رواية (الخائفون) لـ "ديمة ونوس" عن الخوف والحقبة السوداء من تاريخ سورية

 رواية (الخائفون) لـ "ديمة ونوس" عن الخوف والحقبة السوداء من تاريخ سورية
تُبحر رواية (الخائفون) للكاتبة والروائية السورية (ديمة ونوس) في سنوات ما قبل الثورة السورية في عصر كان نظام الأسد يظنّ أن الخوف إحساس مستقرّ وهشّ وعصي على الانفجار، معتقداً أن تراكم الخوف لن يوّلد جيلاً ينفض غبار دنس أجهزته الأمنية التي تقتات على دماء الشعب، حيث تُشكل الرواية عملاً شبيهاً بسوريا بكل تفاصيلها قبل بزوغ فجر الثورة، ولا سيما من خلال تداخل شخصيات الرواية وتنقلاتها المكانية بعد أن تُفتتح الرواية في عيادة الطبيب النفسي (كميل) الذي يستقبل مرضى خضعوا لأنواع مختلفة من القمع والعنف والكبت الفكري، لتصل بك الرواية إلى وصول إحدى شخصيات الرواية إلى الحدود السورية اللبنانية بعد خمسة عشر عاماً على وفاة والدها يسألها ضابط الأمن.. أين والدك؟ فتخبره أنه رحل، أنه مات لتكتشف من الضابط أنه مطلوب للأجهزة الأمنية، وأنهم ما يزالون يفتشون عنه. وهنا تقول وهو يخالجها الموت أيضاً: "اليوم قبل قليل تحديداً، على الحدود السورية اللبنانية مات بابا".

الكاتبة والروائية (ديمة ونوس) ماذا تعني لك رواية (الخائفون)؟

استغرقت كتابة "الخائفون"، سبعة أشهر على الأقل.. أحنّ إلى تلك المرحلة وأشتاق إلى نفسي جالسة في بيروت ذلك الحين، أكتب بشكل يومي عن ذلك الخوف الرهيب الذي عاشه السوريون لعقود. ولا أقصد هنا تكريس الفكرة الممجوجة التي يوصف بها العمل الأدبي على أنه طفل يلده الكاتب عند نشر عمله. لكنني أعتقد أنني كسورية، مازلت عالقة في زمان معيّن رافضة مغادرته. لم يعد الأمل بالعودة صافياً كما كان قبل سنوات. تعكّره اليوم معرفتنا بأن فكرة المكان الأول، لم تعد موجودة، وليس علينا سوى اختراع أمكنة جديدة نستطيع العيش فيها بكرامة. من جهة أخرى، مازلت متعلّقة بالحالة التي عشتها أثناء كتابتي لـ"الخائفون". الكتابة عن الخوف وعن تلك الحقبة السوداء من تاريخ سورية، تتطلّب استعادة ذكريات معينة واختبار الخوف من جديد وكأنني أعيشه للمرة الأولى. عشته في ذاكرتي وعشته مع كل شخصية عاشته في الرواية.

وما هي الرسائل المشفّرة التي أردات رواية (الخائفون) إيصالها للقارئ؟

لا وجود لرسائل مشفّرة.. الرواية ليست رسالة برأيي. الرواية قصص أشخاص متخيّلين، وحكاية وتاريخ حقيقي للمدن التي يعيش فيها الكاتب. مجزرة حماة مثلاً، لا وجود لها في كتب التاريخ المدرسية، وإن ذكرت، فقد زوّروا معالمها وحوّلوها إلى انتصار للنظام على "عصابة الإخوان المسلمين" كما كنّا نردّد مجبرين في "تحية العلم" كل أسبوع! التجارب المريرة التي عاشها سجناء الرأي أو المعتقلون الإسلاميون في أقبية النظام وفروع الأمن، كيف لنا أن نسمع عنها لولا روايات صدرت تؤرّخ تلك العذابات التي تدمّي القلب؟ الرواية هي تاريخ المدن وجغرافيا الشعوب والعين الثاقبة الفالتة من الرقابة.

لماذا غابت المقدمة التمهيدية أو التوطئة عن مقدمة الرواية؟

ليست المقدمة التمهيدية شرطاً للعمل الأدبي. الرواية مكان رحب ولا حدود أو قواعد تؤطّره. يمكن للقصة أن تبدأ بأكثر من طريقة وبحالات مختلفة.

إلى ما ترمز برأيك المحددات المكانية للأحداث (دمشق، حماة، بيروت، والضيعة)؟

المكان في بلد كسورية ليس مجرّد حدود جغرافية. في المدرسة، شوّهوا الأمكنة في عقولنا وجعلوا مدينة كباريس أو لندن، تبدو في أذهاننا أقرب من دير الزور أو إدلب أو الرقة أو درعا! وهذا برأيي كان مقصوداً، للقضاء على وحدة الشعب السوري كمجموعة فاعلة من البشر. فهل كان في الإمكان لابن درعا أن يتوحّد مع إبن دير الزور أو طرطوس، ضدّ النظام؟ مستحيل! ما يجمعهم، هو الانتماء الإجباري للحزب الواحد، والولاء المطلق للقائد "الخالد" ولوريثه وعائلتهم وأقربائهم وأصدقائهم وأبناء طائفتهم. المدن في الرواية، لم يكن الدافع من الحديث عنها، طائفي. بل في سياق تاريخي طبيعي لدى معالجة موضوع كالخوف! ألا تذكّرنا كلمة حماة بالخوف؟ واللهجة العلوية؟ والضيعة؟ حتى بيروت تذكّرنا بالخوف، إذ كانت مثلها كمثل دمشق، تحكمها السلطة الأمنية المطلقة ومجموعة من الشبّيحة يهدّدون أمان ناسها وأهلها.

هل استطاعت الرواية تقديم صورة عن المجتمع السوري الذي واجه الاستبداد والقمع خلال الثورة؟

أعتقد أن الخوف هو الإحساس المشترك الذي جمع بين معظم السوريين. الإحساس الوحيد الذي اختبره الملايين، كلّ في منطقته ومدينته وبيئته. أردت الكتابة عمّا وراء الثورة السورية. عمّا سبقها بسنوات. هل كان النظام السوري يظنّ أن الخوف إحساس مستقرّ وهشّ وعصي على الانفجار؟ الخوف إن تراكم لعقود، يفيض، يصل إلى مكان أقصى، فيفقد معناه ويتحوّل إلى لامبالاة. لذلك، خرج السوريون برأيي إلى الشارع ولم يعودوا منه حتى اليوم. هل ثمة أسوأ مما عاشه معظم السوريين خلال عقود؟ هل بمقدور النظام أن يكون أكثر استبداداً وظلماً وقمعاً مما كانه؟

ماهي الجوائز التي رشحت لها الرواية أو التي فازت بها؟

الرواية صدرت قبل أيام بالإيطالية والهولندية. وستصدر بعد أشهر قليلة بالإنكليزية والفرنسية والبلجيكية والتركية والألمانية. رشحّت إلى الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" ووصلت إلى القائمة القصيرة منها. يعلن عن اسم الفائز بالجائزة الأولى في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات