وإذ أعود إلى ذكرى هاشم الأتاسي هذا الرجل الوطني، فلأني أراه كحمص اليوم تماما، يقدم ما دام قادرا على العطاء لكنه لا يخون وطنه أبدا.
وأنا أقرأ مقالتك يا نذير (حمص عاصمة النظام) وما قلته فيها من أن النظام استطاع التغلب وبذكاء بالغ على الأسطورة الحمصية في قيادة الثورة التي كانت وقوداً لبقية المدن والقرى، وأن لعبة المنطقة المحاصرة في حمص، استطاع النظام ممارستها بدهاء .... و أن حمص اليوم أصبحت مرتعا للجواسيس و المخبرين من أبناء العوائل المرموقة وأبناء ضعاف النفوس و الفقراء.. شعرت أنك تتحدث عن حمص أخرى، لم أسمع بها!
استفزني كلامك لأقول لك عن أي ذكاء و دهاء تتحدث يا صديقي, و هل قتل البشر وتدمير الحجر بوحشية وبلا أي خط أحمر أخلاقي أو لا أخلاقي هو (ذكاء؟) ام أن رمي البراميل المتفجرة يحتاج لدهاء وعبقرية؟!!
حمص التي وصفتها بعاصمة النظام هي اكثر ما يكره النظام اليوم لأنها وقفت وحيدة بوجهه لمدة تزيد عن سبعة أشهر لم نكن نسمع أي خبر إلا عن بطولات أبنائها وصمودهم حتى منحها السوريين أنفسهم لقب (عاصمة الثورة) ووقفوا معها و ألتحقوا بها.
حمص... بابا عمرو والخالدية و القصور وجورة الشياح وباب السباع والحميدية المدمريين بشكل كامل مع رضى أهلهم و قناعتهم أن الحرية لا تقدر بثمن.
حمص التي قدمت خيرة شبابها ورجالها على مذبح الحرية السورية بصمت الرجل المؤمن بالله و بالنصر لم تطلب من أخواتها في دمشق وإدلب و درعا و حماه وكل المدن الثائرة أكثر من طاقاتهم و لم تكلفهم اكثر مما يتحملون.
حمص أم الشهداء الصامتة التي تختزل في قلبها وجع العالم كله وخذلانه.
حمص قلب سورية النابض كرامة و حرية الذي لن يتوقف يوما عن ضخ الحب لكل الوطن.
حمص يا صديقي تشبه كثيرا الشهيد الذي زين إسم مدرستنا الثانوية (عبد الحميد الزهراوي) أحد زعماء النهضة السياسية السورية ومفكريها الذين علقوا على حبل المشنقة ولم يرضوا إلا أن يكونوا سوريين أحرار.
قد أوافقك الرأي أن هناك أخطاء من البعض ولكن من قال أنها ثورة ملائكة.
صحيح أن أغاني الساروت توقفت و لكن صوت رصاصه مازال مستمرا أمام نظام لا يسمع إلا لغة القوة و الرصاص.
كتائبنا محاصرة بلا ذخيرة أو دعم تقاتل منذ سنة و نصف أعتى مجرمي الأرض امام عالم متخاذل بلا ضمير ... لذلك سنسامحها إذا أخطئت قليلا وسنقف معها دائما... هاهمّ يتوحدون في ريف حمص الشرقي لأنهم ادركوا أن حمص اليوم تقف على مفترق طرق اما عاصمة الثوره واما مدينة ملوثة ببقايا النظام... ولا مجال للشك أن مدينة إبن الوليد لم ترضخ في تاريخها و لن ترضخ.
ما يرويه التاريخ عن حمص والحمصيين أصدق من كلامي، ويعود إلى ما قبل 3285 سنة تقريبا، الى عام حاول فيه الفرعون رمسيس الثاني أن يخضع لسيطرته بلاد الشام فكان له ما أراد حتى وصل الى حمص، وبجوارها تهاوت أحلامه حين جرت "معركة قادش" التاريخية الشهيرة, وانتهت بهزيمة رمسيس وتراجعه مكتفيا بالقسم الغربي من بلاد الشام، مع حسرة تركتها حمص في قلبه فبقيت مستقلة ولم تخضع لجيشه أبدا.
بعد رمسيس جاءها الاسكندر المقدوني فحاصرها ولم يستطع دخولها في العام 331 قبل الميلاد إلا بتفاهم مع أهلها ومن دون قتال.
ثم زارها أيضا هولاكو بعد إخضاعه لحلب، راغبا بإخضاعها، لكن أجدادنا في حمص جعلوه يذوق طعم الهزيمة.
وفي زمن العثمانيين ثارت وتمردت أيضا لنيل الحرية من سياسات التتريك والطغيان التي اعتمدها الأتراك في أخر عهدهم.
وبعدهم ذاق الانتداب الفرنسي بدءا من 1920 طعم التمرد الحمصي أيضا، فسقط من أهلها العشرات قتلى في ثوراتها المتتالية على المستعمرين.
مدينة لم ترضخ لكل هؤلاء الجبابرة الحقيقيين كيف سترضخ لنظام آفن لا يقوى على دخول مدينتها القديمة منذ أكثر من تسعة أشهر... وكيف سترضى بلقب عاصمته... يا صديقي؟
أهلنا الطيبون هناك في المناطق الصامتة بلا كهرباء ولا ماء... هم بركان ليس بخامد أبدا، بل سينفجر بأي لحظة لأنهم ذاقوا مرارة من لم يتعلم حمل السلاح بوجه من أعد نفسه وذخيرته على مدى 40 سنة من الحقد ليبقوا على دماء وطن لم ينتموا يوما لحضارته...
نعم يا صديقي حمص متعبة.. منهكة.. لكنها لم تكن يوما عاصمة النظام القاتل ولن تكون... لأنها ستعود عاصمة العزّ والحرية قريبا إن شاء الله وسيثبت التاريخ أن القلوب الكبيرة وحدها تصنع التاريخ.
مواضيع ذات صلة:
التعليقات (7)