في مآلات الصراع السوري بعد ثمانية أعوام

في مآلات الصراع السوري بعد ثمانية أعوام
منذ سنوات بات من المتعذّر التيقن بتحولات ومآلات الصراع السوري، الذي بدأ منذ ثمانية أعوام (مارس 2018)، على شكل حراكات شعبية تستهدف تغيير النظام السياسي، القائم على التسلّط والاستبداد ونزع حقوق المواطنة، وذلك لأسباب عديدة، معقّدة ومتشابكة، داخلية وخارجية، لعل أهمها يكمن في الآتي:

أولا لم تستطع المعارضة السورية التي تصدّرت هذا الصراع، حتى الآن، تثبيت مركزها، لا في مواجهة النظام، ولا إزاء داعميها الخارجيين، ولا حتى إزاء شعبها، وذلك ليس، فقط، بسبب خلافاتها البنية وتخبّطها السياسي وتبعيّة معظمها، كأشخاص وكيانات، لأطراف خارجية، وإنما بسبب عدم قدرتها على بلورة كيان سياسي جمعي لها، أيضا، بحكم افتقاد السوريين لتجربة كفاحية سابقة، وبواقع غياب الأحزاب والحركات السياسية في سوريا، التي كانت محرومة من السياسة لأكثر من نصف قرن.

وبديهي أن هذا الأمر جعل من كيانات المعارضة الوليدة، التي تزايدت كالفطر بأشكالها السياسية والعسكرية والمدنية، ضعيفة ومشتّتة ومرتهنة للخارج، أكثر مما هي مرتهنة لمصالح شعبها وإرادته، وهو الأمر الذي أضعف صدقيتها وزعزع مكانتها إزاء مختلف الأطراف، أي إزاء داعميها وإزاء شعبها وإزاء النظام ذاته، كما لاحظنا في المشاهد المتعلقة بمفاوضات جنيف أو مفاوضات أستانة، وفي طريقة إدارتها لأحوالها، طوال السنوات الماضية.

ثانياً، التحوّل نحو العسكرة على حساب الحراكات الشعبية، وهذه المسألة لم تقتصر، فقط، على تحميل الشعب السوري أكثر مما يحتمل، وتركه فريسة للعنف المفرط الذي استخدمه النظام ضده، وإنما هي شملت الهيمنة على السوريين بواسطة القوة في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، بحيث قدمت المعارضة، بفصائلها العسكرية، في أغلب الأحوال نموذجا رديئا لا يختلف عن النظام، إن لم يكن أكثر سوءاً منه، في ما عرف بـ”المناطق المحررة”.

 ناهيك أن كل ذلك تم في وضع لا يوجد فيه أي تكامل أو ترابط بين الكيانات السياسية والكيانات العسكرية، مع وجود فصائل عسكرية ذات مرجعيات وتوظيفات خارجية مختلفة ومتضاربة، أضرّت بالسوريين وبقضيتهم أكثر مما أفادتها، سيما مع فصائل دفعت دفعا لانتهاج أيديولوجيا دينية أو طائفية معينة، باعتبار ذلك بوابة لنيل الدعم أو لنيل القبول. وبديهي أن المقصود بالعسكرة هنا تلك الفصائل التي نشأت بإرادات ودعم خارجيين، وتوظيفات وارتهانات خارجية، وليس قيام مجموعات من السوريين بالدفاع عن نفسها إزاء عنف النظام، فهذان أمران مختلفان في المنطلقات والمسارات والغايات أيضا ولا يجوز الخلط بينهما.

ثالثا لم يعُد الصراع السوري يقتصر على التصارع من أجل التغيير السياسي، وفق معادلة شعب في مواجهة النظام، بعد كل ما جرى من تحوّلات في السنوات الثماني الماضية، إذ أضحى هذا الصراع يعرّف بالمداخلات أو بالتوظيفات الخارجية، المختلفة والمتضاربة، سواء كانت محسوبة على جبهة النظام أو محسوبة على جبهة المعارضة، وهذا يعني بداهة أن قواعد الصراع، وتاليا التحكم بمستوياته ومآلاته، خرجت من أيدي السوريين. وربما يجدر التذكير هنا بأن ذلك حصل في فترة مبكّرة، لكنه مازال قائما بل ويزداد قوة، على نحو ما بتنا نشهد، أو نستنتج، من خلال المشاهد الآتية:

1 - تواجد الولايات المتحدة الأميركية شرقي الفرات، سياسيا وعسكريا، ومعنى هذا الوجود كبير ومؤثر على مختلف الأطراف الخارجيين والداخليين، بغضّ النظر عن عدده، لاسيما في ما يتعلق بمستقبل سوريا، وأيضاً، بتحجيم النفوذ الإيراني في المشرق العربي، بقطع “الكرادور” الواصل من طهران إلى لبنان، عبر العراق وسوريا، ناهيك أن هذا الأمر يعني تحجيم أدوار اللاعبين الإقليميين.

2 - دخول روسيا على الخط منذ سبتمبر 2015، وتحوّلها إلى اللاعب أو المقرّر الرئيسي، في جبهة النظام، على حساب إيران، علما أن المسألة هنا لا تتعلق بحفاظ روسيا على مصالحها في سوريا فقط، وإنما هي تبتغي من ذلك تعزيز مكانتها في الإقليم أيضا، وعلى الصعيد الدولي وضمنه إزاء الولايات المتحدة.

3 - زيادة النفوذ التركي في الصراع السوري، سواء في الشمال في منطقة إدلب وأرياف حلب وحمص وإدلب واللاذقية، كما في سعيها للاستحواذ على منطقة آمنة على امتداد الحدود التركية السورية وبعمق يتراوح بين 20 و30 كلم. ومن الواضح أن تركيا في محاولتها تعزيز نفوذها في سوريا تسعى إلى تعزيز الاعتراف بدورها الإقليمي في المشرق العربي، وهي تحاول من وراء ذلك أن تفرض ذاتها إزاء القطبين الدوليين الفاعلين في المنطقة، الولايات المتحدة وروسيا.

4 - ظهور دور إسرائيل العلني، بعد أن كانت بمثابة قطبة مخفية في الصراع السوري، وذلك في محاولتها لعب دور مقرّر في مصير سوريا، سواء عبر الولايات المتحدة، أو عبر تفاهماتها مع روسيا، وهو ما يتجلى باللقاءات المتوالية بين فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو، أو عبر مواصلتها شنّ غارات على مواقع عسكرية تابعة لإيران، أو تابعة لميليشيات تتبع إيران (خاصة حزب الله)، على امتداد الأرض السورية.

5- في خصوص إيران لا جديد بشأن دورها، فهي كانت متواجدة قبل كل الأطراف المذكورة، ومنذ بداية الصراع السوري، في ترجمة لتصريحات بعض مسؤوليها عن هيمنة إيران على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. بيد أن الجديد هو التوافق الحاصل بين مختلف الأطراف الدوليين والإقليميين على أنه آن الأوان لتحجيم إيران ووضع حد لتدخلاتها في المنطقة.

6 - في الغضون لا يمكن إغفال تراجع أو اختفاء القوى اللادولتية، التي كانت فاعلة في الصراع السوري، والقصد هنا الميليشيات العسكرية الإسلامية المختلفة ومتضاربة الأجندات، من تنظيم داعش إلى جبهة النصرة وتوابعهما، إلى حزب الله وفاطميين وزينبيين ونجباء وعصائب أهل الحق وكتائب أبوالفضل العباس وغيرها من الميليشيات التي تشتغل كأذرع إقليمية لإيران، فهذه الميليشيات لعبت دورا كبيرا في طمس الصراع الأساسي، بين النظام وشعب سوريا أو أغلبية شعب سوريا، كما لعبت دورا كبيرا في تبرير أو في تغطية المداخلات والتوظيفات الخارجية، مباشرة أو مداورة، لذا من المفيد ملاحظة كيفية إغلاق هذه الصفحة، التي تعتبر من أكثر الصفحات غموضا والتباسا وتلاعبا في الصراع السوري.

صحيفة العرب

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات