لماذا يغيب ملف المعتقلين عن اجتماعات أستانا؟

لماذا يغيب ملف المعتقلين عن اجتماعات أستانا؟
كما هي العادة، يغيب ملف المعتقلين السوريين داخل سجون نظام أسد عن مباحثات "أستانا" بنسخها الثلاث عشرة، ولا يُذكرون إلا في البيان الختامي لكل اجتماع دون النظر في ملفهم الشائك والأكثر أهمية في القضية السورية، ومع مرور الزمن يُحاول نظام أسد وأجهزته الاستخباراتية التملّص رويداً رويداً من هذا الملف عبر طرقٍ عدة، في غفلةٍ من المجتمع الدوليّ والمُفاوضين في أستانا.

وخلال الأعوام الثمانية الأخيرة، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الانسان اعتقال أكثر من 128 ألف معتقل بينهم ما يُقارب 95 ألف مغيّب قسرياً لا أحد يعلم عنهم شيئاً، ورغم أن الحقوقيين السوريين أشاروا إلى أن أعداد المعتقلين هو أكثر من ذلك بكثير ويفوق الربع مليون معتقل، إلا أن هذه الملف هو أضعف الملفات المتداولة على طاولات التفاوض.

تحويل الملف إلى مُبادلات

جرى قبل انعقاد مؤتمر "أستانا 13" بيومين، تبادل للأسرى بين الجيش الوطني الحر وميليشيا أسد شمال حلب، وكان مجموع أسرى الطرفين ما يُقارب الثلاثين معتقلاً، وبارك البيان الختامي لمؤتمر أستانا هذه العملية ودعا لتكرارها، ناسين أن لدى ميليشيا أسد آلاف الأضعاف داخل سجونهم بعكس فصائل الثوار.

وبجانبه، اعتبر القاضي عبد الله حمادي أن ملف المعتقلين والمغيّبين قسرياً قد تحوّل إلى ملف مبادلات بسيطة برعاية الضامنين لأستانا، وقال حمادي لأورينت نت "من المؤسف أن يتحول ملف المعتقلين بعد كل ما عانوه من ويلات الاعتقال والاختفاء القسري، إلى ملف مبادلات بعشرات المعتقلين والمحتجزين حديثا برعاية الضامنين لأستانا وبتعنّت من نظام أسد، وبالتالي اختزال قضية تهمّ مئات آلاف العوائل السورية ببضعة مبادلات إفرادية عند معابر الفصائل وميليشيا أسد".

ورأى حمادي أن "نظام أسد وأجهزته المخابراتية تمكنّوا من تحويل هذا الملف عبر اجتماعات أستانا إلى ملف ثانوي لا يحضر إلا بالبيانات والمؤتمرات الصحفية، حتى أن البيانات الختامية باتت تُسمّي المعتقلين بالمحتجزين وهذا مخالف قانونياً، وخاصة أن غالبية المعتقلين هم من المختفين قسرياً ولا يعلم بمكانهم أحد، وأغلب من يُفرج عنه عبر المبادلات هم من ذوي الاعتقال الحديث وليس لهم علاقة بالثورة السورية".

وأوضح عضو نقابة المحامين الحرة، المحامي ياسر بطّال لأورينت نت أن أسلوب نظام أسد بالتلاعب في هذا الملف من هذه الناحية بقوله، "تهرّب نظام أسد من مداولات ملف المعتقلين في أستانا وغيرها من المحافل الدولية والحقوقية، عبر استخدام قوائم أسماء محدودة لمن هم معتقلون حديثاً لمبادلتهم مع بعض الفصائل الثورية وبرعاية من الضامنين لأستانا وبإشراف بعض المنظمات الانسانية، ولذلك نجد أن غالبية الأسماء المُفرج عنها هم من حديثي الاعتقال ومعظمهم إما طلاب جامعات أو موظفين تمّ اعتقالهم على حواجز أجهزة المخابرات لمثل هكذا مبادلات".

حماية روسية وعدم مسؤولية دولية

وأشار المحامي بطّال إلى أن، "روسيا وايران هما ضامنان لاجتماعات أستانا وهم نفسهم يحمون الأسد بالتهرّب من ملف المعتقلين، كوْن هذا الملف هام وشائك جداً وله تأثيره القانوني والدولي على نظام أسد، وكشف اللثام عن أفظع نظام ديكتاتوري في العالم بالإضافة لأن هذا الملف هو أحد أهم أسلحة نظام أسد المستخدمة على المجتمع السوري".

وبنفس الإطار، قال رئيس الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين، المحامي فهد الموسى لأورينت نت، "نظام أسد يتهرّب من مناقشة ملف المعتقلين في كافة الاجتماعات الدولية ويُماطل فيه، وبما أن ملف المعتقلين هو أحد أهم مفاتيح الحل السياسي لذلك نجد روسيا تحمي الأسد بهذا الملف لتُطيل أمد الحرب وعدم تحقيق الحل السياسي العادل في سوريا".

وصبّ الموسى جاب غضبه على المجتمع الدولي بسبب المماطلة والتهرّب من إثارة ملف المعتقلين السوريين لدى سجون مخابرات أسد، وتابع حديثه قائلاً "القضية السورية برمّتها تخضع لتجاذبات وتفاهمات دولية، وملف المعتقلين منها ولهذا تم ترحيل هذا الملف 13 جولة من جولات أستانا دون التطرق له، وكأن المجتمع الدولي من روسيا والأمم المتحدة يُريدون تحويل قضية المعتقلين من قضية انسانية إلى قضية رهائن بشرية مقابل تنازل الشعب السوري عن حقوقه ".

وزاد على ذلك، الناشط الحقوقي أسامة السبع والعامل ضمن منظمة محامون لأجل العدالة بقوله لأورينت نت، "تملّص نظام الأسد من التزاماته القانونية في ملف المعتقلين وذلك عبر حماية روسية له، وبسبب تخاذل المجتمع الدولي الذي يدّعي الإنسانية زوراً وبُهتاناً، والدليل على فشل المجتمع الدولي بهذا الملف هو الضابط المنشقّ عن مخابرات الأسد والذي حمل معه آلاف الصور لمعتقلين مقتولين تحت التعذيب داخل سجون الأسد، ولكن المجتمع الدولي لم يُحرّك ساكناً حتى اللحظة".

ونوّه السّبع إلى أن، "نظام أسد يقوم خلال الأشهر الأخيرة بإرسال شهادات وفاة لذوي المعتقلين تتضمن وثيقة وفاة المعتقل لأسباب مجهولة ودون تسليم الجثة لذويها مخالفاً بذلك كل المعايير القانونية والمدنية، وكل ذلك من أجل التملّص والتهرّب من ملف المعتقلين والمختفين قسرياً بإبراز شهادات وفاتهم حين المُطالبة بهم من قبل المنظمات والجهات الحقوقية".

لجان ومُفاوضون فاشلون

وبسياق مختلف، رأى القاضي حمادي أن اللجان المنبثقة عن اجتماعات أستانا والمُفاوضون التابعون للمعارضة السورية فاشلين جداً لعدم درايتهم بمثل هذا الملف والإلمام بكل حيثياته، وقال حمادي "لقد أوسد الأمر لغير أهله في مثل هذا الأمر، فلا اللجان المنبثقة هي ذات أهليّة قانونية متمكنة ولا المعارضة السورية المعنيّة بالتفاوض بهذا الملف هم من ذوي الخبرة القانونية التي تمكّنهم من الحديث والتفاوض باسم عشرات آلاف المعتقلين".

وشدّد حمادي على أن، "غالبية وفود المعارضة السورية ووفود نظام أسد خلال اجتماعات أستانا الثلاثة عشر، كانت شبه خالية من الحقوقيين المعنيين بجرائم أسد فيما يتعلق بملف المعتقلين والمختفين قسرياً وتعذيبهم، ولذلك سيتم ترحيل هذا الملف من اجتماع لاجتماع والاكتفاء بتذييل بيانات أستانا بذكر اسم المعتقلين، والمرور عليهم مرور الكرام دون تحقيق أية نتائج مُرضية بهذا الملف".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات