هجوم عسكري على إدلب.. ليس بعد

هجوم عسكري على إدلب.. ليس بعد
شهد الأسبوع الماضي تصعيدا غير مسبوق من قبل روسيا والنظام السوري ضد مدينة إدلب وريفها. جاء القصف عنيفا للغاية ومختلفا عما كان يحدث خلال الأشهر الماضية، كما شاركت الطائرات الروسية لأول مرة في عمليات الاستهداف الجوي. ورغم ما تشير إليه كل تلك المعطيات من اقتراب نهاية اتفاق التهدئة الذي جنب المدينة عملا عسكريا واسعا، لا تزال التعقيدات على الأرض والشراكة الروسية – التركية تمنع حدوث ذلك الهجوم حتى الآن.

قبل نحو ستة أشهر، كانت حشود النظام السوري وحلفائه تتجه نحو مدينة إدلب منذرة بهجوم عسكري كبير على غرار الهجمات التي استهدفت حلب والغوطة الشرقية ومدينة درعا خلال العامين الماضيين. ولكن التقاربات التركية – الروسية والضغوط الدولية والإقليمية المحذرة من تهجير أكثر من ثلاثة ملايين سوري يعيشون في المدينة جنبتها العمل العسكري. هكذا وقّعت تركيا مع روسيا وإيران في شهر سبتمبر الماضي اتفاقية إنشاء منطقة منزوعة السلاح تفصل قوات النظام والمعارضة في مدينة إدلب وما حولها. ومنذ توقيع الاتفاق، تقلصت الضربات الجوية والمدفعية للنظام السوري، واختفت في فترات معينة، ولكنها عاودت الظهور خلال الأشهر الماضية. لم يكن بالإمكان منع تلك “الانتهاكات” للاتفاق رغم غضب الحليف التركي واعتراضاته المتتالية للجانب الروسي والإيراني ومطالبتهما بكبح جماح النظام.

اليوم وعوض عن أن يوقف النظام السوري انتهاكاته تلك، قرر توسيعها إلى مستويات تشبه تلك التي كانت سائدة قبل سبتمبر الماضي عندما تم توقيع الاتفاق. كما عاود الحديث عن التحضير لعمل عسكري ضد المدينة. وقد بدا ذلك لكثير من المراقبين، بمثابة إشعار بانتهاء الاتفاق وبداية خلاف روسي – تركي قد يؤدي إلى انسحاب أنقرة من اتفاق أستانة، ولكن ليس بعد.

لا تهتم أنقرة بالسيطرة على مدينة إدلب أو حتى بالعمل على منع روسيا والنظام السوري من السيطرة عليها، وإنما بتجنيب المدينة عملا عسكريا واسعا يتسبب في تدفق ملايين السوريين نحو الأراضي التركية، أو نحو المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا وهو ما سيزيد من الضغط السكاني ويتسبب في أزمة على مستوى تأمين الخدمات وتسيير شؤون تلك المناطق. بهذا المعنى، يبدو أن تركيا مستعدة للتخلي عن مدينة إدلب بصورة تامة خصوصا بعد فشل جهودها بتخليص المدينة من المتطرفين. فمنذ توقيع الاتفاق في شهر سبتمبر والذي قضى بأن تعمل تركيا على تخليص المدينة من هيئة تحرير الشام التي تسيطر عليها، توسع نفوذ الأخيرة خلال هجوم عسكري مباغت شنته قبل شهرين انتهى بتعزيز هيمنتها على مناطق شمال سوريا، وعلى إدلب بصورة خاصة، وهو ما وضع تركيا في موقف ضعيف.

هنا يقع مأزق أنقرة، إذ يبدو أن لا مفر من تنفيذ هجوم عسكري واسع لاستعادة المدينة. فشلت استراتيجية تركيا بمحاصرة هيئة تحرير الشام وتكثيف الضغوط الشعبية عليها، وتنفيذ اغتيالات تستهدف العناصر الراديكالية فيها، في محاولة للضغط عليها لتكون جزءا من مشروع سياسي تعده تركيا في شمال سوريا. تبدو أنقرة اليوم بموقف ضعيف بسبب عدم سيطرتها على هيئة تحرير الشام على غرار بقية الفصائل السورية التي تعمل لصالحها وتنفذ الأوامر التركية من دون جدال. تحافظ الهيئة على استقلالية تمكنها من مقاومة الضغوط التركية حتى الآن. الأهم من ذلك هو الخلاف الاستراتيجي بين الجانبين. تنتمي هيئة تحرير الشام إلى تنظيم القاعدة ما يعني أن مشروعها، وإن تقاطع على المدى القصير مع الأهداف التركية خلال السنوات الماضية، على تناقض حاد مع مشاريع جميع اللاعبين المحليين والإقليميين.

وبقدر ما تدفع تلك الحقائق باتجاه عمل عسكري يخلص المدينة من هيئة تحرير الشام، تبرز حقائق أخرى تمنع حدوث ذلك الهجوم. إذ سمحت حالة التهدئة و”تجميد الصراع” التي سادت خلال الأشهر الماضية بفتح ملفات المفاوضات السياسية وعودة اللاجئين وإعادة الإعمار من جديد، وهي ملفات شديدة الأهمية للجانب الروسي حيث تؤشر إلى مرحلة ما بعد الحرب وإلى بداية التطبيع الإقليمي والدولي مع النظام السوري. لا ترغب روسيا في تبديد هذا المناخ “الإيجابي” بعملية عسكرية تتسبب في كارثة إنسانية.

وفضلا عن ذلك يعقد التواجد الأميركي في الشمال، والقرار الأخير بعدم الانسحاب، المشهد ويجعل من التحالف الروسي – التركي تحالفا استراتيجيا.

بهذا المعنى يفضل كلا الجانبين استمرار التعاون بما يخص إدلب وعدم تحويل الملف إلى نقطة خلافية تشوش على صراعهما ضد عدوهما الأول: التحالف الأميركي - الكردي في الشمال السوري.

صحيفة العرب اللندنية

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات