عودة داعش: خطر حقيقي أم مزعوم؟

عودة داعش: خطر حقيقي أم مزعوم؟
في تقرير جديد، حذر البنتاغون الأميركي من احتمال عودة بروز تنظيم داعش في سوريا والعراق، بل وسيطرته على مدن رئيسية بصورة مباغتة، في حال انسحبت القوات الأميركية من البلدين. يثير هذا التحليل الدهشة والتساؤلات لأنه يأتي بعد أقل من ستة أشهر على إعلان هزيمة التنظيم بصورة تامة من مدينة الباغوز في سوريا. فهل يعقل أن يستجمع التنظيم قواه خلال ستة أشهر فقط، وذلك في أعقاب حرب طاحنة ضده استمرت نحو خمس سنوات وشاركت فيها عشرات الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة؟

انطلاقا من ذلك، شكك البعض بتقرير البنتاغون واعتبره تضخيما للخطر الذي تشكله بقايا التنظيم وذلك من أجل ثني الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن قرار مغادرة سوريا، وهو قرار إشكالي واصل مداعبة خيال ورغبات الرئيس الأميركي رغم تأكيدات وزارة الدفاع والاستخبارات، مرارا وتكرارا، أن عواقبه ستكون وخيمة. ومع استعداد ترامب لخوض غمار الحملة الانتخابية لرئاسة البيت الأبيض بعد أشهر قليلة، ربما يكون تقرير البنتاغون وسيلة ضغط جديدة لمنع الرئيس الأميركي من إدراج مسألة الانسحاب من سوريا ضمن أوراق حملته الانتخابية. كما أن من مصلحة الولايات المتحدة وحليفها المحلي على الأرض، قوات سوريا الديمقراطية، المبالغة بمدى الخطورة التي يشكلها التنظيم في محاولة لترهيب السكان المحليين، والعرب خصوصا، بعد مظاهرات مستمرة طوال الأشهر الماضية طالبت بتحسين الخدمات العامة ورفع مستوى المشاركة السياسية في مراكز صنع القرار التي يسيطر عليها الأكراد.

ولكن كون الحديث عن إمكانية عودة التنظيم يخدم مصالح كل من وزارة الدفاع والاستخبارات الأميركيتين وقوات سوريا الديمقراطية، لا يعني ذلك أن التقديرات غير صحيحة. تبقى الحقيقة أن تنظيم داعش لم يهزم بعد خسارته لـ”الخلافة” المزعومة التي أقامها عام 2015، وإنما انسحب إلى مناطق نائية وأعاد تنظيم قواته. لقد قدر معهد دراسات الحرب في أغسطس من العام الماضي أن لدى تنظيم داعش نحو ثلاثين ألف مقاتل في كل من سوريا والعراق. ويعتبر هذا العدد من المقاتلين ضخما للغاية ويفوق بثلاث مرات عدد المقاتلين في صفوف تنظيم القاعدة في العراق عام 2011، عندما انسحبت الولايات المتحدة وفتحت الطريق لعودة التنظيم بنسخته الجديدة: الدولة الإسلامية في العراق.

انطلاقا من أعداد المقاتلين المتواضعة عام 2011، وفي ظل أوضاع محلية أكثر استقرارا منها اليوم، استطاع التنظيم السيطرة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا في غضون ثلاثة أعوام. هكذا يبدو معقولا أن تتمكن خلايا التنظيم المتبقية اليوم من استعادة القدرة على الهجوم والسيطرة على عدد من المدن في سوريا والعراق حال مغادرة القوات الأميركية.

وفضلا عن الأعداد الكبيرة من المقاتلين المتاحة للتنظيم، تسود مناطق شمال سوريا اليوم أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية مواتية لعودة داعش. فبعد سنوات طويلة من الحرب، تفتقد تلك المناطق إلى الحد الأدنى من الخدمات وتراجعت فيها ظروف الحياة الكريمة إلى مستوى غير مسبوق. وتعجز الإدارة الذاتية، المدعومة من الولايات المتحدة، عن التعامل مع هذا التحدي الذي يحتاج إلى مؤسسات دولة تمتلك القدرات والموارد والخبرات الكافية، وهو ما تفتقده القوات الكردية. كما يتطلب تقليص معاناة السكان الاقتصادية تدفق المساعدات الدولية التي تغيب اليوم بسبب الغموض الأمني الذي يحيط بمستقبل مناطق شمال البلاد.

يدفع هذا الوضع البائس بنسبة كبيرة من السكان المحليين دفعا نحو تنظيم داعش. ولا يؤدي ذلك إلى زيادة قدرة التنظيم على تجنيد الشباب فقط، وبالتالي تعزيز قدرته على تنفيذ هجمات متفرقة في نفس الوقت، بل يساعده أيضا على اختراق المجتمعات المحلية والحصول على معلومات حساسة حول عمل وأماكن تمركز أعدائه.

توفرت تلك الظروف في العراق عام 2011، إذ ساعد الإقصاء السياسي وتدهور الظروف الاجتماعية ضمن البيئة السنية خلال سنوات حكم رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي على بروز بيئة خصبة لنمو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. ما يحدث اليوم هو أن التنظيم الإرهابي لا يبدأ من الصفر، كما حدث عام 2011، وأن الظروف الاقتصادية والاجتماعية ومستويات الاضطهاد السياسي والتوتر الإثني والطائفي باتت أعلى بصورة ملحوظة عما كانت عليه في الماضي. تجعل كل تلك التطورات من عودة داعش إمكانية قائمة، بل ومرجحة، سواء غادرت القوات الأميركية أم بقيت.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات