العراقي ولا يمارسون عقوبة جلد الذات تكفيرا عنها، ولا يشغلون أنفسهم في البحث عن قاتل الحسين من بين صفوفهم أو على أراضيهم.

وبنفس اتجاه الحديث يمكن أن يطبق على الصهاينة والغرب وكل من له مصلحة في بقائنا في منطقة الصفر التاريخي.

واليوم فإن هذه المنطقة بدأت تضيق الخناق على شيعة العراق، ومن خلالهم على العراق جميعه، بعد أن تهيأت لقوى الإسلام السياسي الطائفي فرصة الاستيلاء على السلطة وبعد أن تبين تماما أن هذه الأحزاب لا تملك ثقافة خارج منطقة الصفر تلك. 

كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء!

وبدلا أن تكون مناسبة عاشوراء "عشرة أيام في السنة صار كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، فما تنتهي مناسبة حتى تأتي أخرى لأن المطلوب أن تتسع دائرة الصفر التاريخي لكي تكون هي كل الأزمنة وكل الأمكنة.

فبالأمس سهل أمر الهيمنة على الشعب الصيني العظيم حينما أغرقوه بالحشيشة والأفيون، ويوم أن شاء ماوتسي تونغ أن يعود بشعبه إلى الحياة مرة أخرى صارت مهمته الأولى أن يخرجه من منطقة الصفر التاريخي حيث جرى تخديره وتعطيله.

وأما العراق فليس بمقدوره العودة إلى عافيته ما لم يخرج الشيعة من منطقة صفرهم التاريخي، تاركين جلد الذات تكفيرا عن جريمة لا علاقة لهم بها.

وحينما يعودون عن تلك المنطقة سيكون أثمن ما يحملوه معهم قصة رجل عظيم استشهد على أرضهم ودفع دمه ودم أهله وصحابته دفاعا عن موقف أخلاقي وسيكونوا قادرين على احترامه لو أنهم ارتقوا لمستواه بالعمل والأخلاق والصدق والأمانة والنزاهة لا بالنحيب وجلد الذات ومبايعة اللصوص ودجالي الطائفية اللعينة ودعاة ثقافة الصفر التاريخي.

كاتب عراقي شيعي 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات