هذه النشرة بالذات جاءت بسبق حقيقي في ميدان الإعلام المرئي على المستوى العالمي وليس العربي أو المحلي وحسب، تستحق عليه دخول موسوعة غينس للأرقام القياسية (حقيقة وليس تهكماً) حيث أقدمت على إعادة بث تقرير مشهور جداً قدم على ذات الشاشات الرسمية قبل قرابة العام، لتفجير إرهابي قيل إنه وقع في مدينة إدلب. التقرير يصور مواطنين سوريين يخرجون من بيوتهم وهم في حالة دهشة ورعب وبثياب النوم وما شابه وهم يصرخون ويشتمون المؤامرة والحرية ويصبون جام غضبهم على هذه الحرية (التي نزعت مزاجهم الرايق) وفي نفس اللحظة يكون أشاوس التلفزيون السوري جاهزين لاستقبال ردات الفعل الأولى على ضحايا الانفجار الإرهابي (وكأنهم ينتظرون إشارة المخرج الخفي للانطلاق ومد الميكرفون الأمني في وجوه المواطنين).
هذا التقرير اكتسب شهرته آنذاك نتيجة إخراجه السيء، ونتيجة المبالغة في الأداء المسرحي لشلة الكومبارس الذين يمثلون دور المواطن الضحية، وبسبب كثرة إعادة عرضه، إلى الدرجة التي حفظ فيها مشاهدو التلفزيون السوري كل الأشخاص (الكومبارس) وحركاتهم ووقت وصولهم ووقوفهم أمام الكاميرا وشتائم كل منهم / منهن وهم ينوحون ويشتمون الحرية وراعيها حمد وأردوغان وآل سعود!
في هذه النشرة سبق كلام مذيع التلفزيون السوري الذي كان يقرأ الخبر قبل تقديم التقرير (المدلل والمدعوم) حين قال: وبعد جريمة الإرهابيين في استهداف جامعة حلب واستشهاد العديد من أبنائنا الطلبة في يوم امتحانهم الأول، يأتي الحادث الإرهابي الآخر الذي وقع في مدينة إدلب وتمثل بانفجار عبوتين ناسفتين في المدينة اليوم. ثم بدأ عرض التقرير.. يا للعجب.... منذ اللقطة الأولى ظهرت حجم الفضيحة العار...أصدقكم القول أنني لم أصدق أول الأمر أن تكون الأمور قد وصلت إلى هذه الدرجة من الوقاحة والاستغباء لعقول الناس وذاكرتهم.. تصورت أن خطأً فنياً قد حصل، ربما استبدل أحدهم شريطاً بآخر، ولكن ما يبدو غير معقول مجرد التفكير بمثل هكذا احتمال، فكل أشرطة الفيديو بعد أن ينتهي وقت عرضها تعاد إلى المكتبة لكي تؤرشف، ولا يعاد شريط ما إلا بعد طلب خاص توافق عليه جهات عديدة.. ما الذي يحدث إذاً؟!...
توقعت أن يتوقف عرض الشريط ويتم التنويه إلى الخطأ غير المقصود، إلا أن المذيع (الشبيح) تابع قراءة النشرة وهو يرى ويعرف مثل كل السوريين أنهم ارتكبوا خطيئة لا تغتفر بإعادته من جديد. تابع التلفزيون السوري بث التقرير القديم على أنه جديد اليوم، وكأن شيئاً لم يحدث. "هي هي الحرية يلي بدكن هيه؟!..شوفوا الحرية لوين وصلتنا؟!.. يلعن أبو الحرية.."حين ينتهي عرض التقرير يهتف أحدهم بجانبي: "نعم أيها الكذبة... هذه هي الحرية التي نريد" على الأقل بعد أن سئم السوريون من إعلام يستمر في دفن رأسه في التراب كما النعامة، فيما البلاد تغرق بالدماء والدمار!
التعليقات (2)