كيف يؤثر ملف العدالة الانتقالية على مستقبل الحل السياسي في سوريا؟

كيف يؤثر ملف العدالة الانتقالية على مستقبل الحل السياسي في سوريا؟
ازداد مؤخرا نشاط وعدد المنظمات والجمعيات الحقوقية السورية العاملة في ملاحقة مجرمي الحرب وتوثيق الانتهاكات ضد الشعب السوري من قبل نظام الأسد وأطراف عديدة أخرى مشاركة في الحرب المستمرة على الأراضي السورية منذ حوالي 8 سنوات.

الأسباب والتوقيت

وأرجع مدير منظمة (مع العدالة) المرخصة في الولايات المتحدة الأمريكية في حزيران 2018 (وائل السواح) أسباب الاهتمام المتزايد بالملف الحقوقي السوري في الآونة الأخيرة إلى وجود جهود دولية "جبارة" لصياغة حلّ سياسي في سوريا يبقي على نظام الأسد وينسف كل تضحيات الشعب السوري، وقال في حديثه لأورينت نت: "نحن كمجتمع مدني وكحقوقيين نريد أن نبقي قضية المساءلة على جدول أعمال أي مفاوضات حول الحلّ السياسي". 

وأضاف "أطلقنا قبل شهرين حملة إعلامية واسعة على موقع منظمة (مع عدالة) ومعرفاتها على وسائل التواصل الاجتماعي (يوتيوب، فيس بوك، تويتر)، تهدف إلى منع محاولة الإفلات من العقاب لكبار مرتكبي الجرائم والانتهاكات الجسيمة بحق السوريين من كل الأطراف دون استثناء".

بدوره يعتقد عضو "هيئة القانونيين السوريين" المحامي (فهد القاضي) أنّ هناك جهودا وإرادة دوليه لوقف القتال في سوريا، رغم تمادي نظام الأسد وحلفائه، لتتحول المعركة الأساسية إلى الحقل السياسي والحقوقي.

وذكر لأورينت نت، أنّ ما يدعو لتكثيف العمل القانوني ووضعه في المقام الأول هو ما يقوم به نظام الأسد مؤخرا من إصدار لمراسيم وقوانين تهدد أمن ومستقبل سوريا، وتشكل جريمة لا تقل خطرا عن جرائم القتل والاعتقال التي يمارسها نظام الأسد بحق السوريين.

ويُعد القانون رقم (10) الخاص بتثبيت الملكية، والقانون رقم (16) المعروف بـ"مرسوم الأوقاف" من أبرز القوانين المثيرة للجدل، التي صدرت في  5 أيار، و12 تشرين الأول لعام 2018 ، على التوالي، من قبل نظام الأسد.

واعتبر مختصون أنّ القانون الأول هو مقدمة لتجريد المعارضين السوريين من أملاكهم ومنع عودتهم إلى البلاد، والثاني يُفسح المجال لتمدد عقيدة وثقافة التشيع الإيراني، ويكبل الحرية الدينية في سوريا.

صعوبات كبيرة وإنجازات محدودة

ورغم إعداد عشرات المنظمات الحقوقية السورية وغير السورية لوثائق وملفات قانونية تدين نظام الأسد وأركان حكمه بارتكابه جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية بحق السوريين؛ إلا أنّ هذه الملفات، لم تأخذ طريقها إلى محكمة الجنايات الدولية حتى الآن.

ويُعد ملف (سيزر) الخاص بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق ألاف المعتقلين السوريين في سجون نظام الأسد، وملف استخدام  (السلاح الكيماوي) المحرم دوليا، من أبرز هذه الملفات.

وفي هذا الصدد يقول القاضي السوري المنشق (خالد دعبول) لأورينت نت: "رغم أنّ هذه الملفات تشكل إدانة قانونية لنظام الأسد بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين في سورية؛ إلا أن آلية المحاسبة ماتزال غير متوفرة".

ويُرجع ذلك إلى أن "الأسد" غير موقع على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، وأنّ روسيا وربما الصين سيستخدمان على الأرجح حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يقضي بإحالة ملف جرائم الحرب المرتكبة من قبل "حكومة الأسد" للمحاسبة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

من جهته يخشى عضو "هيئة القانونيين السوريين"، (التي تهدف للتمهيد لإقامة العدالة الانتقالية في سورية كأساس للحل السياسي، وأنشات هي الأخرى في أيار من العام الجاري)، أن يكون مصير كل هذه الملفات الإهمال من قبل الأمم المتحدة والمنظومة الدولية لأن تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا يتضارب مع مصالح دول عديدة، منها دول كبرى؛ ولكنه يبقى متمسكا بشي من أمل، لوجود بعض الإنجازات في هذا المجال وإن كانت محدودة.

فمنذ نحو شهر أصدرت محكمة فرنسية مذكرة توقيف دولية بحق 3 من كبار ضباط مخابرات نظام الأسد، أبرزهم "رئيس مكتب الأمن الوطني" اللواء (علي مملوك)، الذي يوصف بصندوق بشار الأسد الأسود.

كما نتج عن ضغط هذه المنظمات القانوني والإعلامي اضطرار نظام الأسد إلى تعديل القانون رقم 10 المذكور، وإن كان شكلياً، وحوادث عديدة مشابه.

ولكن ومن وجهة نظر هذه المنظمات الحقوقية، لم ترتق جميع هذه الانجازات إلى تحقيق الهدف الرئيس لها، وهو محاكمة مجرمي الحرب من جميع الأطراف، ووضع بنود العدالة الانتقالية في مقدمة الطريق إلى الحل السياسي المأمول في سوريا.

لا سلام بلا عدالة

وهنا أكد (السواح) أنهم في منظمة (مع العدالة) سيستمرون بالنضال جنبا إلى جنب مع جميع المنظمات الحقوقية الدولية وجماعات حقوق الإنسان والناشطين في مجال العدالة الانتقالية للحفاظ على ملفّ المساءلة وتذكير الجميع بأن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وأنه لا سلام بلا عدالة.

وأضاف أن استمرار محاولات الضغط على الرأي العام وصانعي القرار في المنطقة والعالم لابد أن يسهم في إحباط أي جهد لإنقاذ الجناة الرئيسيين من المساءلة.

وفي أكثر من مناسبة كشف دبلوماسيون ومسؤولون غربيون وحتى روس أن حلفاء نظام الأسد يسعون إلى إبعاد ملف العدالة الانتقالية عن مفاوضات الحل السياسي ليسهل عليهم تأهيل النظام وإبقائه حاكما لسوريا مع بعض التعديلات الشكلية، وليس أدل على ذلك من اختصار الحل السياسي بثلاث مسائل فقط، هي تعديل الدستور والانتخابات وإعادة اللاجئين.

وفي هذا الخصوص أظهرت نتائج دراسة لاستطلاع الرأي أجرتها "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، أن روسيا ستفشل في إيجاد حل سياسي في سورية دون عملية انتقال سياسي حقيقية توقف الحرب وتضمن التغيير المطلوب في سوريا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات