خمس سنوات على المجزرة.. ماذا حلّ بملف "كيماوي الأسد"؟

خمس سنوات على المجزرة.. ماذا حلّ بملف "كيماوي الأسد"؟
بادئ ذي بدء، يجب معرفة أن مجزرة الكيماوي المؤلمة التي حلت بغوطتي دمشق قبل 5 سنوات لم تكن أول استخدام للسلاح الكيماوي من قبل نظام الأسد ضد المدنيين الثائرين على حكمه في سوريا، فقد سبقه قرابة الـ 30 استخداماً لم تصل إلى حجم الأثر الذي خلفته مجزرة الغوطة ولم ينل الأسد العقاب عليها.

يُمر شهر آب الحالي حاملاً إلى الناجين من مجزرة الغوطة عشرات المواقف الصعبة التي عايشوها بعد قصف نظام الأسد لمدنهم وبلداتهم بالسلاح الكيماوي بشكل مكثف، حيث توقف الزمن هناك عند الكثير منهم خاصة الذين فقدوا أهلاً وأحبة.

كما تُعيد ذكرى مجزرة الغوطة إلى ذاكرة السوريين تلك المشاهد القاسية التي طُبعت في مخيلتهم ليس أقساها وأولها تلك الفتاة التي استفاقت من الموت لتقول "أنا عايشة" ولا آخرها مشهد دفن المئات في مقبرة جماعية ضمت الأطفال والشيوخ والرجال والنساء أمام مرأى العالم أجمع، والذي اكتفى حينها بالمتابعة مع وصف ما يحدث بالإبادة الجماعية.

لكن وعلى الرغم من استذكار كل هذا الألم على مدار السنوات السابقة يتبادر إلى الأذهان سؤال غاية في الأهمية هو "كيف تعامل المجتمع الدولي مع هذه الكارثة وهل نالت العدالة الدولية من المتسببين بهذه الجريمة أم أن القاتل واصل فعلته وكررها في أماكن سورية أحرى؟".

المجتمع الدولي و"كيماوي الأسد"

أودت مجزرة الغوطة بحياة 1400 من نساء وأطفال وشيوخ، بعد أن استهدفوا فجر 21 آب 2013 بصواريخ تحمل غازات لا لون لها ولا رائحة، بحسب شهود عيان. وشكلت تلك المجزرة منذ تلك اللحظة دليلاً مباشراً على تعمد بشار الأسد في قتل المدنيين الثائرين على نظامه، والذي اضطر تحت ضغط دولياً -خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية- إلى تسليمه قسماً كبيراً من ترسانته الكيميائية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وضمه لاحقاً إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

الطبيب (محمد كتوب) شاهد على مجزرة الغوطة وقدم عدة شهادات في محافل دولية حول مجزرة الغوطة يقول لأورينت: "ما حدث في غوطتي دمشق عام 2013، يُعدّ الحدث الأبرز والأكثر حضوراً في ذاكرة السوريين مهما تقادم عليه الزمن".

ويشير (كتوب) الذي ظل متابعاً لعمل المجتمع الدولي والهيئات المنبثقة عنه في ملاحقة استخدام الكيماوي في سوريا إلى أن نظام الأسد احتفظ بقسم من السلاح الكيماوي الذي سلمه عام 2013 وقد استخدمه مرات عديدة في مناطق سورية أبرزها (خان شيخون ودوما) حيث قوبلت تلك الهجمات برد عسكري "خجول" من جانب الولايات المتحدة ودول غربية.

وفي أعقاب مجزرة غوطتي دمشق، وبعد نحو شهر أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع حمل الرقم 2118 يدين استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ويطالب نظام الأسد بنزع وتدمير تلك الأسلحة، ويشير إلى أنه في حال الإخفاق في الالتزام ببنود التخلص من الأسلحة الكيميائية، فإن المجلس سيتوجه لاتخاذ إجراءات بموجب البند السابع.

آلية التحقيق المشتركة

في عام 2015 أُسست "آلية التحقيق المشتركة" التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتحديد الأفراد أو الكيانات التي تقف وراء هجمات الأسلحة الكيميائية لفترة تصل إلى سنة واحدة مع إمكانية تمديدها. جاء ذلك بعد اعتماد مجلس الأمن الدولي بالإجماع في آب 2015 القرار 2235 القاضي بإنشاء الآلية، وفق وكالة رويترز. 

وشدد القرار على التزام نظام الأسد وجميع الأطراف في البلاد "بالتعاون الكامل" مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، بما في ذلك "توفير إمكانية الوصول الكامل إلى جميع المواقع والأفراد والمواد في سوريا ذات الصلة بآلية التحقيق المشتركة".

كما دعا جميع الدول الأخرى إلى التعاون "بشكل كامل" بما في ذلك "تقديم أي معلومات ذات صلة قد تكون في حوزتها تتعلق بالمتورطين في استخدام المواد الكيميائية كأسلحة في سوريا".

وفي 2017 عين (أنطونيو غوتيريش) الأمين العام للأمم المتحدة (الغواتيمالي إدمون موليت) لقيادة الآلية المشتركة خلفا للأرجنتينية (فرجينيا غامبا).

وتتكون آلية التحقيق المشتركة من فريق قيادة مكون من ثلاثة أعضاء يرأسه أمين عام مساعد، ويقدم عضوان آخران في الهيئة المشورة بشأن العناصر السياسية والتحقيقية، بالإضافة إلى فريق من 23 عضوا من ذوي الخبرة والمهارات ويدعم فريق القيادة.

وتمول الهيئة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال الميزانية العادية، كما أنشأت الهيئة صندوقا للتبرعات في 2015 لتغطية الاحتياجات المادية والتقنية للآلية، وتملك آلية التحقيق مكاتب لها في نيويورك ولاهاي.

عمل الآلية المشتركة

يقول الدكتور (كتوب) إن الآلية أصدرت منذ تشكيلها 68 وثيقة تزامنت مع 7 قرارات دولية و29 رسالة من الدول الأعضاء إلى مجلس الأمن، مشيراً إلى أنها رصدت أيضاً استخدام السلاح الكيماوي 200 مرة 32 استخداماً حدث قبل مجزرة الغوطتين في سوريا، وأكد أن اللجنة أثبتت تورط نظام الأسد باستخدام الكيماوي عدة مرات.

في نهاية عام 2017 أعلنت منظمة الأمم المتحدة، انتهاء عمل "آلية التحقيق المشتركة" حول الهجمات الكيماوية في سوريا. إعلان جاء على لسان (فرحان حق)، نائب المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة، قائلاً "إن الآلية انتهت تمامًا ولم تعد موجودة، ويقوم أعضاؤها بتصنيفها إداريًّا"، بحسب الأناضول.

وسبق انتهاء عمل آلية التحقيق استخدام روسيا لـ "حق النقض" ضد مشروع قرار ياباني دعا إلى تمديد عملها وآخر أمريكي.

وحول انتهاء عمل الآلية قال (كتوب) "هنا ينتهي عمل اللجنة ومن المفترض أن يقوم المجتمع الدولي بالبناء على قراراتها لإدانة ومحاسبة المجرم لكن هذا يصعب تحقيقه في ظل وجود روسيا التي تُشهر سلاح الفيتو في مجلس الامن مع كل قرار يدعو لمعاقبة الأسد".

ويتفق مع (كتوب) الناشط الحقوقي (بسام الأحمد) الذي أكد أن الفيتو الروسي كثيراً ما منع وسيمنع تحويل ملف "كيماوي الأسد" إلى محكمة الجنايات الدولية؛ لكنه رأى في حديث لأورينت، أن هناك طرق ثانية لإدانة ومحاسبة مرتكبي الجرائم كالعمل خارج مجلس الأمن كما فعلت ألمانيا وبريطانيا والسويد وغيرها، وقال "حتى إن أصرت روسيا على استخدام الفيتو ستواجه بالتأكيد الجهود الدولية لمحاسبة الأسد".

وذكر أن السوريين يستطيعون فعل شيء تجاه هذا الملف عبر الضغط دولياً، مشيراً إلى المذكرة التي صدرت بحق المجرم (جميل الحسن) مؤخراً.

وقال (عبدالله) "هناك شيء في الاختصاص العالمي يُتيح للضحية التي تعرضت لجريمة تندرج تحت جرائم الحرب رفع دعوى على الجاني حتى وإن لم يكن موجود في الدول التي تُقدم لديها القضية".

 الأسد أدين فمتى يُحاسب؟

رأى (عبدالله) في هذا السياق، أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تمتلك منظومة تقصي حقائق لم تكن لديها الصلاحية لتحديد من استخدم الكيماوي، لكن لاحقاً أصبحت من صلاحياتها تحديد المستخدم وخاصة بعد هجوم بريطانيا الكيماوي إثر محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج (سكريبال) حيث قامت المنظمة باتهام المخابرات الروسية باستخدام السارين وعُدّلت بنود اتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية وأصبح لديها الولاية في التحقيق بالهجمات الكيميائية وبمن قام بها، لكنه أشار إلى أن هذا التعديل يحتاج إلى وقت حتى يتم تفعيله.

وأكد الناشط الحقوقي أنه لا يوجد رغبة دولية في محاسبة نظام الأسد. وقال "فعلياً فإن مسألة المحاسبة والإفلات من العقاب ليست حكراً على الملف السوري فهناك العديد من الملفات الدولية لم يتم معالجتها كالعراق وليبيا واليمن وغيرها".

ولفت إلى أن هناك عوامل مؤثرة أيضاً تمنع محاسبة مرتكبي الجرائم، منها "عدم وجود تفويض لدى المجتمع الدولي وعدم وجود محكمة لذلك" والأهم وفق (عبدالله) أنه لا توجد رغبة لدى مجلس الأمن لفعل ذلك.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات