ما دواعي العملية العسكرية التركية الدفاعية في سوريا "سيف الفرات"؟

ما دواعي العملية العسكرية التركية الدفاعية في سوريا "سيف الفرات"؟
حاولت تركيا لأكثر من خمس سنوات عدم التدخل العسكري في سوريا بالرغم من كل المناوشات الحدودية معها منذ عام 2011، بما فيها اسقاط طائرات اخترقت الحدود التركية او الرد على نيران مدفعية بدأت من داخل الأراضي السورية بغض النظر عن الجهة المتسببة بها، وكانت الرؤية التركية في تلك السنوات ان الشعب السوري هو صاحب الثورة وهو من يتحمل مسؤولية مجريات الثورة ضد النظام السوري مهما كانت وحشيته وهمجيته وإجرامه، وبقيت السياسة التركية تعالج الجوانب الانسانية بايواء المهجرين إليها عبر الحدود وقد تجاوز عددهم ثلاثة ملايين، فتحملت تركيا أعباء ذلك اجتمعيا واقتصاديا وسياسيا، وتحملت تقديم مساعدات إنسانية إلى داخل سوريا، كما سمحت لفصائل الثورة السورية بإدخال ما يحتاجونه من مستلزمات الصمود ضد القمع الوحشي لكتائب الأسد والميليشيات الطائفية الخارجية الإيرانية واللبنانية والعراقية وغيرها، وكذلك استضافت تركيا مؤتمرات سياسية وعسكرية لمساعدة الشعب السوري للخروج من محنته، ودون ان تدخل جنديا تركيا واحدا للأراضي السورية باستثناء الجنود المعتادين لحراسة أضرحة ومقامات عثمانية تاريخية بالاتفاق مع الحكومة السورية سابقا.

ولكن وبعد توالي أحداث التدخل الخارجي في سوريا، بداية بالتدخل الإيراني الميليشياوي للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وميليشيات عراقية من بداية 2013، وسيطرة تنظيم الدولة على مساحات كبيرة من سوريا بتاريخ 10 حزيران 2014، ثم جاء التدخل الروسي رسميا بتاريخ 30/9/2015، وتم ذلك باتفاق مع الحكومة الإيرانية بحيث يتولى الجيش الإيراني السيطرة على الأراضي التي يقوم الطيران الروسي بضربها وإخراج الفصائل المتنوعة منها، وخلال ذلك كانت المحاولات الأمريكية مع حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب وسوريا الديمقراطية للسيطرة على أراض سورية لتحويلها إلى كيان كردي انفصالي شمال سوريا.

 كل ذلك وغيره جعل الدولة التركية مضطرة لاتخاذ تدابير عسكرية دفاعية لمنع أخطار أمنية وعسكرية وسياسية على تركيا قادمة من الحدود السورية، وما كان لتركيا أن تقوم بأية إجراءات دفاعية داخل سوريا إلا بالتعاون مع الشعب السوري نفسه، فهو الضمانة الأولى لنجاح العمليات التركية، ومن خلال أطراف أصيلة في المعارضة السورية والثورة السورية، كانت عملية درع الفرات بالتعاون مع الجيش السوري الحر، وبدأتها تركيا بتاريخ 24 أذار /مارس2016 بتحرير جرابلس وما بعدها، وختمتها بتاريخ 24 آب/اغسطس من نفس العام بتحرير مدينة الباب والوقوف على أبواب عملية تحرير منبج وما بعدها.

ما ميز عملية درع الفرات أنها بدأت على أساس مساعدة الشعب السوري على استعادة حكمه على أراضيه وطرد القوات الأجنبية عنها أولاً، وإجراء ذلك بالتفاهم مع الدولة الأقوى في سوريا وهي روسيا، لأن الوجود الروسي في سوريا مؤقت وجاء لحل أزمة وليس لاستمرارها مثل الوجود الأمريكي، وهذا أكد صحة موقف تركيا بمعالجة مشاكلها القادمة من سوريا مع القوى العسكرية الأقوى فيها وهي روسيا، وإلا فإن الاصطدام معها سيكون ذو مردود عكسي كبير على الأمن القومي التركي والمنطقة.

والميزة الثالثة أن تركيا تتابع نتائج جهودها واتفاقياتها في سوريا، فكانت الخطوة الأولى في عملية درع الفرات التي لم تستطع تحقيق كامل اهدافها بسبب الرفض الأمريكي والروسي معاً، بالرغم من كامل مشروعيتها بمنع بقاء المدن السورية المحاذية للحدود التركية بأيدي تنظيم الدولة "داعش"، والعائق الأمريكي هو أن امريكا استغلت وجود أحزاب كردية انفصالية لتحقيق أكبر أهدافها في سوريا وهو تقسيمها.

 وعملت أمريكا على تأسيس ميليشيات كردية مثل قوات سوريا الديمقراطية للتغطية على أهدافها بإقامة كيان كردي مستقل، مما جعل السياسة التركية في حالة صدام مباشر مع الأهداف الأمريكية في سوريا، وهذا ما دفع الحكومة التركية للتفكير بعملية عسكرية جديدة تمنع إقامة كيان انفصالي كردي شمال سوريا، فتركيا اعلنت مرارا أنها لن تسمح بإقامة هذا الكيان على حدودها الجنوبية إطلاقاً، وأنها سوف تقضي على هذا الكيان، وهذه نقطة خلافية كبيرة مع السياسة الأمريكية، وقد كانت لوقت قريب نقطة خلافية مع السياسة الروسية أيضاً، بسبب محاولة روسيا كسب حزب الاتحاد الديمقراطي لجانبها، ولكنها فشلت في منافسة الاستدراج الأمريكي له. فحزب الاتحاد الديمقراطي وقواته وحدات حماية الشعب وثقت علاقتها السياسية والعسكرية مع أمريكا وجيشها، وأمريكا راهنت كثيراً على هذه الأحزاب الكردية لتكون أداتها العسكرية الميدانية في سوريا، وزودتها بالأسلحة الأمريكية الثقيلة، بل امدتها بالجنود المارينز للقتال معها لاستعادة الرقة وغيرها من تنظيم الدولة، وهذا جعل روسيا تقترب أكثر من الرؤية التركية للحيلولة دون تمركز قوات أمريكية شمال شرق سوريا بشكل دائم، أو إقامة قاعدة عسكرية أمريكية هناك.

هذا الموقف الروسي يظهر من موافقته على الجزء الأول من عملية درع الفرات والتي تركزت على محاربة تنظيم الدولة، ولكن روسيا تلكأت عن دعم تركيا والجيش السوري الحر في السيطرة على منبج، واستعادتها من قوات "ب ي د"، وهي الخطوة التي كان يمكن ان تكمل عملية درع الفرات، وقطع الطريق على قوات حزب الاتحاد الديمقراطي من ربط المواقع العسكرية التي احتلها بمساعدة أمريكية، بعد أن أخرج منها قوات تنظيم الدولة "داعش"، وللحيلولة دون تمكينها من السيطرة على امتداد جغرافي على كامل الشمال السوري، فقد أدت سيطرت الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا على مدينة الباب إلى إضعاف سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الريف الشمالي لحلب، وباتت الفرصة مواتية لاستعادة منطقة تل رفعت ومارع من الميليشيات الكردية الانفصالية، التي احتلها من قبل بتوافق روسي وأمريكي، بهدف توحيد ما يسمى  إقليم "روجوفا"، أي كردستان الغربية، ولكن تراجع أو تغيير الرؤية الروسية الآن، ورغبتها بالاتفاق مع تركيا قد أوجد قدرة أكبر للجيش السوري الحر وبدعم تركي وتفاهم روسي لتمكينه من الربط بين شمال غرب حلب مع مدينة ادلب، وإخراج كافة التنظيمات الارهابية منها.

إن زيارة وزير الدفاع الروسي إلى انقرة ولقائه الرئيس التركي أردوغان ونظيره وزير الدفاع التركي ورئيس هيئة الاركان التركية خلوصي آكار هو مؤشر على قرب العملية العسكرية التي تستعد لها تركيا وروسيا والجيش السوري الحر، والتي أشار إليها متحدث الرئاسة التركية ابراهيم قالن قبل أيام، والهدف المعلن هو منع سيطرة الميليشيات الكردية من السيطرة على المنطقة، والحيلولة دون سيطرتها على عفرين، واستعادة السكان السوريين الأصليين لقراهم بعد تهجيرهم منها، سواء من تنظيم الدولة داعش أو من ميليشيات وحدات حماية الشعب التابعة  لحزب العمال الكردستاني.

وقد تأكد ذلك من خلال كشفت صحيفة روسية يوم الثلاثاء 4 تموز/يوليو الجاري بأن عملية عسكرية تستعد تركيا تنفيذها في مدنية عفرين التابعة لمحافظة حلب شمالي سوريا، بهدف طرد إرهابيي "بي كا كا" من المدينة.، وأشارت صحيفة "سفوبودنايا بريسسا"، إلى لقاء عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع وفد روسي ترأسه وزير الدفاع  سيرغي شويغو في إسطنبول السابق ذكره، وأنهم بحثوا خلاله الوضع الراهن في مدينة عفرين، وأن الجانبين التركي والروسي، بحثوا تفاصيل العملية التي تستعد تركيا تنفيذها في عفرين ضد إرهابيي "ب ي د" الفرع السوري لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية بهذه المدنية، وقال الصحفي الروسي "أنطون مارداسوف" في تقرير الصحيفة، إن روسيا قررت الخروج من عفرين بعد التقارب الكبير الذي أبداه تنظيم "ب ي د" للولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، وأكد أن روسيا ستدعم العملية التي ستطلقها تركيا في عفرين، وبحسب مصادر تركية وروسية فإن العملية التركية ستحمل اسم "سيف الفرات" وستستمر 70 يوما، وتخطط أنقرة فيها تدمير  41 هدفاً لتنظيم "ب ي د" الإرهابي، فالمصادر التركية والروسية ومصادر الجيش السوري تؤكد قرب عملية عسكرية كبيرة هدفها إعادة السيطرة على الأراضي السورية شمال سوريا لسكانها الأصليين وتطهيرها من مشاريع التقسيم ومرتزقتها الطامعين.

التعليقات (1)

    نحن الاكراد

    ·منذ 6 سنوات 9 أشهر
    هل هكذا نحن الاكراد بنظركم ؟ ألا تخجلون من انفسكم ؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات