أبو شهرزاد الأصفهاني وفن التشبيح الدبلوماسي

أبو شهرزاد الأصفهاني وفن التشبيح الدبلوماسي

منذ بداية الثورة السورية في العام 2011 والنظام  يبدع في الكذب وتزييف الحقائق، فنجح أحياناً وفشل أحياناً أخرى، لكنه وبلا أدنى شك استند في كذبه وفبركاته للأحداث إلى رغبة دولية في اعتماد روايته والترويج لها، خاصة في وسائل الإعلام الغربية التي تولت تبييض صفحة نظام مافياوي أجرم بحق الإنسانية جمعاء. 

من الأشخاص الذين برعوا في الكذب والتشبيح مندوب نظام الأسد في مجلس الأمن، هذا الشخص الذي يعتبر مثار جدل كبير يكاد لا ينتهي، ليس لأنه أحد أعمدة نظام الأسد فقط، بل لأسباب عدة، أهمها استماتته في الدفاع عن الأسد واجتراح الأكاذيب والتشبيح الدبلوماسي إضافة لتضارب الروايات حول أصله وفصله.  

رغم أن عائلة الجعفري تعتبر من العائلات الدمشقية ولها ثلاثة فروع (حسني وحسيني وجعفري) كما جاء في كتاب موسوعة الأسر الدمشقية للباحث "محمد شريف الصواف" الصادر في العام 2008، إلا أن المعلومات تتضارب الروايات حول أصل ومكان ولادته، فالمعلومات الرسمية تقول إنه من مواليد دمشق في 14 إبريل / نيسان 1956، بينما تقول روايات أخرى أنه من مواليد مدينة أصفهان الإيرانية، حيث يستدل أصحاب هذه الرواية بما يسربه الجعفري في مجالسه وبين أصدقائه المقربين عن أصوله الإيرانية، خاصة وأنه درس في إيران ومتزوج من سيدة إيرانية، ويتقن الفارسية بطلاقة، وله كتابات تدلل على ثقافته الإيرانية أهمها رسالة الدكتوراه في العلاقات الدولية والتي تمحورت حول الإسلام الشيعي، إضافة لكتابه المثير للجدل: "أولياء الشرق البعيد" الذي يعتبر رواية تاريخية يتحدث فيها عن كيفية انتشار الإسلام في أرخبيل الملايو، حيث يَنسِب فضل انتشار الإسلام في شرق أسيا لإيران.

كثير من الشخصيات المهمة من سوريين وعرب، الذين اشترتهم أو جندتهم إيران، كانوا يذهبون في زيارة خاصة ليعودوا بعدها نصف معممين! 

محاولات الجعفري نشر الثقافة الإيرانية بشكل ممنهج، تؤكد حقيقة انتمائه، وعلاقته بجهاز الإستخبارات الإيراني الذي ربما يكون هو من أوصله لمنصب مندوب سورية في الأمم المتحدة، بعد أن تدرج المناصب في وزارة الخارجية، وهو نفس السبب الذي أدى لتعيينه ممثلاً لسورية في "تفاهم نيسان" الموقع في العام 1996 بين "حزب الله" اللبناني وإيران وإسرائيل ودول أخرى.  

لَإِن كان الجعفري يتحدث العربية فهذا أمر طبيعي باعتباره سورياً، وأن يتحدث الفرنسية كونه حاصل على شهادة في الادب الفرنسي فهذا مفهوم، وأن يتحدث الانجليزية باعتبارها اللغة العالمية الأولى وكونه دبلوماسياً فهذا أيضا أمر ضروري، لكن أن يتحدث الفارسية ومنذ نعومة أظفاره مع الانكار بأنه من أصول إيرانية فهذا ماهو غير مقبول، وهو بحد ذاته مثار شك وريبة يضاف للجدل الدائر حول الأصول المجهولة لعائلة الأسد نفسها. 

بدأ بشار الجعفري مشواره الدبلوماسي الفعلي عام 2006، حين تم تعيينه ممثلاً لسورية لدى الأمم المتحدة خلفاً لفيصل المقداد، ورغم أنه تقلد هذا المنصب في فترة حسّاسة، إلا أنه لم يبرز فعلياً سوى في الفترة التي بدأت أخبار المجازر التي يرتكبها نظام الأسد تصل إلى مسامع العالم، فتحول الجعفري لمدافع شرس عن النظام، فعرف عنه مرافعاته التشبيحية المليئة بالتزوير والمغالطات والتلاعب بالوقائع.

تاريخ الجعفري حافل بالكذب وتزييف الحقائق، لكن لعل أشهر وقائع كذبه هي تلك التي ساقها في إحدى جلسات مجلس الأمن، وأكسبته أول شهرة كـ كاذب، تمثل ذلك في تحريفه الفاضح لما جاء في مقابلة الشهيد عبد القادر الصالح في برنامج نقطة نظام على قناة العربية، حيث قام الجعفري بتزوير الأسئلة والأجوبة الخاصة بموقف الثورة من الأقليات، وأورد كلاماً عن أسلمة الأقليات بالقوة والذبح بحد السيف وإجبارهم على دفع الجزية، في حين أن الشهيد الصالح أكد في المقابلة المذكورة والتي أجريت معه في الشهر الرابع من العام 2013 أنه يتمنى لو كان من الأقليات لكثرة ما يدور من حديث عنهم وطمأن الجميع إلى أن الأقليات في سورية سيتمتعون بحياة أفضل من تلك التي عاشوها تحت حكم الأسد.

براعة الجعفري في الكذب وتبريره فظائع النظام بحق الشعب السوري، أهلته لمنصب "كبير المفاوضين" في مؤتمر جنيف 2 مطلع عام 2014، وفي جولات التفاوض اللاحقة به في 2015 و2016 وصولاً إلى أستانا وجنيف 4، ولا شك أن وقاحة الجعفري وسلوكه التشبيحي الحافل بالكذب والتزوير هو نتاج خبرة مخابراتية متراكمة تجلت خلال وجوده في باريس، حيث كان يتولى مراقبة نشاطات السوريين المعارضين ويرفع التقارير عنهم. ليقوم بعد توليه لمنصبه الدبلوماسي في السفارة السورية، بتوظيف العديد من الطلاب السوريين الدارسين في فرنسا، كمخبرين يراقبون نشاط زملائهم، ويبدو أنه قد برع في مهمته الأمنية حينها، وهو ما يفسر توليه منصب مدير إدارة المنظمات الدولية في وزارة الشؤون الخارجية في دمشق، الذي تولاه بين العامين 2002 و2004، حيث تعتبر هذه الإدارة ذراعاً أمنية تعمل تحت غطاء وزارة الخارجية، ما يؤهلها للتحرك في الميدان الدبلوماسي.

وقاحة الجعفري وقدرته على الكذب والمراوغة والتلاعب بالكلمات، أكسبته شهرة فائقة جعلته ينافس الكثير من أعمدة النظام، كـ وليد المعلم، وسهيل الحسن "النمر" وشريف شحادة، بل وحتى بشار الأسد النظام نفسه، فهو لم يتورع عن توجيه الكلام النابي والإهانات التي لا تنم عن دبلوماسية، وكلنا يذكر سجاله مع مراسلة قناة العربية "ريما مكتبي في الشهر الثاني من العام 2014 عندما لم يتحمل أسئلتها فخاطبها قائلا: "يا بتحكي يا بتسكتي وبتخليني إحكي.. اسكتي"! 

أما أشهر قصصه فقد كانت محاولة نيل رضى الغرب من خلال استهزائه بالقرآن الكريم عندما قال في أحد مؤتمراته الصحفية: "لن يكون هناك تفاوض، نحن هنا لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري – سوري دون شروط مسبقة، ودون تدخل خارجي ثم زاد عليها احفظوها هذه، لأنها فاتحة بالقرآن تبعنا، ليختم بالقول: صدق الله العظيم". 

من الأمثلة على كذب الجعفري وتزييفه للحقائق فضيحة الصورة التي أبرزها في إحدى جلسات مجلس الأمن على أنها لجنود سوريين يساعدون المدنيين في حلب، في حين أن الصورة كانت من العراق!

 

 للجعفري صولات وجولات من التشبيح حتى على مندوبي الدول الأخرى في مجلس الأمن حيث لم يسلم منه مندوبو السعودية وقطر وليبيا، وهو كذلك زاود حتى على مندوب إسرائيل التي حمت نظام سيده من السقوط، وهو ما يفسر وقاحته وقدرته على المراوغة، فمعروف عن الجعفري صلاته الجيدة مع يهود من أصول سورية ويتمتعون بعلاقات طيبة من منظمة أيباك وإسرائيل، وقد كان على تواصل مع مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق ورئيس حركة السلام الآن الإسرائيلية "آلون ليئيل" حيث ذكرت صحيفة هآرتس في العام 2008 أن الجعفري أبدى إستعداد النظام السوري لعقد مباحثات سلام مباشرة مع إسرائيل.

من منا لا يذكر تشبيح الجعفري على كبير مفاوضي وفد المعارضة محمد علوش عندما قال: "كبير مفاوضي وفد السعودية إرهابي ولا يشرفنا على الإطلاق أن ننخرط في مفاوضات مباشرة مع هذا الإرهابي بالذات، لذلك لن تكون هناك محادثات مباشرة ما لم يعتذر هذا الإرهابي عن تصريحه ويسحبه من التداول ويحلق ذقنه". والجعفري لم يوفر أحداً وقد حدث أن اشتبك مع الشيخ المحيسني متهماً إياه بمفتي القتل الخاص بالنصرة وأحرار الشام.

في جنيف 4 التي لا تعبر بحال عن آمال وتطلعات السوريين، فان الجعفري مستمر على نفس النهج الذي سار عليه طيلة فترة خدمته لنظام الأسد وهو يسعى بشتى الطرق للتشويش على الإجتماعات، ونجح في إبتزاز وفد المعارضة وإجباره على تقديم إدانة مبطنة لعملية حمص التي تبنتها "هيئة تحرير الشام"، ما يؤكد أن أوامره المباشرة تصله من طهران التي ليس من صالحها التوصل لأي تسوية خاصة بالأزمة السورية لأن هذا يعني قطع دابرها من سورية.

الجعفري ليس الشخص الوحيد المقرب جداً من الأسد، فابنته شهرزاد فاقته في علاقاتها بالأسد ودورها في حياته الخاصة، وهو ما كشفته تسريبات بريد الأسد الإليكتروني المخترق في العام 2012 والتي أكدت وجود مجموعة مستشارين إعلاميين للأسد منهم فواز الأخرس، وهديل العلي، ولونا الشبل، وشهرزاد الجعفري التي راجت شائعات عن أنها زوجته السرية "متعة"، وكان يعتمد عليها كمستشارة لشؤون الإعلام الخارجي وتنسيق المقابلات، وتعمل كصلة وصل بينه وبين أبيها.

شيراز الجعفري التي يطلق عليها البعض لقب "كيم كارديشان سورية" هي صاحبة نظرية: "النفسية الأمريكية يمكن التلاعب بها بسهولة حين تسمع بوجود أخطاء، وأنه يجري العمل على إصلاحها". وهي التي رتبت لبشار مقابلة مثيرة مع "مجلة فوغ" في العام 2011، مستغلة عملها كمتدربة في شركة العلاقات العامة "براون لويد جيمس" التي بيضت بدورها صفحة الديكتاتور المجرم، وقدمت له نصائح هامة عن الطريقة المثلى للتعاطي مع الرأي العام والإعلام الغربيان. 

على عكس شهرزاد التي دعمت النظام ولمعت صورته، كان صديقها الحميم "شهريار" الإيراني – الأمريكي، ضد جرائم النظام ونشر العديد من الصور والفيديوهات عن ممارسات نظام الأسد في سورية وربما يكون قد نجح في إبعادها عن السياسة بعد أن انتقلت في العام 2012 للعيش معه في أمريكا، بعد أن جعلوها تكره سورية كما تقول في إشارة ضمنية لـ "لونا الشبل".

 

من أصدق ما قال الجعفري وهو الكذوب: " يبقى العميل عميلا فلا تصدقوا أن ذيل الكلب ينعدل" وهو ما ينطبق على كامل منظومة الحكم الأسدي التي باعت الجمل بما حمل ودانت بالولاء للجميع إلا سورية، هذا النظام الذي خرقت سيادته عشرات المرات فكان رده الدائم تهديدات جوفاء من قبيل "نحتفظ بحق الرد"، و "من ينتهك سيادتنا سيدفع ثمناً غالياً للغاية".

التغلغل الإيراني الصفوي في سورية أخطر وأكبر مما يتصور الجميع، وقد نجحت إيران في إحكام قبضتها على سورية، من خلال شراء وتجنيد العديد المسؤولين السوريين من سياسيين وأمنيين ورجال دين، إضافة لتجنيس الألاف من مواطنيها بالجنسية السورية، أحدهم "خليل جواد" الصفوي الحاقد زوج الشمطاء بثينة شعبان. 

أبو شهرزاد يصلح كممثل مسرحي، لكن ليس في السياسة حيث الذكاء واللباقة والدبلوماسية هي السائدة، والتي لا تناسب بحال من الأحوال أحد شبيحة نظام مخابراتي ديكتاتوري قذر لا يجيد حتى فن الكذب، وكان ليسقط خلال شهور لولا الدعم الهائل الذي تلقاه إقليمياً ودولياً. 

التعليقات (4)

    ابو أسامة الحسن

    ·منذ 7 سنوات شهر
    أذا قتل كسرى فلا كسرى بعده وستهزم إيران وشبيحتها وستسحق تحت نعال السوريين الشرفاء

    ثائر

    ·منذ 7 سنوات شهر
    الغريب أنه حتى اليوم لم يجلطه أحد بعبارة " خراس يا شبيح " في المؤتمرات، أو بحركة رمي " الصرماية " بوجهه. أعتقد أنهم يخافون أن تتسخ صراميهم لو لا مسته ... فهو إبن متعة حاقد قابض الثمن و قواد على إبنته. حان أوان قطافه.

    شامي حر اصيل

    ·منذ 7 سنوات شهر
    اخي حاجة تخبيص لسا بتقولوا الجعفري ايراني الرجل مرته شيعية عائلته كلها سنية من اعرق الاسر الدمشقية وكل اقاربه معارضين بس عالساكت انا بعرفهم كلهم

    دمشقي

    ·منذ 7 سنوات شهر
    مين اشقاء بشار الجعفري @شامي حر اصيل
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات