مضايا المحاصرة "أخطر منطقة في العالم"

مضايا المحاصرة "أخطر منطقة في العالم"
ضمن مساحة لا تتجاوز 1 كم مربع، تحاصر ضمنها ميليشيا حزب الله اللبنانية ما يقارب 40 ألف نسمة، هم سكان ووافدي أهل بلدة مضايا بريف دمشق الغربي، وتحيط بهم من كل مكان فوهات الجحيم، لكن للمفارقة هو جحيم يبث "الزمهرير" الذي تتجمد من لفحه الدماء في العروق، مضايا؛ تلك البلدة المنسية في غياهب السياسة،  باتت بكل المقاييس أخطر منطقة سكانية في العالم.

ليست هنا بداية الحكاية، بل بدأت غداة الحملة العسكرية الشرسة التي شنها النظام ومليشيا حزب الله في يوليو حزيران عام 2015 على منطقة الزبداني ذاقت فيها مضايا والزبداني ألوان القصف والتدمير، وسط غفلة وتعام تام من كل المجتمع الدولي، قبل أن يقوم جيش الفتح التابع للمعارضة المسلحة باستهداف بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في ريف إدلب اللتين كانتا بؤرتين تؤويان المليشيات الطائفية التي تصب حممها على كل محيطها من البلدات الآمنة، وجرت المقايضة بعدئذ حينما ذاق النظام وميليشياته طعماً مراً ولأول مرة رضخوا لهدنة تم بموجبها إيقاف حملة النظام ومليشياته على الزبداني، مقابل إيقاف الحملة على الفوعة وكفريا،  مع إبقاء الحصار، حصار خانق تطور إلى مجاعة مروعة حصدت أرواح العشرات من السكان الذين ماتوا جوعاً، في غفلة من العالم الذي يدعي مدنية القرن الحادي والعشرين، وفي الوقت الذي كانت الفوعة وكفريا يمدها النظام بجسر جوي من المساعدات كانت مضايا تموت بصمت.

 ولما ضج الحديث عن الموت الزؤام في مضايا كان لا بد للنظام العالمي أن يستر عورته بورقة توت خرقاء ترجمها على شكل مساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع، مساعدات تقتصر على صنف محدد من المواد الغذائية، التي قوامها الأرز والبرغل والبقول، مع ما يسببه ذلك من تدمير للنظام الغذائي وتأثير على الصحة العامة، ولا أدل على ذلك من الأمراض التي ظهرت بين الناس نتيجة اختلال النظام الغذائي لعل أبرزها الفشل الكلوي الذي كشر عن أنيابه في بلدة لا تملك أدنى مقومات العمل الصحي.

ففي مضايا أنت أمام نقطة طبية لا تصلح لشيء من العمل الطبي المتخصص اللهم إلا تضميد الجروح البسيطة، فما بالك بشيء على مستوى غسيل الكلى، وأنى لهم ذلك والعمل الطبي لا يفتقر فقط إلى أجهزة طبية بل إلى كادر طبي متخصص وأنت في مضايا ستجد نفسك بين يدي طبيب بيطري وطالبي أسنان، يبذلون ما يمليه عليهم ضميرهم من العمل الدؤوب بغية مساعدة الناس قدر الإمكان.

لكن الحكاية لم تنته هنا، فالجزء الأهم من الحكاية، أن النظام ومليشياته ليس لهم عهد ولا ذمة، ولطالما خبر السوريون خفر النظام للذمم، فهو يلعب أقذر ألاعيبه في مضايا، وبالعودة لاتفاقية المدن الأربعة مضايا الزبداني كفريا الفوعة، كانت تنص على أن بلدات بنش وغيرها من البلدات التي كانت تذوق حمم النار من كفريا والفوعة؛ هي أيضاً مشمولة باتفاق الهدنة، وهنا تبدأ لعبة النظام، فهو يبدأ بخرق الهدنة بقصف سوق شعبي في بنش، فيقوم أهل بنش بقصف كفريا والفوعة، ليسارع النظام ومليشياته لقصف البلدة، وبات النظام يعامل سكان مضايا بالحسابات بالدقيقة، فلو جرح شخص في الفوعة فلا بد أن يجرح أشخاص في البلدة، ولو ضربت طلقة هناك فلا بد أن تكون مضايا مستهدفة بالمقابل، وقد سقط العشرات من المدنيين الأبرياء ضحايا القصف والقنص لا ذنب لهم سوى أنهم من مضايا.

يتربع النظام ومليشياته على مرتفعات جبلية تحيط بمضايا من كل الجهات فضلا عن احتلاله لسهل البلدة وقد نصب بكل تلك النقاط مدافع ثقيلة ودبابات وقناصات ورشاشات ثقيلة، وأصبحت البلدة البائسة بذلك أمامه مكشوفة بكل شوارعها وأبنيتها ومداخلها ومخارجها حتى أن المرء لا يكاد يسير بزقاق إلا ويتحسس أنه نجا من قناص هنا ورشاش هناك، وطبيعة مضايا الجغرافية جعلت حتى الطوابق السفلية عرضة للقصف فباتت البلدة تبحث عن ملجأ يؤويها من نيران عدو يتربص بها الدوائر، فباتت بحق أخطر مدينة في العالم.

سنة ونصف ومضايا ترزح تحت حصار خانق أنهكها حتى الثمالة، واستنفذ كل مقدراتها وطاقاتها، فموارد الطاقة معدومة تماما، وقد بذل الناس ما بوسعهم ليجدوا البدائل، فلا وقود للطبخ ولا وسائل للتدفئة، فمن حرق المواد البلاستيكية التي تبث السموم إلى حرق الملابس وصولا لحرق أثاث المنازل كل هذا ليبثوا قليلاً من الدفء بأجساد أطفالهم، أطفالهم الذين باتوا لا يبحثون عن ترف اللعب بأمان دون أن يقتنص روحهم قناص حاقد، ولا حتى عن مدارس أغلقت أبوابها ليس بحثا عن ترف الدفء في الصفوف التي تعصف بها الرياح الباردة، بل أوصدت أبوابها لأنها باتت هدفاً سهلاً لقذائف الموت الذي يحص الأرواح بلا رقيب، ليكون مصير جيل كامل هو الحرمان من كل شيء فضلاً عن التعليم. يهيم الناس في مضايا على وجوههم بحثاً عن مخرج ولات ساعة مخرج.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات