من البصرة وإليها.. الاحتجاجات قادمة

من البصرة وإليها.. الاحتجاجات قادمة
الحكومة العراقية تمارس غباء متعمدا حين تمضي في سياسة الهدر والإنفاق المالي التي أسس لها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي.

شارف العراق مرات عديدة على الإفلاس بسبب اعتماده تلك السياسة.

وليس من المستبعد أن يستمر البلد الثري في طلب القروض من المؤسسات والمصارف الدولية، إضافة إلى أنه يلجأ إلى التسول طلبا للإعانة بين حين وآخر. وهو ما لا يشعر إزاءه المسؤولون العراقيون بالحرج.

هناك عجز دائم في الموازنة لا يمكن تفاديه ما دامت الدولة العراقية قد غرقت في وحول قوانين خاصة، تضطرها للإنفاق على فئات حزبية أو ما شابهها بذرائع مختلفة. كل تلك الذرائع تقع في ما يمكن اعتباره طفيليا لا تقر حقوقه القوانين المتّبعة في مختلف أنحاء العالم.

ولو عرف الشعب العراقي حجم ذلك الإنفاق الذي يعدّ هدرا معلنا للمال العام، لخرج عن بكرة أبيه إلى الشارع محتجا على الاستمرار في حياة، تستلهم مقومات وجودها من مكائد ودسائس وحيل اللصوص والأفّاقين والمحتالين الذين صادروا السلطات الثلاث، فصاروا مشرعين ومنفذين وقضاة في الوقت نفسه.

إنهم يشرّعون القوانين التي صنعت معنى مختلفا للعدالة لا صلة له بشرائع السماء ولا بقوانين الأرض. ذلك هو المعنى الذي يبيح لهم استباحة ثروات العراق إلى يوم الدين بذريعة جهاد وهمي.

لقد استولى “المجاهدون” على الجزء الأكبر من ثروة العراق، فيما تُرك الجزء الأكبر من الشعب العراقي وهو يعاني شظف العيش ويكافح من أجل أن يحصل على كفاف يومه.

ولكن مَن هم أولئك المجاهدون؟

هم حفنة من قطاع الطرق وأبنائهم وأحفادهم الذين تعيش الغالبية العظمى منهم خارج العراق. ولا أقول ذلك من باب المجاز.

حين شهدت البصرة، وهي المدينة التي يعيش العراق من مبيعات نفطها، طلبا لتحسين الخدمات التي تمس الجانب الأساس من إمكانية استمرار النوع البشري كالماء الصالح للشرب والكهرباء والعمل، فإن شيكاغو وهي مدينة أميركية شهدت قيام تظاهرات مضادة قام بها عراقيون مستفيدون مما آلت إليه البصرة وسواها من مدن العراق من خراب وحرمان وفقر وعوز وظلام وعطش ومرض وجهل.

كشفت مظاهرات شيكاغو عن الوجه الحقيقي القبيح للمجاهدين.

أولئك المجاهدون يعرفون جيدا أنهم السبب في قيام احتجاجات البصرة. فلولا ما يحصلون عليه من أموال منهوبة هي ليست من حقهم بل هي من حق عراقيي الداخل، لما وصل العراقيون إلى الأوضاع الرثة التي هم فيها.

 فهم لم يعملوا في العراق يوما ما ولم يكن لهم دور فيه إلا في ما يتعلق بعمليات النهب والسرقة وحرق الممتلكات العامة التي حدثت عام 1991، وهو ما صاروا يشيرون إليه باسم “الانتفاضة الشعبانية”.

واحدة من أعظم مشكلات الدولة العراقية تكمن في أنها تنفق على مَن لا يعمل، في حين تقف عاجزة عن دفع مستحقات مَن يعمل. هناك عشرات الآلاف من أعضاء حزب الدعوة صاروا يتلقون شهريا أموالا من غير أن يغادروا بيوتهم.

هناك آلاف أخرى تفعل الشيء نفسه وهي تقيم في بلدان اللجوء. أما آلاف الأقرباء الذين يعملون في مكاتب الوزراء والنواب والقضاة وفي حماياتهم فلا أحد يمكنه أن يسألهم عن وظائفهم التي يتلقون في مقابلها رواتب لا يحلم بها وزير أوروبي.

معادلة فيها قدر هائل من الاضطراب.

هناك عاطلون حقيقيون عن العمل قُيّض لهم أن يستولوا على أموال، كان في الإمكان أن تستعمل في إنهاء مشكلات الفقر والبطالة في العراق، إضافة إلى ما يمكن أن تساهم فيه تلك الأموال في مجال مشاريع توفير الماء الصافي والكهرباء والصرف الصحي والمواصلات والتعليم.

لقد أقام نوري المالكي دولة ريْعية تنفق أموالها على أعضاء حزبه والمجاهدين من اللصوص، ولا تزال تلك الدولة قائمة.

حقيقة تجعلني أتوقع أن الاحتجاجات القادمة ستشمل العراق كله في وقت قريب، وإن كانت البصرة مرشحة أكثر من غيرها من المدن لأن تكون مدينة الاحتجاج الأولى. لا لأنها مدينة النفط فحسب، بل وأيضا لأنها كانت خصما للإيرانيين في حرب امتدت عبر ثماني سنوات، كان مجاهدو حزب الدعوة يقاتلون في الطرف الآخر منها.

الاحتجاجات الشعبية قادمة لا محالة، ولا أعتقد أن الدولة الفاسدة التي أقامها نوري المالكي ستنجح هذه المرة في احتوائها أو الحيلولة دون أن تصل إلى هدفها الرئيس وهو إسقاط تلك الدولة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات