سوريا.. حصان طروادة في هيئة التفاوض الجديدة

سوريا.. حصان طروادة في هيئة التفاوض الجديدة
بعد انفضاض عقد مؤتمر الرياض الثاني، وإدخال تعقيدات غير مسبوقة على الحل السوري المستحيل أصلا، أصبحت التوقعات أقل مجازفة مما كان عليه الأمر قبل مرحلة المؤتمر المذكور.

فقد سبق للمعارضات السورية أن خضعت مكرهة للضغوط للذهاب إلى مسلسل أستانة. وبرر الخاضعون خطواتهم بأن تخصص محادثات العاصمة الكازاخية عسكري تقني هدفه تثبيت “مناطق تخفيف التوتر”، والتقليل من كلفة الدم الباهظة، وليس التوصل إلى حل سياسي، أو الاستسلام للإرادة الروسية الموافق عليها من النظام الأسدي، ومن حليفتها إيران، في إشارة إلى أن الحل الأممي سيكون في جنيف، دون النص على دور الأمم المتحدة في ذلك، أو حتى التلميح إلى وجود ممانعة من الولايات المتحدة لحل روسي في أرض حليفة لموسكو.

التعقيدات التي نص عليها بيان الرياض هي ما يطلبه النظام الأسدي تماما، قبل الذهاب إلى سوتشي في حال تثبيت انعقاده في يناير المقبل، وقبل الذهاب إلى جنيف في 28 نوفمبر الجاري.

تبدأ هذه التعقيدات من تعبير “وفد واحد” بدلا من “وفد موحد”، بما يضمره التعبير من إعادة تدوير لنظرية “الثلث المعطل” التي اخترعها حزب الله في لبنان قبل عقد من اليوم، والهادفة إلى تليين أي تصلب صقوري من جهة الأغلبية في الهيئة العليا للمفاوضات. يعني ذلك أن القرار سيكون بعدد أكثر من ثلثي عدد أعضاء الهيئة الجديدة للمفاوضات، في حال ظننا أن هذا الاحتكام للديمقراطية ممكن في الحالة السورية المتشرذمة شعبيا وسياسيا.

وبالطبع من طلب هذا الثلث المعطل هي منصة موسكو، بالتواطؤ مع منصة القاهرة، وهيئة التنسيق. وعدد هؤلاء 14 (4 + 4 + 6) على الترتيب. وعلى اعتبار أن الوافد الواحد الذاهب إلى موسكو تمت توسعته إلى 18 عضوا، بواقع 3 مفاوضين من الفئات الست المكونة للهيئة (الائتلاف – الفصائل – المستقلون – القاهرة – موسكو، العشائر)، سيكون لمنصة موسكو ومنصة القاهرة مجتمعتين ستة مفاوضين، أي الثلث المعطل تماما.

ووفقا للتصريحات التي رافقت الرياض 2، لا فرق كبيرا بين منصتي القاهرة وموسكو، بل إن منصة القاهرة لعبت دور الوسيط لإقناع الرافضين بقبول شروط قدري جميل وثلته للدخول في الهيئة، ولإدخال فكرة الثلث المعطل.

وعليه، فالأرجح أن أعضاء الوفد المفاوض سيختلفون مع بعضهم، ولن يحتاج وفد النظام الأسدي إلى جهود كبيرة لإفشال هذه الجولة من جنيف.

أما عن سوتشي، فالائتلاف السوري المعارض ينتظر تحديد برنامج المؤتمر قبل الموافقة على حضوره. ويشاع أن سوتشي سيكون مؤلفا من جولة واحدة حاسمة، ولن يتكرر كما هو الحال في جنيف وأستانة.

ومما يتم الحديث عنه حول مفاجآت سوتشي توقع حضور فاروق الشرع، كرئيس لوفد النظام، ومرشح لقيادة المرحلة الانتقالية، وكشخص يمكن القبول به من المعارضات وفق معيار “لم تتلوث يداه بالدم السوري”، دون الحديث عن درجة رتبته الجديدة بالقياس إلى رأس النظام الذي تكاد تتمسك بوجوده منصة موسكو، باعتبارها حصان طروادة في الوفد الذاهب إلى جنيف، وربما إلى سوتشي (منصة موسكو ومنصة القاهرة ستشاركان في سوتشي).

وعلى الرغم من موافقة منصة موسكو على الانضمام إلى الهيئة، لا تزال متحفظة حول بيان “الرياض 2”، وهو ما تلتقي فيه مع وفد النظام الذي أجَّل إرسال وفده إلى جنيف معترضا على عبارة “رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، ورفض التدخلات الإيرانية في سوريا وإحداثها تغييرات ديموغرافية”.

إذن ستحمل الجولة الثامنة من جنيف بذور فشلها في هذه النقطة تحديدا، دون أن تشكل استقالة رياض حجاب وفريقه من الهيئة السابقة أي فرق من حيث النتائج، وسيتولى فريق قدري جميل وضع العصي في العجلات دون الحاجة إلى جهود رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، وعنجهيته الممثلة للنظام الأسدي بكل اقتدار.

فحصان طروادة السوري هنا مختلف عما صدَّره لنا الأدب اليوناني القديم، وبدلا من إدخال أبطال في بطن الحصان الخشبي لاختراق صفوف العدو، سيكون عدو الهيئة بين صفوفها سلفا، وبعلمها وخبرها. ولا يُستبعد أن يحمل هذا الحصان تعليمات محددة من النظام وروسيا، على اعتبار أن مقر إقامة قدري جميل في موسكو، إلى جوار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

على الأرض لا تزال الغوطة تتعرض لهجمة عنيفة من طيران النظام، والطيران الروسي، بالتزامن مع استمرار المحاولات لاستخلاص ما تبقى من الأرض من يد داعش في ريف دير الزور الشرقي، وصولا إلى البوكمال، بمهادنة لا تفسير لها من قبل أميركا وحليفتها قوات سوريا الديمقراطية، حيث يحرص الطرفان على تجنب أي مواجهة عسكرية بينهما، أو تأجيل ذلك.

والتزامن بين أي جولة في جنيف، وتصعيد العمليات العسكرية من قبل جيش النظام وحلفائه، ليس جديدا، كونه يتكرر منذ 2012، خلافا للمنطق الذي يتطلب التهدئة وإعطاء فرصة للحل السياسي، من باب حسن النوايا على الأقل.

الجديد في تفسير تسلسل الأحداث هذا يمكن البحث عنه في مقدمات سوتشي، فهنالك ما يُشاع عما همسه بوتين في أذن بشار الأسد حين استدعاه إلى سوتشي قبل أيام. ومن غير المحتمل أن يكون ما أمر به بوتين رأس النظام الأسدي يتعلق بالعمليات العسكرية، أو يتعلق بمؤتمر جنيف، كون بشار الأسد لا جنرالا، ولا رئيسا، ولا قائدا، بوجود الجنرالات الروس والإيرانيين.

ففي أربع ساعات سرية، أمر بوتين المُستدعى بما يجب عليه أن يفعله لإفشال جولة جنيف الثامنة، ودعم جولة سوتشي الوحيدة المقبلة، التي لم يحضر اجتماعها التحضيري ممثل للنظام الأسدي، بل حضرها وزراء الخارجية: الروسي والإيراني والتركي.

لكن “الحضن” الكبير بين بوتين وبشار في استدعاء الساعات الأربع قد ينسف توقع تنصيب فاروق الشرع رأسا لمرحلة انتقالية لا وجود لبشار الأسد فيها، حيث بدا المستدعى ممتنا إلى درجة الانبطاح، وكان ينقصه تقبيل يد بوتين.

الآن، نحن أمام ساعات أو أيام قليلة، قبل إعلان فشل جنيف، وبرنامج المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لمناقشة الدستور الجديد. هذا إذا ذهب وفد النظام إلى جنيف قبل بداية يوم 28 نوفمبر الجاري (الثلاثاء)، وعلى الرغم من عدم حاجة وفد النظام إلى هذه البروباغندا بوجود ممثل روسيا المستتر ضمن وفد هيئة التفاوض.

وبهذا ستكسب روسيا أكثر من شهر قبل سوتشي، تحاول فيه إخضاع الغوطة الشرقية وضمها مكرهة إلى مناطق تخفيف التوتر. وبالفعل توجد اتصالات بين الروس و“جيش الإسلام”، و“فيلق الرحمن”، و“حركة أحرار الشام”، للترتيب لذلك بشكل منفرد، من خلال فتح معابر لوصول مساعدات إلى مدن دوما وحرستا.

وما دامت هذه الاتصالات تجري بالتزامن مع القصف الجوي والمدفعي، فالنتيجة مضمونة سلفا لمصلحة روسيا وحلفائها، وسيدخل ممثلو هذه الفصائل في عباءة سوتشي.

وفي سوتشي، ستحرص روسيا على دعوة ما لا يقل عن ألف شخص، باعتبارهم ممثلين لـ“شعوب سوريا”، لـ“يتحاوروا”، و“يتفقوا” على الحل السوري، إلا إذا كان الهدف هو الحوار من أجل الحوار على اعتبار أن الاسم تغير إلى “مؤتمر الحوار السوري”.

ووفق نظرة رغبوية متراجعة ومناقضة لمعطيات ميزان القوى على الأرض، مع انسحاب التأثير الأميركي، يبدو أن الحل العسكري والحل السياسي، لم يبدآ بعد، رغم كل هذا الضجيج الإعلامي الذي يكاد يكافئ ضجيج السلاح.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات