سوتشي الغربال الأخير

سوتشي الغربال الأخير
البون شاسع جداً بين معارضتي الخارج والداخل.. فلماذا ومن الذي يتحمل المسؤولية؟

تفاجأت المعارضة الخارجية متمثلة برجال أو أحزاب او تنظيمات بثورة الشعب السوري العظيم وخروجه الى الساحات للمطالبة برحيل النظام المجرم، واصراره على ذلك بداية عبر الخروج كل يوم جمعة ثم خلال أيام الأسبوع بصدور عارية وبعزيمة كبيرة يغذيها وعي لظلم النظام وتاريخه الحافل بالممارسات القمعية الكبيرة، مع روح شباب هزتهم نداءات الحرية خارج أوطانهم فأطربتهم، وتشوقوا لمثلها، وشمّروا الزنود لخوضها.

وتفاجأت المعارضة أكثر باستعداد شباب بين العشرين والثلاثين عاماً لدفع الثمن من دمائهم لرسم معالم سورية الجديدة. وبعد أشهر من الثورة وامتلاء الساحات وأهازيج الحرية، رافقها معاناة المعتقلين والتضحية بالشهداء، ايقنت تلك المعارضة المرتاحة في بلدان الاغتراب أن هذه الاحتجاجات هي ثورة شعبية لن تقف إلا بإسقاط النظام، فسارعت إلى تشكيل هيئات خارجية وأحزاب وتجمعات لقيادة الثورة أو لتمثيلها، وتم في أكتوبر عام 2011 تشكيل المجلس الوطني في إستنبول بنخبة من المعارضين للنظام من الخارج، ومن ذوي الكفاءات وبمزيج من الانتماءات.

وكانت صلات الوصل بالثورة على الأرض تتمّ عبر محادثات مع بعض الناشطين على السكايب، واستقدام بعضهم الآخر إلى دول الجوار، ومن خلال بعض عمليات الدعم المادي والمعنوي.

تنبه المجلس الوطني وبعد فترة طويلة من تشكيله لضرورة اشراك ناشطين من الداخل لتمثيل الثورة حتى يحصل على شرعية أكبر في تمثيلها، وارتباط اكبر بها على الأرض، فتمّ اقتراح زيادة أعضاء المجلس الوطني، وبأن يُشكّل الحراك الثوري ثلث أعضائه، فتشّكلت لجنة في المجلس لدراسة قوائم ناشطي الحراك الثوري في الداخل، بهدف اختيار أعضاء جدد لرفد المجلس بهم، وكانت هذه القوائم مدعومة من وجوه المعارضة والأحزاب والتيارات المُشكِّلة للمجلس، واختارت من الحراك الثوري أصحاب الكفاءات العلمية، وبعضهم كان محسوباً تاريخياً أو فكرياً أو عقائدياً على مكونات المجلس الوطني.

وكان الهدف من هذه الخطوة رأب الصدع وتضييق الثغرة التي بدأت تتسع أكثر بين كل من "معارضة الداخل" و"معارضة الخارج"، ولكن استبعاد الناشطين ال"القبضايات" (ناشطون من الحراك الثوري بدون شهادات أصحاب حرف وصنعات وعاطلين عن العمل وفلاحين ومتعهدين الخ ... ولكنهم كانوا أساسيين وناشطين جداً في الحراك الثوري) جعل تأثير هذه الحركة محدوداً في تحسين تمثيل الثورة، خاصة إذا ما عرفنا بأنّ معظم ناشطي الحراك الذين وصلوا إلى قطر اصطدموا بترتيبات قام بها المتنفذين في المجلس الوطني، وأصحاب القرار لإيصال من يمثلونهم واستبعاد من يمكن استبعاده من ناشطي الحراك الثوري من مراكز صنع القرار في المجلس.

فمثلاً، لانتخاب عضو في الأمانة العامة يلزمه ثمانية أصوات من الأعضاء، وهذا لا يمكن تأمينه لنشطاء قادمين حديثاً لمثل هذه التجربة التي تحتاج ما يسمى ب(الكولسة)، وربما لا يعرفون بعضهم بشكل جيد ولو كانوا أبناء محافظة واحدة مع ايماءات من رموز لتفرقتهم.

وهذا ما جعل نفس الوجوه تصل الى الأمانة العامة المؤلفة من خمسين عضواً بوجود بعض أعضاء الحراك الثوري، والذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد، ليصار بعدها الى انتخاب المكتب التنفيذي، ليتقلص العدد أكثر، وهو ما يعني عملياً استفادة المتنفذين من وجوه المعارضة الخارجية إعلاميا فقط من دعوة نشطاء الحراك الثوري، واستعمالهم للوصول الى عضوية الأمانة العامة والمكتب التنفيذي، والذين اصبحوا يتصرفون بأموال الدعم حسب اجنداتهم وانتماءاتهم وهو يعد اقل سوءا من التحدث باسم الثورة ومع ذلك، تبقى تجربة المجلس الوطني رغم كل هذا الكلام اشرف الف مرة من تجربة الائتلاف، والذي تشكل بقرار دولي بعد أيام قليلة من اجتماع المجلس الوطني.

وكان معظم اعضاء الإئتلاف من معارضة الخارج، والمرتبطين بالسفارات الدولية، مع عدد من أعضاء المجلس الوطني السابق، وكانت حجة الدول أن المجلس الوطني لوحده لا يمثل الشعب السوري، ولكن الحقيقة كانت زرع أعضاء في المعارضة الخارجية جاهزين لتبني قرارات الدول التي أتت بهم دون الاخذ بعين الاعتبار ثورة الشعب المقهور ومعاناته وتضحياته، وبتشكيل الائتلاف صار البون أوسع، واتسع الخرق على الرقع، وزاد في اتساعه اتهام الثوار على الأرض لهذه الوجوه بأنهم متسلقون، وأن لهم أجندات دولية مختلفة عن الأجندات الشعبية الوطنية، وبأنهم لم يتحملوا ولم يعايشوا ولم يطلعوا حقيقة على عذابات الشعب السوري الثائر على الأرض، وهي اتهامات صحيحة بشكل كبير، خاصة وأن اجتماع الهيئة العامة للائتلاف يتطلب توجه طائرات من كل اصقاع الأرض حاملة أعضاء الهيئة من البلدان المقيمين فيها!.

وفي بالمقابل، كان هناك اتهام من وجوه المعارضة الخارجية للداخل بأنهم يتعاملون مع الثورة بعاطفة وحماس واندفاع دون تعقل ودون الوعي بحجم المؤامرة والضغوط وضرورات التعامل مع المجتمع الدولي والركون الى بعض (كثير) من املاءاته وضغوطاته، ناهيك عن خلافاتهم في الداخل، واقتتالهم وتشتتهم (كان للمعارضة الخارجية دور كبير جداً في هذا التشرذم والتفكك والاقتتال وعدم التوحد).

مما جعلهم (الائتلاف) يذهبون الى مفاوضات مكوكية بتعليمات ووعود من دول مختلفة دون اتخاذ مواقف حتى في الأيام المفصلية للثورة السورية (النظام والمحتل الروسي يدمر الغوطة وادلب وحلب) وهم في مفاوضاتهم ساهون.

تم بعدها الدعوة الى مؤتمر (الرياض 2)، وحل هيئة التفاوض القديمة، وتشكيل هيئة تفاوض جديدة وبدأت الاتهامات بين الهيئات القديمة والجديدة، مما جعل الناشطين والثوار على الأرض، وفي كل مكان يطلعون على حجم المؤامرة، وفداحة التنازلات، فكان الموقف الشعبي المعارض لسوتشي، والذي أجبر هيئة التفاوض على رفض المشاركة فيه، ولكن ما زال هنالك احتمال لمشاركة بعض أعضائها بصفتهم الشخصية، في تناقض مضحك بين سلوك بعض الشخصيات وقرار مؤسساتها، والذي يعكس عدم التزام تلك الشخصيات بقرارات مؤسساتها، وكأن المشكلة مقتصرة على الحضور الرسمي دون الحضور الفردي! فيكون سوتشي هو الغربال الأخير للمعارضة وما بعد سوتشي لن يكون كما قبلها على كل الأصعدة وخاصة على صعيد التمثيل للمعارضة في الخارج.

وبالتالي فمن سيذهب الى سوتشي سيسقط نهائياً من قائمة قوى الثورة والمعارضة، وسيكون محسوباً حكماً على النظام المجرم، وهي فرصة لإعادة النظر في تشكيل معارضة خارجية حقيقية تنسق بكل اجنداتها مع الداخل، وتستجيب لمعظم طروحاته، وإذا امتنعت فعن تبرير مقنع للداخل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*من خلال تجربة خاصة (الانتقال من الحراك الثوري في ادلب المجلس الوطني في قطر).

**د. أنس سيد عيسى

عضو المجلس الوطني السوري - ناشط سياسي و انساني

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات