إسطنبول واحدة من المدن الكبيرة والمزدحمة في العالم، تتميز بطابعها الحضاري الممزوج بالعصري والقديم، وكل من يزورها بإمكانه ان يلحظ مدى مواكبتها لركب المدن المتطورة في العالم، ووسائل النقل العامة "الميترو، الميتروبوس، الترام واي، الحافلات، والأنفاق" واحدة من القطاعات التي شهدت تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة فيها.
لركوب وسائل النقل العامة في ظل الازدحام الكبير لمدينة إسطنبول قصص طريفة، فالمواطنون الذين نراهم بكامل أناقتهم، والفتيات اللواتي نراهن لطيفات، قد يتحولون وبشكل مفاجئ إلى عكس ما يظهرون عليه.
عندما تغدو وسائل النقل ساحة حرب نفسية
حرب طاحنة تدور بين المواطنين مع اقتراب وسيلة النقل العامة -سواء أكان ترام واي أو ميتروبوس أو غيرهما- من الموقف الخاص بها، الجميع في حالة قنص وحذر، لغة التخاطب بين المواطنين في مثل هذه اللحظات الحاسمة تكون الأعين بدلا من الألسن، الجميع يريد أن يظفر بمقعد كي يجلس، ومع فتح أبواب وسيلة النقل أبوابها، فجأة يتحوّل الشاب الأنيق اللبق إلى مصارع، والفتاة اللطيفة والرقيقة في مثل هذه اللحظات تنسى نفسها بأنها أنثى، إذ تغدو أكثر شراسة، وتتحوّل إلى رجل، تحاول هي الأخرى أن تبذل كل ما بوسعها علّها تظفر بمقعد في ظل تهافت المصارعين على وسيلة النقل.https://orient-news.net/news_images/17_10/1508489425.jpg'>
للعجائز حالة خاصة بهم، فالعجوز التي قد تراها تسير في الشارع مسرعة والشرر يقطر من عينيها، ولربما همّتها تفوق همّة الشاب الذي بجوارها، فجأة وما إن تقطع بطاقة "الأكبيل"، وتدخل المحطة، تتحول إلى كائن لطيف ورقيق -على عكس الشباب لحظة صعودهم الوسيلة- تغدو العجوز كائنا يستدعي الشفقة، حال لسانها يقول أرجوكم لا طاقة لي على الوقوف هل من "ابن حلال" يعطيني مكانه لأجلس.
بعد صعود وسيلة النقل، الحرب الطاحنة التي تحدّثنا عنها، تتحوّل إلى حرب نفسية ما بين الشباب والعجائز، فالشاب الأنيق الذي تحوّل إلى مصارع في أثناء الصعود فجأة يعود إلى أناقته ولباقته مع جلوسه على مقعد، والفتاة التي نسيت أنوثتها في أثناء صعودها هي الأخرى فجأة تستعيد لباقتها وظرافتها مع جلوسها هي الأخرى على مقعد، بينما العجوز التي كانت بكامل لطافتها ورقّتها، وضعفها وتعبها -كما كانت ترغب بأن توحي للشباب من حولها- فجأة تتحوّل إلى عجوز شمطاء، تنظر إلى الشباب الذين لا يبالون لوقوفها على قدميها -على الرغم من بلوغها من العمر ما بلغت- بنظرات لا تخلو من الحقد واللوم والعتاب، ولسان حالها يقول "يا حيف عالترباية"، وتشعر أنها تقول للجالس بدل يا ابن الحلال "يا ابن الـ....".
مع نظرات العجائز التي تحمل اللوم والعتاب، يكون أمام الشباب أحد الحلّين لا ثالث لهما، إما أن يعطي مقعده للعجوز ويتحمّل هو عناء الوقوف الذي قد يستمر لأكثر من نصف ساعة، أو أن يلجأ إلى حيلة تتمثّل في أن يحني رأسه قليلا إلى الأمام، ويضع سماعات جواله على أذنيه، ويرفع صوت الموسيقا الذي يغدو بالنسبة إليه حاجزا يحول بينه وبين العجوز، ومن ثم يخلد إلى النوم في تمثيلية منه لو أنّ مخرجا ما طلب منه في وقت آخر ألا يحرّك رموش عينيه كي يصوّر المشهد بإتقان، أظنّه لن يجيدها كما يجيدها في وسائل النقل العامة، في سعي منه كي يوهم العجائز بأنه متعب ونائم بالفعل.https://orient-news.net/news_images/17_10/1508489316.jpg'>
فكّروا مرتين قبل إعطاء أماكنكم للعجائز
ولكي يتخلص الشاب من عذاب الضمير الذي قد يجبره في بعض الأحيان للقيام من مقعده، وإعطائه لعجوز تستنجد به، أشار أستاذ من جامعة اوكسفورد بحسب صحيفة حرييت التركية، إلى أنّ قيام الشباب من أماكنهم، وإعطائها للعجائز أمر خاطئ، وأنّ الصواب هو أن تُترك العجوز تقف على قدميها!!!!!
"مير غراي" مستشار العيادة الصحية العامة في بريطانيا شدد على ضرورة أن يسير العجائز كل يوم ما يقارب 10 دقائق، داعيا كل من لديه قريب كبير في السن على تحفيزه للاستعانة بالسلالم بدلا من المصعد.
وقال غراي في حوار له مع صحيفة ذا صن: "مع زيادة عمر المرء عليه أن يزيد من نشاطه لا أن يخففها، ولذلك من الضروري تحفيز العجائز على الاستعانة بالسلالم بدلا من المصعد، وكذلك من الضروري بالنسبة إلى الشباب أن يفكروا مرّتين قبل أن يعطوا أماكنهم للعجائز، فوقوف العجائز على أقدامهم يعدّ نشاطا رائعا بالنسبة إليهم".
تتضافر الجهود يجعل العجائز أصغر من سنّهم الحقيقي
صحيفة "ذا بريتيش ميديكال" لفتت إلى أنّ تتضافر جهود المجتمع التي من شأنها أن تُشعر العجائز أنّهم نشيطون، سيخفف من احتياجات العجائز للخدمات الاجتماعية، وسيخفف من رغبتهم بالعيش منعزلين، وبالتالي سيواصلون حياتهم بنشاط أكبر".
وبحسب حرييت أفادت الأبحاث بأنّ النشاطات الرياضية التي يمارسها كبار السن تجعلهم أصغر من سنّهم الحقيقي بما يقارب 10 سنوات.
الخلاصة: بات بإمكان الشباب أن يؤدّوا تمثيلية نومهم مطمئنين ومرتاحي البال، من دون أن يشعروا بعذاب الضمير، فعدم إعطاء مقعدك للعجائز سيعود بالفائدة لهم حتى لو لم يعلموا هم بذلك، الحال في هذا الأمر "كالوالد الذي يعطي الدواء المر العلقم لطفله فيحاول الطفل جاهدا عدم التناول، إلا أنّ الأب ولعلمه بالفائدة يصرّ على إعطائه الدواء......
التعليقات (10)