جنيف 4.. أوان التسوية لم يحن بعد

جنيف 4.. أوان التسوية لم يحن بعد

كما كان متوقعاً لم تخرج حوارات جنيف في نسختها أو جولتها الرابعة بأي نتائج جدية، حدث هذا لعدة أسباب منها، إن عقدها بالأساس هدف إلى إبقاء عربة التسوية على السكة بغض النظر عن النتائج، وقبل ذلك وبعده فإن أوان التسوية لم يحن بعد، وظروفها لم تنضج لعدة أسباب ايضاً أهمها عدم بلورة الإدارة الأمريكية الجديدة لرؤيتها تجاه القضية السورية،  إضافة إلى عدم امتلاك موسكو الإرادة والشجاعة للمضي قدماً باتجاه التسوية، بعدما اتخذت القرار المبدئي فقط. أما النظام فليس سوى ألعوبة بيد موسكو وإيران التي تبدو وحدها رافضة ومعرقلة للتسوية ومستعدة لفعل كل ما بوسعها لإفشالها.

سعت الأمم المتحدة عبر مبعوثها ديمستوار بكل قوة لعقد الجولة الرابعة من حوارات جنيف لإبقاء العملية السياسية في هذه المدينة الأوروبية، التي انطلقت منها، وللتأكيد على حقيقة  أن حوارات استانا ليس سوى لتثبيت وقف إطلاق النار بتفاصيله وتجلياته المختلفة،  والقضايا والملفات الأخرى ذات الصلة بما فيها محاربة الإرهاب. أما القضايا السياسية والاساسية  فتبحث في جنيف حصراً.

أرادت الأمم المتحدة كذلك ومعها وقوى المعارضة وأصدقائها القليلين وتركيا تحديداً التمسك  بالشرعية الدولية وقراراتها بجنيف، وإعلانها العتيد والتأكيد أن أستانا ليس بديلاً عنها، وإنما خطوة أو تمهيد وتهيئة الأجواء لها.

الأمم المتحدة أراد كذلك استغلال مجزرة حلب، والواقع الذي خلفته بما في ذلك محادثات استانة نفسها، للتأكيد على  ضرورة عدم الاستغناء عن الحل السياسي، وملاقاة أو استغلال قناعة موسكو باستحالة تطبيق الخيار الشيشاني على كامل الأراضي السورية، للعودة من جديد إلى طاولة المفاوضات وفي جنيف تحديداً.

هذا في الإطار العام أو الشكل أما فى المضمون، فقد بدا دي مستورا وفى ظل الفراغ الامريكى متساوقاً أكثر مع الموقف الروسي، هو عمل مع موسكو عن قرب وأراد انجاح  الحوار أو على الأقل هذه الجولة منه وعدم  إفشالها ، ما اضطره لطلب المساعدة منها ولذلك بدا متبنياً موقفها ومتساوقاً معها  فيما يتعلق بتشكيل وفد المعارضة ورفض حصرية حضور هيئة التفاوض العليا،  رغم تمثيلها ليس فقط للمقاتلين والثوار على الأرض  اللذين اضطرت موسكو نفسه للاعتراف بهم وبشرعية تمثيلهم،  ناهيك عن  دعم وتأييد القوى السياسية  المركزية الأخرى، وقبل ذلك وبعده تعبيرها عن مواقف تطلعات الشعب السوري وأهدافه كما تبدت منذ انطلاق الثوره ونزوله الشارع قبل 6 سنوات منادياً ومطالباً بالحرير الكرامة العدالة وتقرير مصيره بنفسه.

رغم الإنجاز الشكلي والتكتيكي للروس بالإصرار على حضور منصات حميميم ب و ج إضافة الى منصة حميميم أ طبعا الممثلة بالنظام بحيث بتنا في الحقيقة أمام ثلاثة وفود للدولة المتوحشة والمسلخ البشري مقابل وفد واحد يمثل المعارضة والشعب السوري، الا أن المضمون جاء فى صالح المعارضة ولو بشكل جزئي وتكتيكي أيضاً عبر الإصرار على مركزية الانتقال السياسى وأولويته، مع حضوره قبل ملفات الدستور والانتخابات،  ورغم إصرار حميميم 1 على إقحام ملف الإرهاب ورغبة دمستورا الواضحة  في أن يكون ذلك من مهام حوارات استانا.

 ورغم أن الحل الوسط  لم يكن مناسباً إلا انه لم يكن كارثياً ايضاً،  عبر التوافق على التوازي بين السلات الثلاث والموافقة على مناقشة ملف الإرهاب بشكل عام أو استراتيجيات محاربته  مع  موقف متماسك منسجم وواقعى للهيئة العليا،  باعتبار الارهاب كل ملة واحدة سواء اكان إرهاب الكمياوي والبراميل المتفجرة والحصار والتجويع أو إرهاب الحشود الشعبية الطائفية على اختلاف مسمياتها، وهو لا يختلف عن إرهاب داعش والنصرة مع التمسك بالقاعدة الأخلاقية السياسية الأمنية الصحيحة لجهة أن النظام البشع نظام المسلخ البشري هو الدفيئة او الحاضنة المركزية للإرهاب وبزواله يتم قطع خطوة كبيرة وأساسية باتجاه هزيمة الإرهاب وقطع دابره.

 بشكل عام كان أداء المعارضة جيداً فى جنيف 4 بدا وفدها متماسكا| منسجماً تنظيمياً سياسياً واعلامياً أيضاً تصرف بمسؤولية وتسامى وكان مهموم فعلاً بالبجث عن حل سياسي جدي للقضية السورية، كان بمثابة أم الصبي فى مواجهة بلطحة وتشبيح وفد العصابة المتوحشة والمسلخ البشرى ، وللمفارقة ورغم كل ما يضخه الحشد الشعبى الإعلامى فى بيروت  وبعض وسائل إعلام الفلول والثورات المضادة المتساوق معه،  وحتى وسائل الإعلام الدولية المتساوقة مع الحلف الأقلوي المذهبي، الا أن وفد المعارضة تصرف باستقلالية تامة  وامتلك حرية واسعة ملحوظة وكاملة فى طرح مواقفه والدفاع عنها،  بينما بدا وفد حميميم 1 أداة بيد الروس والايرانيين ووالميليشيات التى حمت سقوطه حتى الان ، وبالنسبة للروس فقد بدا تابعاً لهم ولا يستطيع مواجهة او رفض ما يقبلونه او يطرحونه على جدول الأعمال،  متل الموافقة على مناقشة الانتقال السياسي أو ترك ملف الارهاب بشكل فعلي وجدي لحوار أستانة.

 فى كل الأحوال تبدو آلية جنيف والعملية الساسية فى مراحلها الأولى والتمهيدية  رغم مرور 6 سنوات على اندلاع الثورة السورية، و5 سنوات على إعلان جنيف وإقلاعها الجدى مرهون ليس فقط ببلورة واشنطن لمواقفها ورؤاها، ودخول أو بالأحرى عودة الرياض بروكسل الدوحة القوية للقضية السورية الى جانب تركيا الحاضرة وبقوة، وإنما  بتغيير الوقائع التى فرضها إجرام  لامبالاة وبرود إدارة اوباما على الأرض وعدم ممانعته تسليم سورية لإيران ثم لموسكو  بعد ذلك، وستكون الأولوية فى ضوء تلك الوقائع لمحاربة داعش بشكل  يفترض أن يكون مختلف عما فعله أوباما وادارته المنصرفة، بالتوازي مع استكمال عملية درع الفرات بعد وضع اسسها بشكل صلب على الارض، وهو ما سيستغرق شهور عدة وعلى الأرجح حتى نهاية العام الحالي.

 طبعً  وخلال هذه المدة سيكون تركيز على القضايا الأمنية في استانا ، وسعى لإبقاء وقف إطلاق النار حياً ولو بشكل هش، وسيكون نقاش سياسي تمهيدي وعام في جنيف، حيث ستتواصل جولات الحوارات ربما تصل حتى الى 10 وليس فقط 5 أو  6 كما توقع دي موستورا  نفسه،  هذا على افتراض أنه سيظل فى موقعه بعدما بدا متماهياً مع مجموعة فيينا وحتى مع المواقف الروسية ، أكثر من التزامه بروح جنيف ودور الأمم المتحدة قوانينها مواثيقها وشرائعها الدولية.

باختصار وتركيز ستظل عربة التسوية على السكة، لكن دون دفع أو تقدم جدى طوال السنة الحالية تقريبا والأمر مرتبط حتماً بتغيير الوقائع على الارض، و هزيمة داعش فى الرقة تحديداً دون أن يستفيد النظام أو حلفائه الطائفيين، مع ضغط سياسي ديبلوماسي قانوني وميداني على طهران، لسحب ميليشلياتها غير الشرعية من سوريا ، ومن ثم تخيير موسكو المحتاجة فعلاً للتسوية بين العودة إلى جنيف نصاً وروحاً أو مواجهة حرب استنزاف لا قبل لها بها ولا قدرة لها على الانتصار فيها .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات