مؤتمر أستانا.. أداء جيد للمعارضة وعودة حتمية إلى جنيف

مؤتمر أستانا.. أداء جيد للمعارضة وعودة حتمية إلى جنيف
أثبت مؤتمر أستانا وما شهده من نقاشات سجالات وما تمخّض عنه من نتائج، بما في ذلك البيان الختامي ما قلناه سابقاً لجهة أننا لسنا أمام آلية جديدة مقابل آلية جنيف، بل خطوة وحتى محاولة لملء الفراغ، واشبه  بالوقت المستقطع باتجاه العودة إلى جنيف في الجغرافيا والسياسة أيضاً، وأكد المؤتمر كذلك على حضور المعارضة السورية التي قدمت إداء جيداً، وكان موقفها متماسكاً ومنسجماً مع قناعتها كما القضية المحقة والعادلة للشعب السوري في مقابل العصابة الحاكمة التي استقدمت الاحتلالات الأجنبية على اختلاف أشكالها ومسمياتها.

نجح وفد المعارضة في تحقيق عدة أمور وأهداف، أولها التأكيد على أن الغرض الأساس من المؤتمر يتمثل بتثبيت وقف إطلاق النار، وانهاء كل الانتهاكات من قبل النظام والميليشيات الأجنبية التابعة ، وأنه لا يمكن الانتقاء من حزمة  تفاهم وقف النار، كونه كل متكامل بما في ذلك إنهاء كل الاختراقات ، وطبعاً على كامل الأراضي السورية.

 لعل أفضل ما فعله الوفد كان تسليط الضوء على الدور المدمر لإيران والميليشيات الطائفية، التي جلبتها لحماية النظام ومنع سقوطه - فشلت في ذلك لولا الاحتلال الروسي، كما أقرّ لافروف الأسبوع الماضي – ونجح الوفد  في وضع الملف على جدول الأعمال السياسي والإعلامي، ولو في مرحلة ما بعد أستانة حيث ستتصدر قضية الميليشيات الأجنبية وضرورة انسحابها، كون وجودها غير شرعي وفق كل المواثيق والقوانين والمعاهدات الدولية.

 وهنا لابد من التأكيد على أن حجة إيران الاعلامية مدحوضة من أساسها،  كون النظام فقد شرعيته بعدما ارتكب هذا الكم البشع من الجرائم الموصوفة بحق البلاد والعباد بما في ذلك استخدام السلاح الكيماوي،  وحتى مع النفاق والازدواجية من قبل الامم المتحدة والمجتمع الدولي فان شرعيته الشكلية -على علاتها- لا تعطيه الحق في طلب التدخل من ميليشيات غير شرعية وبعيداً عن حكوماتها بما في ذلك لبنان وحتى طهران نفسها المستلبة لفكرة وذهنية الكيانات الموازية لم تمتلك الجرأة والشجاعة لإرسال جيشها-كما فعلت روسيا مثلاً- فجذبت مرتزقة و وشذاذ افاق للقتال نيابة عنها وبالتناقض مع ابسط المعايير والقيم الدولية.

لا يقل عن ذلك أهمية رفض مناقشة أي ملفات أو قضايا سياسية، وربط ذلك بالوقف الشامل والتام لإطلاق النار مع التأكيد على أن الهيئة العليا للتفاوض هي المعنية بالنقاش السياسي بجوانبه المختلفة، وأن الوفد الذي ضم الفصائل المسلحة حضر فقط من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، وإنهاء الانتهاكات والاختراقات له من قبل إيران وميليشياته، وحتى الحديث عن النظام هنا يبدو مجازياً كونه أداة فاقد القدرة على الفعل.

في السياق نفسه لا يمكن تجاهل رفض وفد المعارضة تسلم مسودة الدستور الروسية، فالأمر هنا يتعلق بالمبدأ بعيداً عن الشكل، لا تملك روسيا كقوة احتلال الحق في كتابة دستور أو حتى تقديم مسودات له، وهذا حق أصيل للمعارضة والشعب السوري وقواه الحية، هذا الموقف المبدئي والشجاع عجز عنه النظام العصابة التابعة والخاضعة، التي لا تمتلك القوة أو الجرأة لفعل الأمر نفسه أو مواجهة القوى الخارجية التي جلبتها من أجل بقائها في السلطة مع تسليمها السيادة الفعلية على الأرض بما في ذلك نهب ثروات ومقدرات الشعب السوري.

وفد المعارضة امتلك الجرأة والشجاعة كذلك لرفض البيان الختامي، الذي صدر في النهاية عن القوى الراعية الثلاث، لأنه مطالبه المحقة لم تتحقق كلها أو لأنه تضمن رؤى ومواقف سياسية لا يمكن قبولها أو تحتاج إلى تحسين وتطوير.

البيان كان سيئاً بالتأكيد، أو على الأقل تضمن عدة ثغرات ونواقص، وبدا أقرب إلى التسوية بين وجهات النظر المتعارض للقوى الراعية منه إلى بيان يلخص نتائج المؤتمر ويمكن للمعارضة أن تدعمه وتضع توقيعها عليه، وبلغة أخرى بدا البيان الختامي تعويض ما عن عدم خروج المؤتمر بنتائج جدية أو حصيلة يمكن إعلانها والبناء عليها فيما بعد.

ورغم ذلك فإن الاجتهادات القائلة أن البيان يؤسس لآلية وعملية جديدة، وأنها تجاوز لآلية جنيف هي متسرعة وفي غير محلها، لأنه تطرق صراحة ومباشرة إلى مرجعية القرار الأمم 2245 الذي نص بشكل صريح على إعلان جنيف كأساس للحل، كما على الربط المباشر بين وقف إطلاق النار، والمفاوضات أو عملية التسوية في شقها السياسي.

بتفصيل أكثر فقد جاء في القرار الأممي 2245 في مادته الأولى وبالحرف الواحد" تأييده لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/يونيو 2012، كما بياني فيينا في إطار السعي إلى كفالة التنفيذ الكامل لبيان جنيف، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية، وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها من أجل إنهاء النزاع في سورية، ويشدد على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سورية.

وأما في مادته الخامسة فقد سلّم القرار نفسه بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار، وانطلاق عملية سياسية موازية، عملاً ببيان جنيف لعام 2012، وبضرورة التعجيل بالدفع قدماً بكلتا المبادرتين، كما أعرب عن تأييده لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سورية.

البيان الختامي  كان إذن أقرب إلى تسوية أو حلول وسط لغوية، وحتى شكلية بين موقف تركيا وروسيا الراعيين لوقف إطلاق النار مع دور سلبي لإيران المستفزة والمتوترة ، والمعنية بإفشال العملية كلها لأنها  كانت وما زالت مستلبة للحل العسكري أو سورية  الطائفية المفيدة في الحد الأدنى المفيدة،  وترفض في الجهر أي حل سياسي، كونه سيأتي  حتماً على أساس بيان جنيف ولن يكون دور أو حضور للأسد بعدما ارتكبه بحق الشعب السوري من فظائع وجرائم.

كما قلنا سابقاً فإن أستانا ليست عملية جديدة، وإنما محاولة لملء الفراغ و بمثابة وقت  مستقطع إلى حين نضوج الظروف من أجل عملية سياسية جدية حقيقية وفاعلة، وأنقرة وموسكو تفهمان طبعاً رغم المشاغبة والعرقلة الإيرانية أن من المستحيل التوصل إلى حل عادل ومستدام بدون دور فاعل للأمم المتحدة و وقوى مهمة وفاعلة أخرى مثل واشنطن بروكسل الرياض والدوحة، وأن روسيا التي حمت النظام من السقوط بعد فشل إيران وميليشياتها في فعل ذلك، ستكون اللاعب المركزي على الأرض من جهة النظام أو بقاياه بالأحرى وستزيح طهران من الواجهة خاصة مع موقف ترامب المعادي لها وموسكو تفهم بالتأكيد أن التسوية تحصل مع الممثلين الحقيقيين والمعارضة الفاعلة والجدية على الأرض كما مع القوى المساندة قولاً وفعلاً للشعب السوري وقواه الحية وأنقرة على وجه التحديد.

فيما يتعلق بتركيا ينبغي التأكيد مرة أخرى بدون تلعثم أو تردد على أنها ليست روسيا أو ايران ، هي صديق صدوق للشعب السوري ، واستنبول أخت حلب الشام القدس الموصل والقاهرة، تستفيق  من القطيعة التاريخية ببطء لكن بشكل تدريجي متواصل ، ومصالحها الاستراتيجية متطابقة مع مصالح الشعب السورى والشعوب العربية الأخرى ، هي لا تفكر بالذهنية الأقلوية أو التقسيمية ، وحتى الان لم تقدم وهى أصلاً ليست بوارد تقديم  أي تنازلات استراتيجية تنال من حق الشعب السوري الأصيل في تقرير مصيره ونيل حريته استقلاله وكرامته على كامل ترابه الوطني.  

التعليقات (1)

    salim hamid

    ·منذ 7 سنوات 3 أشهر
    يسلم فمك استاذ ماجد انت تقول الحق اكيد وانت في تركيا او خارج تركيا فعلا الانسان العربي والمسلم يشعر بالفخر والاعتزاز بمواقف القياده التركيه تجاه قضايانا حفظها الله قويه عزيزه
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات