ومع انطلاق عملية "فجر الجرود"، بدا واضحاً تصميم الجيش اللبناني على خوض المعركة بشكل منفرد معركة ضد تنظيم "داعش"، واعتمد تكتيكاً حربياً بعيداً عن منطق ميليشيا حزب الله، يرتكز على القضم التدريجي لمناطق سيطرة التنظيم في الاراضي اللبنانية، وصولاً الى تحقيق الانتصار السريع وغير المتوقع، وبأقل كلفة بشرية ممكنة، ما صدم تحالف "الأسد-نصرالله"، ولا سيما أنهم كانوا يراهنون على مجريات معاكسة تماماً لمسار هذه المعركة، ما دفعهم للقيام بمحاولات تهدف الإساءةَ الى صورةِ الجيش وهيبته وإحراجه داخلياً وخارجياً مع حلفائه الإقليميين والدوليين عبر استخدام آلياتِه في صورٍ قديمة وبعضها مفبرك، يوحي وكأن الجيش يطلب مؤازرة ميليشيا حزب الله ما دفع بالقيادة العسكرية للنفي أكثر من مرة بأن يكون هناك تنسيق مع الحزب.
الانتصار الذي حققه الجيش اللبناني في كل من جرود رأس بعلبك والقاع يكشف كذب "الممانعة"، خصوصاً أن المواجهات مع الجيش لا تنسجم مع حجم الشائعات عن قدرات أسطورية للتنظيم، كان يسوقها زعيم ميليشيا حزب الله "حسن نصر الله" في إطلالاته الاعلامية ليبرر وجود عناصر حزبه في سوريا "لردع التنظيم الإرهابي عن استهداف اللبنانيين"!
"داعش حزب الله"
وما هو غامض إلى اليوم هو لماذا قرر عشرات العناصر من تنظيم "داعش" الاستسلام لحزب الله، وجيش النظام الأسدي، بدلاً من تسليم أنفسهم للجيش اللبناني؟ خصوصاً أن الجيش اللبناني غير متورط في الدماء السورية، وهو يخوض حروب الجيوش النظامية، وأقصى ما يمكن أن يتعرض له من يلقي الجيش القبض عليه هو إحالته الى القضاء المختص، عسكرياً كان أم مدنياً.
والسؤال الآخر، ماذا فعل حزب الله بعناصر داعش الذين استسلموا لمقاتليه؟ علماً أن المنطق الذي أشبع الحزب اللبنانيين به منذ تورطه في قتل الشعب السوري يقضي بتسليم هؤلاء الارهابيين إلى القضاء اللبناني المختص لمحاكمتهم على جرائمهم التي ارتكبوها في حق اللبنانيين.
مسرحية الاستسلام
مصادر استخباراتية لبنانية أجابت على هذه التساؤلات، وأكدت لـ"أورينت نت" أن حزب الله وقوات الأسد هرّبا عددا كبيرا من أعضاء التنظيم ولاسيما هؤلاء الذين كانوا يتحكمون بدور التنظيم في الجرود من خلال "مسرحية الاستسلام"، مؤكدة أن قيادات من داعش وقوات النظام وحزب الله كانوا على تنسيق دائم وتمت التضحية بالمقاتلين "الصغار" عبر تركهم يتواجهون مع الجيش اللبناني حتى الرمق الأخير.
وكشفت المصادر الاستخباراتية أنه تم رصد عبر الأقمار الاصطناعية تواصل تنظيم داعش مع عناصر حزب الله الذين كانت تمر عبر مناطق الحزب الإمدادات الغذائية والعسكرية من الجانب السوري إلى تلك الجرود القاحلة، والتي لولا تلك الامدادات لكان التنظيم انتهى جوعاً وعطشاً.
ولفتت تلك المصادر الى أن قيادات التنظيم الأساسية دخلت الى الجرود بالتنسيق مع حزب الله كمكافأة على تسليمهم القصير وبلدتي يبرود وقارة في القلمون، وحينها لم يكن هؤلاء القيادات قد بايعوا داعش، إنما المبايعة أتت لاحقاً بطلب من النظام السوري الذي سعى الى إرهاب اللبنانيين من خطر داعش من جهة، وبهدف إقفال طرق التهريب عبر الحدود اللبنانية-السورية وحصرها عبر "القصير" أي عبر حزب الله.
ما هو واضح أيضاً أن عناصر تنظيم داعش هم من السجناء السابقين والذين أخلي سبيلهم في عقب اندلاع الثورة السورية، خصوصا المدعو "أبو مالك التلي"، زعيم جبهة النصرة في جرود عرسال، والمدعو "أبو البراء"، الذي يشتبه بتورطه في خطف العسكريين اللبنانيين، فهؤلاء وجدوا الأمان في تسليم أمرهم لحزب الله والنظام السوري بدلاً من اللجوء، ولو سجناء، إلى كنف القضاء اللبناني!
التعليقات (5)