أسباب ونتائج تراجع الدور الغربي في سوريا وانعكاسه على توسّع نفوذ روسيا وإيران

أسباب ونتائج تراجع الدور الغربي في سوريا وانعكاسه على توسّع نفوذ روسيا وإيران
قيّدت الدول الغربية نفسها منذ بداية الثورة السورية قبل 8 سنوات بنسيج من التفاصيل صعّب على عواصم تلك الدول الخروج بمواقف تسهم في حسم المأساة السورية، ما فتح الباب واسعاً لنظام الأسد ولاحقاً حلفائه للإمعان في العمليات الإجرامية تجاه من حمل لواء الثورة ضد حكم الأسد الديكتاتوري.

ليس من السهل حصر المواقف الغربية تجاه الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في سوريا -هي كثيرة جداً من دون فاعلية بحسب معظم السوريين- فقد صدرت من منابر المسؤولين الغربيين على مدار السنوات الماضية أصوات عالية جداً ضد الأسد لكنها ومن دون أدنى شك، أثبتت عجزها بالمقاييس كلها في لجم نظام الأسد وإيقاف حمام الدم وإيجاد حل لإخراج المعتقلين وعودة اللاجئين وطرد الميليشيات وحل عشرات الملفات.

ولعل أحدث تلك المواقف هو ما سمعه السوريون في الساعات الأولى لدخول ثورتهم عامها التاسع وتجلّى هذا الموقف في تأكيد كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا بالإضافة إلى أمريكا، على عدم تقديمها أي دعم أو مساعدة لإعادة الإعمار في سوريا إلى حين البدء بعملية سياسية موثوقة وشاملة وحقيقية بشكل لا رجعة فيه.

إدارة الرأس

برز التراجع الغربي من الأحداث في سوريا بشكل واضح مع بدء التوغل الإيراني والروسي عسكرياً في سوريا، ومع مواصلة طهران بالتمدد عسكرياً ومذهبياً واقتصادياً في المدن السورية بتوافق مع موسكو بدت رؤوس المسؤولين الغربيين بالتلفّت والاستدارة نحو الولايات المتحدة الأمريكية التي يسيرون في ركابها والتي على ما يبدو أكدت إداراتها الحالية بقيادة ترامب -إلا من بعض العقوبات- نهج سلفه أوباما الذي يُجمع عدد كبير من المراقبين على أنه غض الطرف وأدار الرأس منذ البداية عن مخططات موسكو وطهران في سوريا.

التبعية لأمريكا

يتفق الدكتور في الفلسفة السياسية بجامعة باريس رامي الخليفة مع المحلل السياسي حسن النيفي في أن الأساس بالتراجع المتواصل للموقف الغربي في سوريا يكمن في التبعية لأمريكا من جهة المواقف الحاسمة. مؤكدان أن هذا الأمر أسهم في زيادة نفوذ إيران وروسيا في الملف السوري، وعدّد كل من الخليفة والنيفي في هذا الباب نقاط عدة تبرهن على أن التراجع الغربي في سوريا ليس بجديد وأن الدول الغربية لا تستطيع الخروج من العباءة الأمريكية في هذا الملف.

ويؤكد الخليفة لأورينت نت أن الدور الغربي في الملف السوري لم يكن فاعلاً منذ البداية، لأنه كان يقع تحت ما تتيحه الولايات المتحدة الأمريكية التي سيطرت على الملف منذ بدء الثورة السورية، مشيراً إلى أن التفاهمات الروسية الأمريكية هي التي حجّمت إلى حد بعيد الدور الغربي في سوريا مما أسهم في توسع النفوذ الإيراني وأيضاً النفوذ الروسي بسبب السياسة غير الواضحة للإدارة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما. 

وأضاف قائلاً  "كان دورو أوروبا محدوداً وبقي كذلك وعليه فإن التراجع الغربي في الملف السوري كان بقيادة الولايات المتحدة وليس بقيادة الدول الغربية".

بدوره، أرجع النيفي تلاشي دور الغرب في الشأن السوري إلى مسألتين، الأولى تتعلق بالتبعية الأوروبية التقليدية للموقف الأمريكي، ذلك أن الأوربيين لم يكونوا أصحاب موقف قائد في قضايا الشرق الأوسط في التاريخ الحديث، وحين وجدوا أن القضية السورية ليست أولوية أمريكية، وأن إدارة أوباما أطلقت يد الروس في الشأن السوري، حينها لم يعد بمقدور الموقف الأوروبي أن يكون منافساً للدور الروسي.

أما الثانية فتتعلق بحسب النيفي الذي تحدث لأورينت نت، بقدرة نظام الأسد والروس معاً على تعزيز القناعة في أذهان المجتمع الدولي بأحقية نظام الأسد بمقاتلة الإرهاب، علماً أن الحكومات الغربية ذاتها تعلم مدى استثمار الأسد للإرهاب في سوريا، وأنه من أكبر المستفيدين من وجود "الفصائل الجهادية".

دور الغرب حالياً

يرى الخليفة أن هنالك عدة أمور تقع حالياً في حسبان الدول الغربية فيما يتعلق بالملف السوري، كالمخاوف الأوروبية والعمل على إزالتها وتترجم هذه الحاجة في الخشية من ازدياد موجة اللاجئين. حيث استطاعت أوروبا عقد اتفاق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعطي بموجبه تعويضات لتركيا لكي تمنع اللاجئين السوريين من العبور إلى أوروبا.

ويضيف أن الثاني، هو مكافحة الإرهاب حيث أن أوروبا منخرطة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وبالتالي قضية الإرهاب وقضية اللاجئين هما الهم الأساسي بالنسبة إلى الأوروبيين، ولفت الخليفة إلى وجود تحركات غربية أخرى في الملف السوري كـ الحل السياسي في سوريا. لكنه أكد أن هذه التحركات غير مؤثرة إذا ما قورنت بتحركات الولايات المتحدة والدول الضامنة لاتفاقات أستانا (تركيا، روسيا وإيران).

أما النيفي، فيعتقد أن لادور حالياً للغرب في سوريا وليس من أولوياته إيقاف الحرب هناك ولجم آلة القتل الروسية والإيرانية، وقال "في الوقت ذاته مازالت الدول الغربية تدعم القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، كما تدعو إلى إيجاد حل سياسي، إلا أن الأوربيين حتى الآن ليسوا أصحاب مبادرة، بل يقتفون آثار الموقف الأمريكي، الذي مازال بدوره شديد الاضطراب، وخاصة في ظل الخطوات الارتجالية لترامب".

النظرة تجاه روسيا وإيران

في هذا الإطار يتابع النيفي، أن الموقف الأوروبي بظاهره يبدو رافضاً للتوغل الإيراني في سوريا، لكنه أكد أن الغرب لا يملك الآليات ولا الوسائل التي تمكّنه من إخراج إيران، بسبب الارتباط العضوي بين نظام الأسد وطهران، ولأنّ الأوروبيين يعوّلون على الموقف الأمريكي في هذا الصدد، علماً أن استراتيجية ترامب لمحاربة النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل عام، يشوبها الكثير من الريبة وعدم المصداقية.

ولفت إلى أن التناغم الروسي الأمريكي حول سوريا بدأ بالترجمة الفعلية منذ صفقة الكيمياوي بين بوتين وأوباما عام 2013 ، حين سكت الأمريكان عن معاقبة نظام الأسد جراء استخدامه السلاح الكيمياوي في الغوطة الشرقية، واكتفى أوباما آنذاك بتجريد الأسد من ترسانته الكيمياوية، وقال النيفي معلّقا على هذا التناغم "إن بوتين لم يكن ليتدخل بقوة في أواخر أيلول 2015 ، لولا استشعاره بقبول أمريكي".

ويتفق الخليفة مع النيفي في أن التدخل الروسي في سوريا جاء بالتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية ويعتبر أن هذا التدخل جاء إما بضوء أصفر أو أخضر من الإدارة الأمريكية السابقة كما أنه اعتبر أيضاً أن التدخل الإيراني لم يكن عليه اعتراض غربي لأنه -والحديث هنا عن الغرب- لم يتحرك على إثره عسكرياً ولأن المصلحة كانت تقتضي بقاء نظام بشار الأسد.

وأضاف قائلاً "لاحقاً عندما قويت شوكة النظام أصبح هناك اعتراض غربي على هذا التدخل الإيراني رافقه ضغط من أجل إخراجها عسكرياً بمعنى إخراج ميليشياتها أو الخروج السياسي وعدم المشاركة في صياغة الحل السياسي في سوريا".

 

وحول ما إذا كانت هناك وسائل ممكن أن تضغط من خلالها الدول الغربية على روسيا وإيران أكد النيفي أن أهم وسيلة ضغط يملكها الغرب ضدّ موسكو هي امتناعها عن المساهمة في إعادة الإعمار من دون الوصول إلى حل سياسي مقبول لدى السوريين، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب على حكومة بوتين، أما بالنسبة إلى إيران فاعتبر أن الرغبة الجدية بإخراج إيران من سوريا تبدأ بالتفكير الجدي بإزالة نظام الأسد، وهذا التفكير مازال بعيداً في الوقت الراهن عن أجندة الحكومات الغربية. 

تمدد متواصل

وفي ضوء تذبذب المواقف الغربية وتراجعها إلى جانب ضبابية السياسة الأمريكية حيال الملف السوري، تواصل إيران التمدد عبر ميليشياتها في الجغرافية السورية على عدة أصعدة أبرزها مذهبياً. 

فبعد أن هدأت المعارك التي تشارك فيها هذه الميليشيات سخّرت إيران المناطق التي احتلتها -خاصة في ريف ديرالزور- لنشر التشيع رافقه الاستيلاء على عشرات المنازل وتجنيد المئات من أبناء الريف ضمن صفوفها والبدء بمشاريع اقتصادية لتثبيت أركانها أكثر في سوريا ولتعزز حظوظها من أي عملية سياسية مقبلة في سوريا.

أما روسيا فباتت تتحكم بمعظم مفاتيح الملف السوري لناحية موقف نظام الأسد منطلقة من هيمنتها على قطاعات عسكرية واقتصادية واسعة فأصبحت هي الآمر الناهي فيها معتمدة على قوتها العسكرية الكبيرة في قاعدة حميميم حيث تقول موسكو إنها تضم أحدث الطائرات والتقنيات العسكرية. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات